حرب خشب وحليب بين أميركا وكندا
اندلعت فجأة حرب تجارية بين الولايات المتحدة وثاني أكبر شريك تجاري لها في العالم، جارتها الشمالية كندا. واتهمت وزارة التجارة الأميركية الحكومة الكندية بدعم قطاع الأخشاب، التي يصدّرها الكنديون إلى جارتهم الجنوبية. كما اتهم المزارعون الأميركيون شركات الحليب الكندية بفرض تعريفات حمائية، أخرجت بائعي الحليب الأميركيين من السوق الكندية لمصلحة منافسيهم الكنديين.
وفي وقت حاول الرئيس دونالد ترامب، الذي بنى برنامجه الانتخابي حول إعادة الحمائية الجمركية للقطاعات الأميركية، الإفادة سياسياً من الحرب المندلعة، أشار الخبراء إلى أن «حرب الخشب» بين البلدين الجارين تعود إلى عام 1982 على الأقل وتجددت عام 2002، قبل أن يتوصل البلدان برعاية منظمة التجارة الدولية إلى اتفاق قضى بإعادة أميركا 4 بلايين دولار من أصل من 5 بلايين، كانت جنتها من التعريفات الجمركية على وارداتها من الأخشاب الكندية. فيما وعد الكنديون بتحديد سقف صادراتهم سنوياً إلى أميركا بـ 5 بلايين دولار. ووقّع الطرفان اتفاقاً لتجارة الخشب بينهما مدتها 10 سنوات عام 2006، وانتهت صلاحية الاتفاق في تشرين الأول الماضي.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين أميركا وكندا 545 بليون دولار العام الماضي، مع عجز تجاري في الجانب الأميركي بلغ 11 بليون دولار، وهو رقم يبدو ضئيلاً مقارنة بالعجز الأميركي مع الصين، الذي بلغ 374 بليون دولار للفترة ذاتها. وبلغ العجز التجاري الأميركي نصف تريليون دولار عام 2016، مع صادرات أميركية قيمتها 2.2 تريليون دولار، وواردات بلغت 2.7 تريليون.
انتهاء صلاحية الاتفاق
والخلاف على الخشب مع كندا عاد إلى الواجهة مع انتهاء صلاحية الاتفاق بينهما، ما حدا بقطاع الأخشاب الأميركي إلى تكرار الشكوى القديمة ذاتها في حق الكنديين. ويدعي الأميركيون أن الأشجار التي يستخلص منها الكنديون الأخشاب تقع على أراضٍ تملكها حكومات كندا والمقاطعات المحلية، التي تبيع الأخشاب إلى القطاع في مقابل رسوم ثابتة، ومن دون مناقصات علنية تتماشى مع سعر السوق، على عكس الولايات المتحدة، حيث تحدد السوق سعر الأخشاب.
وتحت هذه الذريعة، أعلن الأميركيون أن كندا تدعم قطاعها للأخشاب، فيما أكد وزير التجارة الأميركي ويلبور روس نيته فرض رسوم «تصحيح جمركي»، وهو مصطلح يستخدمه الأميركيون «لتصحيح المنافسة» بين الواردات والقطاعات المحلية.
وقال روس إن وزارته «تنوي فرض رسم جمركي بنسبة 24 في المئة على الواردات الخشبية من كندا، ما يدرّ على الحكومة الأميركية عائدات تُقدر ببليون دولار سنوياً، ما يساهم في مزيد من تقليص العجز التجاري بين البلدين.
وكان العجز التجاري الأميركي مع كندا تراجع من 34 بليون دولار عام 2014 إلى 15 بليوناً عام 2015 ، و11 بليوناً العام الماضي. فيما يُعزى تراجع العجز الأميركي مع كندا إلى زيادة الإنتاج الأميركي من الطاقة بسبب استخراج تلك الأحفورية. وتمثل الولايات المتحدة سوقاً لمئة في المئة من صادرات الطاقة الكندية.
ويمثل التشابك الاقتصادي بين البلدين أحجية يصعب فكّها من أجل الحمايات الجمركية، إذ يشتري شمال جنوب كندا مثلاً الكهرباء من المعامل الأميركية عبر الحدود، لأن كلفتها أدنى من استجرارها من شرق كندا. وتؤمن التجارة الأميركية مع كندا 8 ملايين فرصة عمل للأميركيين.
فرصة سانحة
لكن إدارة ترامب رأت فرصة سانحة في استعادة الحرب الخشبية بل ذهب ترامب أبعد من ذلك، إذ أبلغت إدارته إلى الكونغرس إصدارها أمراً يقضي ببدء مراسم الانسحاب من اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، الذي يجمع أميركا وكندا والمكسيك، وسط معارضة شرسة من أركان الحزب الجمهوري في الكونغرس وهيئات اقتصادية أميركية فاعلة، محسوبة على الحزب الجمهوري مثل غرفة التجارة الأميركية. وما لبثت إدارة ترامب أن تراجعت عن الأمر مستبدلة به أمراً بإعادة التفاوض على الاتفاق، مستجيبة لطلبين رسميين من جارتيها.
وفي وقت لاحق، انضم قطاع الحليب والزراعة إلى معارضي نية ترامب الخروج من «نافتا»، إذ قال ممثلو القطاع إنهم نجحوا في تسويق صادراتهم في المكسيك منذ خروجهم من السوق الكندية، حيث فازوا بعقود بديلة، مشيرين إلى أن من شأن الخروج من الاتفاق التسبب بكساد لقطاع الحليب الأميركي. واعتبر ممثلو المزارعين الأميركيين أن المكسيك تمثل واحدة من أكبر أسواقهم حول العالم، وأن خروج بلادهم من الاتفاق يقفلها في وجه منتجاتهم ويدفعها إلى الكساد.
ووسط الاعتراض السياسي والاقتصادي على تصريحات البيت الأبيض لناحية الانسحاب من «نافتا»، سارع مسؤولو الإدارة الأميركية إلى محاولة طمأنة أوساط محازبيهم ومؤيديهم من معارضي الانسحاب من الاتفاق، مؤكدين أن إعلان الانسحاب هو من باب المناورة فقط، وما تسعى إليه واشنطن فعلياً هو إعادة صوغ بعض بنود الاتفاق، الذي صودق عليه عام 1994.
وأعلن البيت الأبيض للمحازبين أن التصعيد الذي يشنه في وجه كندا وقريباً المكسيك، يهدف إلى تحسين الموقف الأميركي خلال التفاوض، والحصول على بنود أفضل في الاتفاق الجديد بصيغته المعدلة.
لكن وإلى أن يجتمع الشركاء التجاريون الثلاثة حول طاولة المفاوضات، ستستمر الحرب الكلامية والإعلامية بين حكوماتهم، وستستمر حرب «الخشب والحليب» المندلعة حالياً بين الولايات المتحدة وكندا.
المصدر: الحياة