اتفاقية شنغن .. كيف انشات المنطقة ؟ وكم عدد الدول فيها ؟ وماهي ايجابياتها .
يمكنك دومًا الاعتماد على البيروقراطيين الأوروبيين في منح شيء ما اسمًا غير لطيف. اتفاقية شنغن على سبيل المثال، وهي الخطة التي تهدف للتخلص من الحدود المشتركة في أوروبا، سميت على اسم بلدة صغيرة في لوكسمبورج (يبلغ عدد سكانها 4313) حيث اجتمع عدد قليل من الدول الأوروبية في عام 1985.
وفي الوقت الذي قد لا تبدو فيه الاتفاقية مثيرة، فإن ما أسفرت عنه لم يسبق له مثيل تقريبًا. هناك الآن 26 دولة مختلفة داخل منطقة شنغن. وفي المجمل، يمكن لـ400 مليون شخص السفر بحرية في المنطقة التي تمتد على مساحة أكثر من 1.6 مليون ميل مربع. وبالنسبة للكثير من الأوروبيين، فإن منطقة شنغن قوة رمزية ملحوظة تقول: تذكر، قبل زمن ليس ببعيد كانت هذه القارة مقسمة بواسطة الجدران.
ولكن بعد ثلاثين عامًا، بات من الواضح أن الاتفاق كان له بعض العواقب غير المقصودة ويواجه الآن انتقادات شديدة. فما هي بالضبط منطقة شنغن؟ ولماذا هي في ورطة؟ دعونا نشرح لكم.
كيف أنشئت منطقة شنغن؟
جسدت المادة 48 من معاهدة روما لعام 1957 مبدأ “حرية تنقل الأشخاص” في المجتمع الاقتصادي الأوروبي (EEC)، سلف الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، اختلفت الدول الأعضاء حول الجوانب العملية لما يعنيه ذلك في الواقع منذ عقود.
إلا أنه عندما اجتمعت كل من بلجيكا، وفرنسا، ولوكسمبورغ، وهولندا وألمانيا الغربية في عام 1985، جرى التوصل إلى اتفاق للإلغاء التدريجي لمراقبة الحدود في أوروبا. وقد أعقب اتفاق شنغن في عام 1985 معاهدة شنغن عام 1990، التي رسخت فكرة وجود سياسة التأشيرات المشتركة.
وبعد سنوات من مزيد من النقاش، جرى تنفيذ اتفاق شنغن في نهاية المطاف في عام 1995. وقد صمم في الأصل كاتفاق منفصل عن قوانين الاتحاد الأوروبي بسبب الخلافات، وقد أدرج ضمن قوانين الاتحاد الأوروبي في عام 1999 عندما دخلت معاهدة أمستردام حيز التنفيذ.
كم عدد الدول في منطقة شنغن حاليًا؟
هناك 26 دولة في منطقة شنغن، بما في ذلك جميع دول الاتحاد الأوروبي باستثناء ستة دول. وقد انسحبت كل من بريطانيا وأيرلندا من الاتفاق في بدايته. وهناك أربع دول كانت قد انضمت حديثًا إلى الاتحاد الأوروبي -بلغاريا، كرواتيا، قبرص ورومانيا- مطالبة قانونًا بالانضمام إلى منطقة شنغن في وقت لاحق، كما وافقت عدة دول من خارج الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك النرويج وسويسرا، على الانضمام من خلال اتفاقات منفصلة.
ما هي إيجابيات منطقة شنغن؟
في كثير من الأحيان يحتفل المسؤولون في الاتحاد الأوروبي بالنجاح الواضح لاتفاق شنغن. قال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، في مقالة له في صحيفة لوفيجارو الفرنسية الشهر الماضي إن منطقة شنغن هي “واحدة من أعظم إنجازاتنا.”
وبعيدًا عن الأهمية الرمزية الواضحة للنظام، فإن له فوائد عملية واضحة. يساعد النظام في دعم التجارة بين الدول، وهذا يعني أن السائح يمكنه أن يسافر من بولندا إلى البرتغال بالقطار دون الحاجة إلى إبراز جواز سفره. وقد ساعد ذلك الأوروبيين على أن يعيشوا حياة مترابطة على نحو متزايد، فليس من غير المألوف للناس أن يعيشوا في إحدى بلدان منطقة شنغن والسفر للعمل في بلد آخر، على سبيل المثال.
إذًا، هل تحظى الاتفاقية بدعم الأوروبيين؟
ليس بالضبط. في السنوات الأخيرة أظهر عدد من استطلاعات الرأي وجود معارضة لمنطقة شنغن في مجموعة متنوعة من الدول. في عام 2012، على سبيل المثال، وجد استطلاع أجرته ايبسوس موري أن أغلبية المواطنين في فرنسا (64٪)، وبلجيكا (62٪)، وإيطاليا (62٪) والسويد (59%) وأسبانيا (54٪) وألمانيا (51%) تؤيد إعادة فرض السيطرة على الحدود. وأشار استطلاع للرأي نشر في وقت سابق من هذا الصيف في صحيفة لوفيجارو الفرنسية إلى مستوى مماثل من المعارضة.
لماذا يعارض الأوروبيون الاتفاقية؟
عندما وضعت الدول الأوروبية تصورًا لمنطقة شنغن في بادئ الأمر، اعتقدت أنه في الوقت الذي سيجري فيه التخفيف من إجراءات الأمن على الحدود الداخلية، سيتعين على الدول الأوروبية العمل معًا لتعزيز الحدود الخارجية بصورة جماعية. المشكلة هي أن الكلام أسهل من العمل. ومع تسبب الصراعات في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في وجود الآلاف من النازحين والمهاجرين خلال السنوات القليلة الماضية، تزايد تدفق اللاجئين نحو أوروبا بمعدل أسرع مما كان متوقعًا. وعلى الرغم من المحاولات لإيجاد إستراتيجية مشتركة لتأمين الحدود الخارجية لأوروبا، تمكن العديد منهم من العبور إلى أوروبا.
عندما بدأت أزمة المهاجرين الحالية، كان الكثير من الناس يصلون إلى إيطاليا بعد خوض رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط عن طريق القوارب. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك زيادة في عدد القادمين إلى اليونان بعد العبور من تركيا ومن ثم السفر عبر البلقان حتى يصلوا إلى صربيا أو أي بلد آخر في منطقة شنغن. وأينما يصلوا أولاً، فكثير من هؤلاء المهاجرين واللاجئين يأملوا أن تحط بهم الرحال في نهاية المطاف في أوروبا الغربية حيث قد يكونون أكثر حظًا في قبول طلب اللجوء السياسي. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تستقبل ألمانيا المزيد من المهاجرين أكثر من أي بلد آخر في أوروبا هذا العام، على سبيل المثال.
إنه وضع يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثلما ظهر ذلك جليًا عند اكتشاف 71 قتيلًا من المهاجرين في مؤخرة شاحنة في النمسا. فضلًا عن أن الدول المحيطة بأوروبا، التي عادة ما تكون بلدانًا فقيرة مثل اليونان أو المجر، غالبًا ما تواجه أسوأ ما في الأمر، فلن يتحملوا فقط العبء الأكبر من المهاجرين الذين يصلون، ولكن وبفضل تشريعات الاتحاد الأوروبي المعروفة باسم إجراءات دبلن، يتوقع منهم أيضًا استعراض طلبات اللجوء حتى لو كان المهاجر يعتزم السفر إلى بلد آخر.
كيف تتعامل هذه الدول مع الأزمة؟
المجر، التي تقودها حاليًا حكومة محافظة برئاسة فيكتور أوربان، تصدرت عناوين الصحف العالمية بسبب اتخاذها مجموعة متنوعة من التدابير الرامية بوضوح لوقف تدفق المهاجرين عبر البلاد. فقد أغلقت يوم الثلاثاء محطة القطار الرئيسية بعدما أصبحت تعج بأناس يأملون في الوصول إلى أوروبا الغربية. كما قامت أيضًا ببناء سياج بطول 109 ميل على طول حدودها مع صربيا وحاولت لفترة وجيزة الالتفاف على التزامات إجراء دبلن.
إن العديد من هذه التحركات يبدو أنها تتعارض مع روح اتفاق شنغن، والمجر ليست الحكومة الوحيدة التي قامت بتحركات تشكك في فكرة أوروبا بلا حدود. فقد أعلنت حكومة الدنمارك مؤخرًا أنها تعتزم إعادة السيطرة على طول حدودها مع ألمانيا، في حين حكمت محكمة فرنسية في وقت سابق من هذا الصيف بأن الرقابة على الحدود بهدف وقف عبور المهاجرين من إيطاليا إجراء قانوني. وفي الأسبوع الماضي فقط، زادت النمسا بشكل كبير من عدد عمليات التفتيش على حدودها، مما أدى إلى طوابير من الشاحنات التي تمتد لأميال.
تسمح المادة 2.2 من معاهدة شنغن بإعادة مراقبة الحدود لأسباب تتعلق “بالسياسة العامة أو الأمن القومي”، ولكن العديد من أنصار منطقة شنغن قلقون من أن هذا يمثل تهديدًا وجوديًا للاتفاق.
هل الهجرة هي مشكلة منطقة شنغن الوحيدة؟
لا. فبينما تشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم منتقدي منطقة شنغن ينظرون إلى مشكلة الهجرة كسبب رئيس لاستعادة السيطرة على الحدود، هناك أيضُا مشكلة الأمن المتشابكة. برزت هذه القضية الشهر الماضي عندما تم إحباط هجوم على قطار بين أمستردام وباريس كان يقل عددًا من الركاب. كان المشتبه به في محاولة الاعتداء، أيوب الخزاني، معروفًا لأجهزة المخابرات الأوروبية ولكن كان قد اشترى تذكرته نقدًا ولم يطلب منه إظهار هويته على متن القطار.
إضافة إلى تلك المخاوف، ثمة تقارير تفيد بأن ليست كل الدول تلتزم بالمعايير الأمنية نفسها عندما يصل السياح من خارج منطقة شنغن. فبعد هجمات باريس التي وقعت في يناير، اعترف جيل دي كيرشوف، منسق الاتحاد الأوروبي مكافحة الإرهاب، أنه في معظم الحالات يقوم حرس الحدود ببساطة بفحص جوازات سفر المواطنين التابعين للاتحاد الأوروبي للحكم عليها إن كانت أصلية أم لا بدلاً من وضعها في جهاز الكمبيوتر لمعرفة ما إذا كان جواز السفر مسجلاً في أي من قواعد البيانات.
عامل كبير آخر هو أن السلع غير المشروعة، بما في ذلك الأسلحة، يمكن نقلها عبر الحدود في منطقة شنغن بسهولة كبيرة. ويقول الخبراء إن العديد من الأسلحة التي يعثر عليها في أوروبا الغربية، بما فيها تلك المستخدمة في هجمات باريس، على الأرجح يجري تهريبها من مناطق نزاع سابقة في أوروبا الشرقية.
إذا كانت هناك مشكلات حقيقية في الاتفاقية، هل يمكن إصلاحها؟
من المقرر أن يجتمع المسئولون الأوروبيون يوم 14 سبتمبر لمناقشة كيف يمكن التعامل بشكل أفضل مع طالبي اللجوء وغيرهم من المهاجرين. وقد اقترحت بعض الدول، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، نظام الحصص لضمان أن يتم تقاسم المزيد من اللاجئين بالتساوي بين الدول الأوروبية. والأمل هو أن مثل هذه الخطة يمكن أن تساعد في تخفيف بعض المشاكل المرتبطة بمنطقة شنغن. قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر صحفي في برلين يوم الإثنين “إذا لم ننجح في توزيع اللاجئين بالتساوي فستكون مسألة شنغن على جدول الأعمال بالنسبة للكثيرين”.
سمع هذا النوع من التحذيرات مرات عديدة من قبل –من قبل الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي في عام 2012، على سبيل المثال– وقد صمدت منطقة شنغن. وقد تصمد بشكل جيد مجددًا هذه المرة، خاصة إذا كان يمكن للدول الأوروبية إيجاد طريقة لتنسيق نظم اللجوء والأمن بشكل أفضل.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تخفت في أي وقت قريب حدة الانتقادات لنظام شنغن والتكامل الأوروبي الذي تمثله. ففي جميع أنحاء أوروبا، حققت الأحزاب السياسية المناهضة للاتحاد الأوروبي مكاسب مطردة خلال السنوات الأخيرة. والعديد من هذه الأحزاب والناخبين الأوروبيين الذين يدعمونهم يرون منطقة شنغن، مثل اليورو، بوصفها مثالًا على البيروقراطية الأوروبية الساذجة التي اتسعت بشدة.