تقدم ماكرون يرفع اليورو والأسواق
أظهرت الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية أن الشعب أراد التجديد والخروج من كنف نفوذ الحزبين التقليديين الجمهوريين والاشتراكي، وأعطى المرشح الشاب إيمانويل ماكرون، قائد حركة «إلى الأمام»، الصدارة بنسبة 24.01 في المئة من الأصوات، وقاده بالتالي إلى الدورة الثانية المقررة في 7 أيار (مايو) المقبل في مواجهة مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، التي نالت 21.30 في المئة من أصوات الناخبين. وسارعت دول الاتحاد الأوروبي الى الترحيب باصطفاف اليمين واليسار في فرنسا مع المرشح الوسطي ضد لوبن، وانعكست نتائج الانتخابات ايجاباً وارتفع اليورو وأسواق الأسهم في أوروبا والعالم. (راجع ص 7)
وخرج من المنافسة زعيما حزب «الجمهوريين» اليميني الديغولي فرنسوا فيون الذي حل ثالثاً بنسبة 20.01 في المئة من الأصوات، فيما نال مرشح الحزب الاشتراكي بنوان هامون (٦,٢٨ في المئة). واحتل مرشح اليسار المتطرف جان لوي ميلانشون المركز الرابع بنسبة 19.53 في المئة من الأصوات.
ويؤكد ذلك الصعود السريع لماكرون من مصرفي عمل في بنك «روتشيلد»، ثم عيّن وزيراً للاقتصاد في حكومة فرانسوا هولاند، ثم زعيماً لحركة «إلى الأمام» التي أسسها قبل سنة فقط، وصولاً إلى السلطة إذ قد يصبح في 7 أيار الرئيس الأصغر في تاريخ فرنسا بعد جيسكار ديستان الذي تولى السلطة في سن الـ٤١.
وبعدما تماشت نتائج الدورة الأولى مع استطلاعات الرأي، زال القلق في سوق العملات من حدوث صدمة سياسية، وارتفع اليورو بنسبة واحد في المئة، وزادت قيم الأسهم الأوروبية، وأهمها الشركات والمصارف الفرنسية التي حققت أكبر المكاسب مع ارتفاع مؤشر المصارف في منطقة اليورو أكثر من 5 في المئة وسجل مؤشر «كاكس» لبورصة باريس أعلى مكاسب خلال 16 شهراً.
وفور فوز ماكرون، دعا كل من فيون وهامون أنصارهما إلى التصويت له في الدورة الثانية للتصدي للوبن، فيما امتنع ميلانشون عن ذلك رافضاً الاعتراف بنتائج الانتخابات. كما أيد ماكرون زعماء اليمين (الجمهوريون) آلان جوبيه وجان بيير رافارين وجان فرنسوا كوبي التصويت لماكرون، إضافة إلى قادة في الحزب الاشتراكي على رأسهم الأمين العام للحزب جان كريستوف كامباديليس ورئيس الوزراء برنار كازنوف، والرئيس فرنسوا هولاند الذي اتصل بماكرون لتهنئته، وصرح لاحقاً بأن التصويت للوبن «مجازفة».
وفي خطوة استثنائية بين دورتين انتخابيتين، رحبت غالبية عواصم الاتحاد باصطفاف قادة اليمين المحافظ والحزب الاشتراكي في فرنسا لتشكيل «سد انتخابي» يمنع فوز لوبن في الدورة الثانية.
وأجرى عدد من الزعماء السياسيين الأوروبيين اتصالات مع ماكرون لتشجيعه. لكن الناطق الرسمي الأوروبي مرغريتيس شيناس رفض افتراضات «التدخل الأوروبي» في انتخابات فرنسا، وقال: «فرنسا دعامة مركزية في الاتحاد، وبلد مؤسس وأمة تمثل رموز قيمه، والأوروبيون لا يستطيعون الوقوف غير مبالين بما يحصل في بلد يمثل مع ألمانيا، على مر العقود، المحور الرئيسي لمسار الاندماج الأوروبي. وأضاف شيناس أن رئيس المفوضية جان كلود يونكر هنأ ماكرون ليل الأحد لأن الأخير «دافع عن القيم الأوروبية خلال الحملة الانتخابية».
وتجاوزت الزعامات السياسية الأوروبية خطوط التماس الأيديولوجية بين الديموقراطية الاجتماعية التي تمثلها الأحزاب الاشتراكية والديموقراطية المسيحية والليبراليين، والتقت حول مناشدة الناخبين الفرنسيين قطع الطريق أمام مرشحة اليمين المتطرف. وتحفظت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل عن التعليق مباشرة لتفادي إثارة قواعد يمينية في فرنسا في ظرف حساس. لكن الناطق باسمها كتب على «تويتر»: «المهم أن يفوز مشروع ماكرون الذي يدعم تعزيز المسار الاندماجي الأوروبي والاقتصاد الاجتماعي في نطاق اقتصاد السوق».
وتتوقع استطلاعات الرأي نيل ماكرون نسبة ٦٠ في المئة من الأصوات في الدورة الثانية، لكن عدداً من مؤيدي فيون غير موافقين على التصويت له، وقد يؤيدون لوبن التي وصفت نتيجتها في الدورة الأولى بأنها «تاريخية»، خصوصاً أنها كسبت أصوات 7.6 مليون من أصل 30 مليون ناخب مسجل.
وشنت لوبن هجوماً شرساً على ماكرون، ووصفته بأنه «ضعيف لعدم امتلاكه خطة وطنية لحماية البلاد من خطر الإرهاب الإسلامي».
وقالت لدى زيارتها مركزاً للتسوق في بلدة رويفروي قرب منطقة هينان بومونت، حيث معقل حزبها: «أنا على الأرض للقاء الشعب الفرنسي لجذب انتباهه إلى قضايا مهمة بينها الإرهاب الإسلامي الذي أقل ما يمكن أن نصف تعامل ماكرون معه بأنه ضعيف».
وتابعت: «يجب النظر إلى الانتخابات باعتبارها استفتاء بين من مع فرنسا ومن ضدها، وبين فرنسا والعولمة المنفلتة».
ووعد ماكرون بأنه سيحكم مع شخصيات لن يسأل عن اتجاهها السياسي من أجل جمع الفرنسيين. وقال: «أريد منذ الآن بناء غالبية حكومية وإحداث تغيير، في حين أعلن أقطاب وقياديو الحزبين التقليديين الجمهوريين والاشتراكي أنهم يتطلعون إلى التحضير للفوز بالانتخابات الاشتراعية المقررة في حزيران (يونيو).
ومع طرح منافسيه السؤال حول مع من سيحكم، ردد أن «الغالبية التي يفكر فيها ستكون من وجوه وكفاءات جديدة» سيختار بعضها كمرشحين لحزبه في الانتخابات الاشتراعية المقبلة كي يبني غالبية، ولا يجبر على حكومة تعايش معارضة في بداية عهده.
المصدر: الحياة