هل تقصف كوريا الشمالية الأراضي السعودية ؟
هل يمكن أن تكون السعودية هدفاً لصواريخ كوريا الشمالية كما أشيع بالأمس؟
الإجابة في الحقيقة قد تكون ملتبسة تماماً، فالمنطق والتفكير المباشر سيقودان صاحبهما إلى الإجابة بـ”لا”، ولكن إذا وضعنا أنفسنا داخل عقل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، قد نجد النتيجة بالإيجاب، رغم كونها خارج حدود المنطق.
المسألة هنا لا تخضع لحسابات العلاقات المباشرة أو حتى غير المباشرة بالأحداث، وإنما تخضع لحسابات الصداقات والتحالفات، فمثلاً أميركا حملت الصين مسؤولية إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن تجربتها النووية بحكم الصداقة بين البلدين، التي تسمح بهذا الطلب بينهما بشكل رسمي.
بالتالي من الممكن جداً أن نجد كوريا الشمالية تحمل السعودية مسؤولية محاولات حليفتها الأقرب -الولايات المتحدة الأميركية- لارتكاب حماقات في منطقتها وعلى حدودها البرية والبحرية، أي أن السعودية قد تكون هدفاً لرئيس كوريا الشمالية، لمجرد أنها صديق مقرب من الولايات المتحدة.
وضع المملكة في حد ذاته، وهي صديق للأميركيين، بالقرب -جغرافيا- من كوريا الشمالية، وتجمعهما صفة “آسيوية”، مغر جدا لكل من يريد إيذاء المصالح الأميركية في المنطقة، والوضع يشبه جدا علاقة أميركا بإسرائيل، فالاعتداء ضد واحدة منها يجد دوياً مزعجاً لدى الأخرى.
أنا شخصياً استبعد حدوث مثل هذه الضربة -التي تحدث عنها بعض الخبراء- ضد المملكة العربية السعودية، ولكن وجهات النظر المطروحة تستحق النقاش بالفعل، نظراً لطبيعة الخلاف بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، والذي فرضت أمريكا أن يكون عداء مباشراً، وتفاوضياً من خلال وسطاء، أي أنها أقحمت العلاقات والدول المقربة في الأمر.
وإذا نظرنا من وجهة النظر الكورية، فإن كل سيارة أو حتى دراجة بخارية أميركية تتحرك على الأرض، هي هدف معاد وعدو مباشر وصريح يجب قصفه، فما بالك بدولة تضم أراضيها قواعد أميركية، قد يتم استخدامها في أي عمل عسكري أمريكي ضد كوريا الشمالية، وأعنى هنا أن هذا النمط من التفكير فرضته أميركا أولاً، فصار قاعدة يمكن محاسبتها من خلالها.
الخبير الاستراتيجي سعيد عزام، يرى أن المملكة العربية السعودية بعيدة تماماً عن الخلاف القائم بين الدولتين النوويتين، ولكنها بشكل ما اختارت منذ زمن طويل المعسكر الذي تحيا تحت لوائه، وبالتالي فإنها ليست بعيدة عن حسابات أي دولة تريد أن تضر بالمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من وجود خلافات ظاهرية حالياً بين أميركا والسعودية.
الأخطر -حسب عزام- هو ما تحدثنا عنه بشأن القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة، وتحديداً على الأراضي السعودية، فبمجرد بدء الحرب، ستكون الأراضي السعودية هدفاً للقصف الكوري، باعتبار أراضيها تحوي أهدافاً معادية، يمكن في أي لحظة أن يتم استخدامها لضرب العمق الكوري الشمالي، وبالتالي هي بدورها -السعودية- عدو مباشر. وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي أن المخاطر تزيد يوماً بعد يوم، على الرغم من وجود جهود دبلوماسية لرأب الصدع بين القوتين النوويتين، مثل الجهود التي تبذلها اليابان حاليا، ولكن شيئاً لن يتغير، فالولايات المتحدة لن يقنعها إلا تنازل كوريا الشمالية عن تجاربها النووية، وكوريا الشمالية لن تقبل بأن تفرض عليها أي قوة إرادتها، خاصة مع ما تراه من ممارسات أميركية، اعتبرها الرئيس أون مبرراً كافياً لاستمرار برامج بلاده النووية.
في المقابل، يرى الدكتور أحمد الحصري، المتخصص في الشأن الأميركي، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يقبل على حرب حقيقية إلا في ظروف محددة، خاصة إذا كانت القوة التي يواجهها قوة نووية، فهو وإن كان متهوراً، فإنه سيحسب لدمار العالم ألف حساب.
ويكشف الخبير في الشأن الأميركي، أن ترامب يواصل اختبار واستعراض قدرات بلاده العسكرية، ويحاول خلال هذه الاستعراضات أن يوجه مجموعة من الرسائل إلى دول معينة، من بينها كوريا الشمالية وروسيا وإيران، وهو ما جعل مسألة التراجع حالياً مستحيلة بدون تحقيق مكاسب سياسية، فتراجعه يعني انهزامه وعدم قدرته على الثبات في مواجهة سياسية عسكرية. ويؤكد الحصري أن التجارب النووية الكورية الشمالية لا تقلق دونالد ترامب، بقدر ما تقلقه احتمالات أن يحيط الرئيس الكوري كيم جونغ أون المنطقة العربية وبعض دول أسيا وأميركا اللاتينية، من المقربين وأصحاب الصداقات مع بلاده والعلاقات الطيبة، بترسانة نووية، أي أن يتم نشر السلاح النووي، وتصديره إلى دول أخرى ذات علاقات جيدة مع كوريا الشمالية.
والأن نحن أمام وجهتي نظر، الأولى أنه إذا كانت الخطوات الأميركية الاستفزازية بالقرب من حدود كوريا الشمالية، تحمل بالفعل رسائل لإيران، فإن السعودية سوف تكون هدفاً لأي تحركات إيرانية حال توجيه أي رسائل أكثر قسوة، أو حال حدوث عمل عسكري، وبالمثل، سوف تكون المملكة هدفاً لأي محاولات لرد الاعتبار، طالما أن أراضيها تضم قواعد وقوات ومعدات أميركية.
وجهة النظر الأخرى، ترى أن الحرب لن تحدث في الأساس، ورغم المخاطر الحالية فقد تنجح القنوات الدبلوماسية في الحفاظ على الجنس البشري، وتراجع كل طرف عن تهديداته، وهنا لن تضار السعودية ولا غيرها في المنطقة، وإن كانت ستبقى الهدف الأول لكل من يريد ضرب المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.