كذبة نيسان .. مزاح قد يتحول الى ما لا يحمد عقباه
كذبة نيسان هي عادة يمارسها العديد الناس في دول العالم في الأول من نيسان كل عام ، عن طريق خداع الأصدقاء أو الجيران أو نشر اكاذيب كي يصدقها البعض وتضعهم في مواقف محرجة.
ولا يعرف بالتحديد أصل هذه البدعة التي يسميها الانكليز April scherz او يوم حمقى نيسان April Fools’ Day ، ولكن لماذا اختير هذا اليوم تحديداً ؟
كانت السنة الميلادية تبدأ بشهر نيسان وليس بشهر كانون الثاني الى ان امر شارل التاسع ملك فرنسا عام 1564بجعل أول السنة كانون الثاني بدل نيسان.
وكان بعض الناس لا يعترفون بهذا التغيير ويصرون على ان اول نيسان هو اول السنة ، فيتعرضون لمواقف محرجة وسخرية الاخرين ، فنشأ تقليد مزاولة الكذب في ذلك اليوم.
ويرى آخرون ان هناك علاقة بين الكذب في اول نيسان وبين عيد (هولي) المعروف في الهند والذي يحتفل به الهندوس في 31 اذار من كل عام ( يعني ليلة اول نيسان) وفيه يقوم بعض البسطاء بمهام كاذبة لمجرد اللهو والدعاية ، ولا يكشف عن حقيقة أكاذيبهم هذه الا مساء اليوم الأول من نيسان.
وهنالك تفسيرات اخرى لنشوء هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية ، والطريف في كذبة اول نيسان انها تساوي بين العظماء والصعاليك وبين الاغنياء والفقراء.
فقد حدث ان كان كارول ملك رومانيا يزور احد متاحف عاصمة بلاده في اول نيسان فسبقه رسام بارع ورسم على ارضية احدى قاعات المتحف ورقة مالية من فئة كبيرة فلما رآها أمر احد حراسة بالتقاط الورقة المالية ولكن عبثا.
ومما يسترعي الانتباه ان هذه البدعة في أول نيسان منتشرة في غالبية دول العالم باختلاف ألوانهم ومعتقداتهم وثقافاتهم.
لماذا يكذب الناس ؟ يقول الباحث الانكليزي جون شيمل الذى شغل نفسه بالبحث عن اصول الكذب ودوافعه ومسبباته ” الكذب صفة شائعة بين البشر وتثبت كل الأدلة ان المرأة اكثر استخداما للكذب من الرجل “.
ويرجع السبب الى عاملين اولهما نفسي عاطفي ، فالمرأة أكثر عاطفية من الرجل ولان الكذب حالة نفسية ترتبط بالجانب العاطفي أكثر من ارتباطها بالجانب العقلاني ، فالنتيجة الطبيعية ان تكون المرأة اكثر كذبا من الرجل ، والعامل الثاني ان الكذب بصفة عامة هو سمة المستضعفين.
والانسان غالبا ما يلجأ الى الكذب لاحساسه بالضعف او الاضطهاد وللهروب من واقع اليم يعيشه ، ولان المرأة عاشت على مر العصور وفي مختلف المجتمعات البشرية ، تعاني الاضطهاد والقهر ، فكان لابد وان تلجأ الى الكذب.
ومن طرائف كذبة نيسان ان ملكة فرنسا ماريا مديتشي كذبت على زوجها الملك هنري الرابع (1553-1610) بان ارسلت له رسالة من مزعومة تحدد له موعدا ، وعندما ذهب الملك الى الموعد وجد زوجته الملكة بانتظاره ومعها الحاشية.
وفي الاول من نيسان 1774 نشرت جريدة المانية تصدر في برلين خبرا مفاده ان العلماء توصلوا الى انه اذا اردت ان تلون ريش دجاجاتك فما عليك سوى ان تصبغ جدران الحجرة باللون الذي ترغب فيه ليتحول ريش الدجاج تدريجيا الى ذلك اللون.
ويظهر ان الكثيرين صدقوا هذه المزحة اذ ان بعضهم كتب للجريدة بعد فترة انهم صبغوا الجدران ولكن لون ريش الدجاج لم يتغير !.
في عام 1988 اذاعت محطة /بي بي سي/ انه وبتأثير من كوكب /جوبتر/ ستخف جاذبية الارض في تمام الساعة التاسعة و45 دقيقة بحيث ان الذي يقفز من مكانه في تلك الدقيقة سيجد نفسه طائرا في الهواء لثوان عدجة !! الطريف ان الكثيرين اتصلوا بالمحطة واكدوا ان ذلك قد حصل معهم فعلا !!
ترى ما رأي الشرع في هذه العادة ؟
المعروف أن الكذب لا يجوز ولو على سبيل المداعبة ، والنبي (ص) يقول ” ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له “.
والصدق أحد أركان بقاء العالم .. وهو أصل المحمودات ، وركن النبوات ، ونتيجة التقوى ، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ، والاتصاف بالكذب ، انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق.
وفي الشريعة الاسلامية جاء التحذير منه وعلى تحريمه وقع الإجماع ، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة ، ولم يأت في الشرع جواز ” الكذب ” إلا في أمورٍ معينة لا يترتب عليها أكل حقوق ، ولا سفك دماء ، ولا طعن في أعراض …الخ ، ويكون فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين ، أو مودة بين زوجين.
ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحاً ، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول نيسان أو في غيره من الأيام ، وهذا خطأ ، ولا أصل لذلك في الشرع.
والكذب حرام مازحاً كان صاحبه أو جادّاً ، فالكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره.
ويبقى الجدل قائما في اول نيسان ، وقد تودي كذبته بحياة انسان عليل الفؤاد ، او مرهف الاحساس ، عند ذاك لا يعذر من يجيز الكذب ولو على سبيل المزاح.
المصدر: عمر كريم