ترامب يتعثر بـ «إعادة أميركا عظيمة»… في 100 يوم
قدم للأميركيين «تضارباً في المصالح» بين موقعه في الرئاسة وامبراطوريته المالية التي ما زال يديرها مع أفراد عائلته
استبق الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة الانتقادات، التي يتوقع أن يتعرض لها مع حلول يوم السبت الذي يصادف اليوم المئة على تسلمه الحكم، ووصف في تغريدة مقياس «المئة يوم الأولى» لأي رئيس في الحكم على أنه «مقياس سخيف». واعتبر أنه مهما فعل في هذه الفترة لن يسلم من الانتقادات، بقوله «لقد فعلنا الكثير… لكن الاعلام سيقتلنا».
والطريف أن ترامب، أثناء حملة ترشحه الى الرئاسة، هو الذي شدد على أهمية الأيام المئة الاولى له في الحكم الى حد انه قدم ما أسماه «عقداً» مع الاميركيين «لجعل أميركا عظيمة مرة ثانية». وأغدق الوعود على الاميركيين، معلناً أنه «في اليوم الأول له في الحكم» سيقوم بإلغاء واستبدال مشروع الرئيس السابق باراك أوباما للرعاية الصحية (أوباما كير).
وفور دخوله البيت الابيض، سارع ترامب إلى اصدار سلسلة من المراسيم التشريعية، كان أشهرها وأكثرها إثارة للجدل حظره دخول مواطني ثماني دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، الذي أثار موجة اعتراض شعبية، وما لبثت المحاكم أن أطاحت به، ما أجبر الرئيس على تقديم مرسوم تشريعي شبيه بلغة مخففة، اذ ذاك قضت المحاكم على المرسوم البديل، لتتوقف وعود ترامب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة أو إقامة قاعدة بيانية بأسماء كل المسلمين في أميركا من المواطنين، أو المقيمين، أو الزوار.
وبعد فشله في حظر دخول المسلمين إلى البلاد، خاض ترامب معركة تشريعية في الكونغرس من أجل استبدال قانون الرعاية الصحية بقانون جديد قدمه رئيس مجلس النواب بول راين. وعلى الرغم ان حزب ترامب الجمهوري يسيطر على الكونغرس بغرفتيه، الا أن القانون البديل تعثر بسبب رفض اليمين المتطرف لما أسماه «قانون أوباما لايت». ومازال ترامب يسعى لإعادة طرح القانون البديل الى التصويت، حيث أعلنت إدارته أنها وزعت نسخة معدلة لمشروع القانون، على ان يتم التصويت عليه في مجلس النواب في الكونغرس الاربعاء او الخميس المقبلين، أي قبل حلول اليوم المئة على حكم ترامب.
الا ان قيادة الجمهوريين اعتبرت أن إقرار القانون البديل عملية شبه مستحيلة بسبب صعوبة رأب الصدع بين يمين الوسط واليمين المتطرف داخل الحزب نفسه، وهو ما يفقد القانون الغالبية التي يحتاجها للإقرار.
وتوازياً مع تعثره تشريعياً، حاول ترامب استعراض قوته في السياسة الخارجية، فهدد إيران بسبب تجاربها الصاروخية، وقال مستشاره السابق للأمن القومي ان على طهران ان تعتبر نفسها انها تلقت تحذيراً رسمياً. لكن الايرانيين لم يأبهوا لتحذيرات إدارة ترامب وقاموا بالتجارب، فلم ترد واشنطن إلا بفرض عقوبات مالية على جمعيات وأفراد إيرانيين، وهي عقوبات لا تأثير لها على ارض الواقع.
ومثلما لم تنجح تهديدات ترامب ضد ايران، كذلك فشلت ضد كوريا الشمالية، التي أعلنت نيتها اجراء تجربة صاروخية، فرد ترامب في تغريدة «لن يحصل ذلك». وبعدما قامت بيونغ يانغ بالتجربة، أعلن ترامب واركان فريقه إرسالهم قوة بحرية الى مياه شبه الجزيرة الكورية، ليتبين في ما بعد ان القوة البحرية المذكورة كانت متوجهة الى استراليا لاجراء مناورات تدريبية، وانها لم تغيّر مسارها الى كوريا، وهو ما أظهر ترامب وفريقه وكأنهم غافلون عن موقع حاملة الطائرات، أو أنهم كانوا يعرفون انها غير متوجهة الى شرق آسيا، ويكذبون.
* لم يف بوعوده ولم يظهر حازماً سوى لأيام… بعد ضربة الـ «توماهوك».
الخطوة الوحيدة التي قام بها ترامب ولاقت بعض الاستحسان لدى الاميركيين كانت قيام البحرية الاميركية بإطلاق 59 صاروخاً من طراز «توماهوك» لضرب قاعدة الشعيرات الجوية التابعة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، على اثر قيام قوات الأسد بهجوم كيماوي ضد بلدة خان شيخون، في محافظة ادلب الشمالية السورية. وترافقت الضربة الاميركية مع تصريحات نارية أطلقها كبار المسؤولين الاميركيين ضد الأسد وروسيا، ليتبين في ما بعد ان لا خطة أميركية واضحة في سورية، وان الضربة الصاروخية، التي أظهرت ترامب رئيساً حازماً لأيام، كانت مجرد «فلتة شوط».
في هذه الأثناء، تراجع ترامب عن سلسلة من وعوده، بما فيها وعده الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة التي تجمع أميركا مع كندا والمكسيك. ولم يعلن ترامب ان الصين تتلاعب بسعر عملتها، وفشل في تقليص العجز التجاري الاميركي، واستمرت المصانع الاميركية في نقل أعمالها خارج البلاد أو مكننتها، مع ما يعني ذلك من بطالة في صفوف القواعد الشعبية التي انتخبت ترامب. أما الجدار الكبير الذي وعد ترامب ببنائه على حدود المكسيك، فيعاني من رفض الكونغرس الاستدانة لتمويله، وهي المشكلة نفسها التي تواجه وعد ترامب بإنفاق تريليون دولار على البنية التحتية في البلاد.
مع اقتراب موعد المئة يوم على وجوده في السلطة، لم يف ترامب بأي من وعوده، حتى الصغيرة منها، بل قدم للاميركيين «تضارباً في المصالح» بين موقعه في الرئاسة وامبراطوريته المالية، التي مازال يديرها وأفراد عائلته. وقدم ترامب للاميركيين مناكفات سياسية، وتحقيقات قضائية في امكانية تورطه وفريقه مع موسكو لاختراق البريد الالكتروني لمنافسيه في الحزب الديموقراطي.
في سياق «جعل أميركا عظيمة مرة ثانية»، يكاد يجمع الأميركيون أنه هدف ما زال متعذراً، وهم يتوقعون في الوقت نفسه أن يصرّ ترامب أنه فعلياً جعل البلاد عظيمة منذ توليه الرئاسة، ولكنه إصرار سيترافق هذه المرة بتشكيك أكبر لدى الاميركيين، خصوصاً ممن صوتوا لترامب في تشرين الثاني الماضي.
المصدر: عبدالحسين – الرأي