لماذا لم تتحقق نظرية البروفيسور الامريكي بوستول حول قنبلة خان شيخون ؟
حتى كتابة هذه السطور لم تصل أي لجنة دولية الى بلدة خان شيخون التي شهدت غارة جوية نفذها الطيران السوري ربما ضربت مخزن أسلحة، تبين انه يحتوي على غاز الخردل الكيميائي المدمر للأعصاب، حسب الرواية الرسمية السورية، او جاءت هذه الضربة بصاروخ اطلقته احدى الطائرات السورية محمل برأس كيميائي، حسب رواية الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والسوريين.
منظمة حظر الأسلحة الكيميائية رفضت اليوم مشروع قرار روسي إيراني لتشكيل فريق جديد للتحقيق في الهجوم الكيميائي المفترض بضغط بريطاني امريكي مشترك، بينما اعلن الرئيس السوري بشار الأسد اليوم ان حكومته بعثت برسالة الى الأمم المتحدة تطالب بإرسال لجنة تحقيق مستقلة ولم تتلق الرد، ولا نعتقد انها ستتلقاه قريبا.
مشروع القرار الروسي يريد ان تتأكد لجنة التحقيق من ان غاز الخردل الكيميائي جرى استخدامه فعلا، وبعد ذلك كيفية وصوله الى خان شيخون، وكذلك دعا المحققين الى زيارة مطار الشعيرات الذي قصفته صواريخ “توماهوك” الامريكية يوم السادس من نيسان (ابريل) الحالي للتأكد من وجود أسلحة كيميائية في مخازنه من عدمه.
***
البروفيسور ثيودور بوستل الخبير الأمريكي العالمي في الأسلحة الكيميائية، شكك كليا في صحة تقرير المخابرات الامريكية الذي قدمته الى الرئيس دونالد ترامب، وأكدت فيه استخدام الطائرات السورية أسلحة كيميائية لضرب خان شيخون، واكد في مقال مدعم بالوثائق والتحليل العلمي نشره في صحيفة “كونتر بنش” الامريكية الالكترونية، ان القنبلة الكيميائية المزعومة التي القيت على خان شيخون لا يمكن ان تكون اطلقت من الجو، وانما كانت موجودة على الأرض، وان الروس ابلغوا الامريكيان رسميا بأن الطائرات الحربية السورية ستقصف البلدة قبل 24 ساعة، واعرب البروفيسور بوستل عن استعداده للذهاب الى البلدة المنكوبة والادلاء بشهادته، موحيا بأن هناك منّ فجرها على الأرض.
الحقيقية الوحيدة الثابتة حتى الآن ان 86 شخصا قتلوا في هذه البلدة المنكوبة بينهم عشرات الأطفال، ولكن لا يمكن معرفة الحقائق كاملة الا بعد وصول لجنة تحقيق مستقلة، وتضم خبراء دوليين محايدين، وتقدم نتائج ابحاثها الى مجلس الامن الدولي، او المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، او الاثنين معا.
احتمالات “الفبركة” التي تحدث عنها الرئيس الأسد، ومستشارته السياسية والإعلامية الدكتورة بثينة شعبان غير مستبعدة، وهناك سوابق أمريكية وبريطانية عديدة في هذا المضمار، فكولن بأول، وزير الخارجية الأمريكي اعترف على الهواء مباشرة قبيل العدوان على العراق عام 2003 ان المخابرات الامريكية ضللته وقدمت له صورا ومعلومات مزورة حول معامل عراقية متنقلة للأسلحة الكيميائية قدمها ضابط عراقي للدكتور احمد الحلبي يدعى رافد الجنابي، تبين انه عميل مجند من قبلها، وتوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا، وشريك الرئيس بوش الابن في العدوان، لوح بملف الأسلحة الكيميائية العراقية امام البرلمان البريطاني، وقال ان الرئيس العراقي صدام حسين يستطيع تجهيز أسلحته الكيميائية في غضون 45 دقيقة، ليتبين بعد ذلك ان الملف او “الدوسية” كان فارغا، وان توني بلير خدع البرلمان.
الدكتورة شعبان اكدت في مقابلة مع قناة “الميادين” ان الروس ابلغوا الوفد السوري الزائر لموسكو قبل أيام ان الرئيس ترامب لن يكرر الضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات او غيرها، مما يعني ان المخابرات الامريكية هيأت وفبركت الأسباب لتبرير هذه الضربة بهدف إظهار الرئيس الأمريكي بمظهر الرجل القوي.
***
هناك مثل يقول “المية تكذّب الغطاس″، مما يعني ان التحقيق الدولي المستقل والمحايد هو الذي يمكن ان يقدم لنا الحقيقة كاملة، وتعطيل أمريكا وبريطانيا لتشكيل لجنة محايدة لاجرائه يلقي بظلال الشك على كل الروايات المطروحة من الجانبين.
نحن، والكثيرون غيرنا، في انتظار تشكيل هذه اللجنة، وتوفير الحماية لها، للقيام بتحقيقاتها كاملة، ووضع تقريرها النهائي المدعم بالوثائق والأدلة الدامغة، وان كنا نعتقد ان هذا الطلب شبه مستحيل، ولذلك نكتفي بالترحم على أرواح كل الضحايا من الاشقاء السوريين الأبرياء أيا كان الخندق الذي يقفون فيه، وايا كان السلاح الذي أدى الى استشهادهم.
عبد الباري عطوان