شوان داودي..لماذا رفع العلم الكوردستاني في كركوك؟
خلال الاسبوعين الماضيين حضيت مسألة رفع العلم الكوردستاني على البنايات الحكومية باكبر قدر من التداول على الرغم من ان مسالة كركوك ظلت معلقة ولم يحسم مصيرها في العراق, فيما بذلت الجهود على الدوام من اجل تأجيلها.
كان موضوع مصير كركوك والمناطق الكوردستانية الاخرى خارج الاقليم شرط الكورد للمشاركة في العملية السياسية بعد تحرير العراق وانهيار الدولة العراقية, وكذلك المشاركة في اعادة بنائها من خلال المشاركة في كتابة الدستور والتصويت عليه، وعليه ادرجت المادة 58 من قانون المرحلة الانتقالية التي جرى اقرارها في الدستور الدائم تحت عنوان المادة 140 شرط تنفيذها خلال سنتين وبثلاث مراحل.
لقد فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة عن قصد او عن غير قصد في تنفيذ هذه المادة, ليس في مدتها المحددة بل وحتى يومنا هذا وبعد مضي 12 سنة على صدورها، واضافة الى عدم تنفيذ المادة 140 فكركوك وخلافا لكل المحافظات العراقية الاخرى حرمت من كل حقوقها الدستورية والقانونية ومن نصيبها في ثرواتها الطبيعية بذرائع شتى حتى باتت المحافظة العراقية الوحيدة التي تقع خارج النظام الاداري العراقي، ولاتزال المحافظة الوحيدة التي تعمل بقوانين الحاكم الامريكي المدني للعراق بول بريمر.
تعرضت قضية كركوك لتدخلات كبيرة، فاضافة الى الاجندة الحزبية والسياسية داخل العراقي فان لدول الجوار كان لها دورا سلبيا وسيئا في منع حسم هذه القضية، بل ان الامم المتحدة بدلا من حل هذه القضية دستوريا وتسهيل تطبيق هذه المادة الدستورية الخاصة بها قامت وعن طريق ممثلها ديمستورا حينها بتعقيد الامر اكثر.
ان العراق هو احدى الدول التي جرى تشكيلها من قبل القوى التي انتصرت في الحرب العالمية الاولى على الدولة العثمانية, والذي شكلت فيه بريطانيا في العام 1919 لكركوك اول مجلس يتألف من 12 عضوا اعتمادا على النسب السكانية وكانت: (6) للكورد و(3) للتركمان و(1) للعرب و(1) لليهود.
هنا أورد بعض الاحصاءات المتعلقة بكركوك ابتداءا من تأسيس الدولة العراقية ولغاية عام 1957 واضعها بين ايدي القارئ الكريم, ففي عام 1925 ولغاية عام 1955 عينت 20 محافظا للمدينة من الكورد ومن 1925الى عام 1957 اجريت في العراق 15 دورة انتخابية للبرلمان العراقي, الاولى كانت عام 1925 حيث كان لكركوك اربع ممثلين في البرلمان ثلاثة منهم من الكورد والرابع من التركمان، وفي الاعوام 1928و 1930 كانتا نفس النتيجة وفي عام 1933 2 للكورد و2 للتركمان، في العام 1935 فاز الكورد بثلاث مقاعد ومقعد للتركمان ومقعدا لليهود، في العام 1937 انتخب اربعة من الكورد وتركماني وعربي في البرلمان، يتضح من ذلك ان عرب كركوك وصلوا الى البرلمان عن طريق كركوك لاول مرة عام 1937, وجرى في ذات العام انتخابات اخرى فاز فيها ثلاثة من الكورد و2 من التركمان وعربي واحد، فيما كانت نتيجة انتخابات عام 1939 هي 5 للكورد وتركماني واحد, وفي انتخابات عام 1943 ثلاثة للكورد وتركماني واحد, وفي العام 1946 فاز 6 من الكورد و2 من التركمان، فيما اسفرت انتخابات عام 1948 عن فوز5 من الكورد و2 من التركمان وعربي واحد، اما نتيجة سنة 1953 فكانت 4 للكورد و3 للتركمان وعربي واحد، والعام 1954 للكورد و4 للتركمان وكانت النتيجة هي ذاتها.
هذه الحقائق تسلم بان التركمان لم يكونوا اغلبية في كركوك في اي وقت مضى، لكن كركوك بعد عام 1958 ولغاية 2003 تعرضت الى حملات وحشية ومرعبة, اتبعت خلالها الحكومات العراقية المتعاقبة سياسة التعريب ابتداءا من اقتطاع اربع اقضية كبيرة منها وهي اقضية (جمجمال, كلار, كفري, خورماتو) والحاقها بمحافظات السليمانية وديالى وصلاح الدين, وصدر بها مرسوم جمهوري بتوقيع احمد حسن البكر, بعد ذلك بدأت عملية ترحيل آلاف العوائل الكوردية الى مدن كردستان والوسط وجنوب العراق, ونقل كذلك الالاف من الموظفين الكورد من كركوك الى وسط وجنوب وغرب العراق, وتم كذلك تدمير وتسوية اكثر من 450 قرية كوردية تقع حول كركوك, اضافة الى الاستيلاء على اراضي الكورد والتركمان ايضا من قبل الحكومة وتوزيعها لاحقا عن طريق العقود على العرب الوافدين من مدن العراق في الجنوب والوسط ومنحهم امتيازات كبيرة تمثلت في ,اموال, اراضي,وظائف في كركوك, بهدف احداث تغيير ديموغرافي في المحافظة وتحويلها من مدينة ذات اغلبية كوردية الى اغلبية عربية، وقامت الحكومة بعد ذلك بمنع تسمية الاطفال باسماء كوردية كما قامت بتغييرات عرقية من خلال سجلات نفوس الكثير من الكورد والتركمان الى القومية العربية.
مع انهيار حكم البعث انهارت معه كل هذه السياسات البعثية وعاد الكورد المرحلون والمبعدون قسرا الى مدينتهم بزخم كبير, فيما غادر العرب الوافدون الذين جاؤوا من اجل المال والامتيازات المدينة, في هجرة عكسية وطوعية الى مدنهم الاصلية في وسط وجنوب وغرب العراق باستثناء القليل منهم.
عودة الكورد الطوعية السريعة الى كركوك اصابت المكونات الاخرى والاطراف السياسية العراقية وبعض الدول بصدمة مما جعلهم ومنذ ذلك الوقت يعملون باستمرار وبذرائع شتى على حرمان كركوك من استحقاقاتها الدستورية والقانونية، بحجة ان الكورد يسعون الى احداث تغيير ديموغرافي في كركوك؟!، فيما الحقيقة تقول ان الكرد استطاعوا في فترة قصيرة انهاء ما تعرضوا له خلال خمسين عاما من عمليات تغيير ديموغرافي وهي الفترة التي تمتد من عام 1955 والى العام 2003, عينت الحكومات العراقية على مداها 30 محافظا عربيا على كركوك.
ان العرب الوافدين في كركوك الذين انتزعت لهم الحكومات المتعاقبة من افواه اطفال الكرد والتركمان ووضعتها في افواههم, لا يزالون غير مستعدين للتخلي عن اراضي الكورد والتركمان, وليسوا على استعداد لقبول حل قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل التي استولوا من خلالها على اراضي الكورد والتركمان وتعريب المحافظة.
مع التصويت على الدستور العراقي عام 2005 جرت انتخابات لانتخاب مجلس لمحافظة كركوك وفازت القائمة المتآخية الكوردية ب(26) مقعدا من مجموع(41) مقعدا تمثل مقاعد المجلس, فيما فاز التركمان ب(9) مقاعد والعرب(6) مقاعد, وعلى صعيد انتخابات البرلمان العراقي لعام 2005 فاز الكورد بستة مقاعد والعرب باربعة والتركمان بمقعدين وبقيت النتائج على حالها في انتخابات عام 2010, لكن انتخابات عام 2014 اسفرت عن فوزالكورد ب(8) مقاعد ووفوز كل من العرب والتركمان بمقعدين.
بعد احتلال داعش للموصل ترك الجيش العراقي مدينة كركوك والمناطق العربية التابعة لها وهي مناطق (الحويجة, العباسي, والرشاد, الرياض) والتي وقعت بسببها تحت سيطرة داعش, فيما قامت قوات البيشمركة بحماية مدينة كركوك وداقوق وطوزخورماتو، والتي بقيت كل المكونات فيها تعيش بسلام ووئام تحت حماية البيشمركة، اضافة الى ان كركوك احتضنت اكث من 650 الف نازح من محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والانبار وقضاء الحويجة، وباتوا هؤلاء شركاء مع اهل كركوك في كل مقومات الحياة واستضافت 85 طالبا طالبة من ابناهم في مدارس المدينة اضافة الى 25 الف طالب وطالبة من طلبة جامعات الموصل وتكريت مع اساتذتهم ليكملوا مسيرتهم التعليمية مع جامعة كركوك.
على الرغم من مشاركت كركوك النازحين كل شيء من ماء وكهرباء ومحروقات فان الجهود بذلت من اجل حرمان كركوك حتى من حقها في انتخاب مجلس لمحافظتها في وقت يمر العراق فيه بمنعطف جديد يتمثل في عراق ما بعد داعش لا يمكن مقارنته بعراق ما قبل داعش، ولذا فاننا ككركوكيين وككورد في المدينة بالاخص قررنا ان لا يستمر وضع كركوك معلقا كما هوالحال سابقا ويجب ان نحسم وضع المدينة ومصيرها.
ان قرار المحافظ ومجلس المحافظة برفع علم كوردستان الى جانب العلم العراقي على المؤسسات والدوائر الرسمية والحكومية يعتبر خطوة على هذا الطريق, وهي خطوة رحبت بها جماهير المدينة بكل مكوناتها, من وقف ضدها هو من يقف في اطار اجندة سياسية وليس جماهيرية.
ان الجماهير العربية في كركوك ليس لديها مشكلة ما يكون نوع العلم الذي يرفع على هذه المؤسسات بل مشكلتهم هي ان يروا نهاية لوضعهم المأساوي ويعودوا الى مدنهم وقراهم، اما الجماهير التركمانية فان ما يهما هو رفع الظلم الذي حل بها وان تعاد لها املاكها واراضيها وان تبقى حياة ابنائها محفوظة ومؤمنة مثلما حمتها قوات البيشمركة من داعش وليس مهما لها من يدير المدينة خصوصا انهم حانقون على زعمائهم السياسيين اللذين تخلوا عن كركوك ومنصبهم في مجلس المحافظة من اجل مناصب في بغداد.
وهكذا وقفت الجبهة التركمانية ضد رفع علم كردستان وطالبت التركمان بمقاطعة الدوام لكن التركمان لم يقاطعوه.. وطلبوا بعد ذلك التظاهر ضد رفع العلم ولكن الشارع التركماني كان واعيا ولم يستجب لنداءات الجبهة ولم يتمكنوا سوى من اخراج مايزيد قليلا عن300 متظاهر!.
اود هنا ان احيي الجماهير التركمانية الكركوكية والشارع التركماني الذي اثبت انتمائه الكركوكي الاصيل وانه لن يضلل بشعارات الاجندات الخارجية و يقدر عاليا تضحيات قوات البيشمركة, وان كل تلك الحقائق اعلاه كانت سببا لقرار رفع العلم الكوردستاني في كركوك لان قضية كركوك يجب ان تسير الى الامام على طريق الحل وان لا تبقى معلقة فيما يجري سرقة نفطها.
مما يؤسف له انه وبعد مضي اكثر من اربعة عشر عاما على عملية بناء النظام الديمقراطي الاتحادي الدستوري التوافقي، يواصل السادة النواب و معظم اليساسيين اليوم عملهم بطريقة سياسة فرض الارادات ،وهذا ماكان واضحا في قرار مجلس النواب حول رفع علم كوردستان جنبا الي جنب العلم العراقي في محافظة كركوك ، وقد تناسى اخوتنا من الساسة العرب ان اكثر من مليوني عربي عراقي نازح ومهاجر يعيشون بسلام بتضحيات دماء البشمركه وفي ظل علم اقليم كوردستان في محافظات الاقليم وفي كركوك ايضا ، والمؤسف ايضا ان اخوتنا النواب من عرب وتركمان كركوك يعيشون هم وعوائلهم يعيشون في ظل حماية بنادق البيشمركة وتحت علم كوردستان.
علينا جميعا اذا اردنا العيش بسلام ، العودة الي الدستور وتنفيذ بنوده لرفع الغبن عن المدينة والشروع بترك سياسة لي الاذرع وفرض الارادات, ولا نريد ان نقول ايضا ان البرلمانيين السنة ربما استطاعوا خداع البرلمانيين الشيعة باسم الوطنية.