داعش من المدن إلى حرب العصابات .. هشام الهاشمي يكتب
الداعشي اليائس يظن أن النصر حليفه، وأن خلافته المزعومة باقية حتى قيام الساعة، أو يتصور بقتل نفسه سوف يعرقل التحرير، فهزيمته في الموصل ومن قبلها الفلُّوجة، أثبتت هشاشته على الصمود طويلاً وعجز قدرته على البقاء.
وبعد تحرير مدينة الحضر جنوب نينوى، أصبحت وحدات تنظيم داعش لا تعول كثيراً على غارات الصحراء المباغتة التي تحمي عمق مدينة البعاج الاستراتيجية، التي تعرف بخطوط الصد الأولى، وأيضاً الهجوم الواسع على مناطق فلول داعش في شمال سامراء على منطقة مطيبيجة قد انهك مفارزهم الانغماسية وأضعف قدرتهم على شن تعرضات أسبوعية داخل أقضية تكريت وسامراء وبيجي وعلى مناطق الدور والعلم ومناطق علاس وعجيل، وأجبرتهم على الانسحاب تجاه مناطق متعددة، وتشتت وحداتهم بين مناطق تلال حمرين شمال شرق ديالى ومناطق الساحل الأيسر من الشرقاط، وبالتالي تعد هذه خسارة كبرى لهم.
وتؤكد التطورات الميدانية الأخيرة في الساحل الأيمن من الموصل، أن القوات المكلفة بمهمة تحرير المدينة القديمة فشلت في إنجاز مهمتها في الوقت المحدد رغم تكرار الحملات الواسعة والمحدودة خلال الستة أسابيع الماضية، ولأسباب عديدة أهمها اتخاذ قناصة داعش السكان دروعاً بشرية، وأيضاً شراسة دفاعات داعش التقليدية عن منطقة الفاروق ومحيط جامع النوري الكبير، وفي منطقة باب الطوب بدأت تستعيد وحدات داعش المعرقلة المبادرة الهجومية، بعدما اقتصرت عملياتها على القنص والعمليات الانتحارية كوسيلة للدفاع، منذ بدأت عمليات اقتحام المدينة القديمة في 13 مارس/آذار الماضي.
وينسحب مشهد المعارك في الموصل، على الوضع في صحراء الرمادي والرطبة وحديثة، حيث عجزت القوات المشتركة فيها عن إحراز أي تقدم عسكري واسع، على الرغم من الدعاية العسكرية التي تروج لتلك العمليات منذ أسابيع.
وتمكنت قوات مكافحة الإرهاب في غرب الساحل الأيمن من فتح محاور اشتباك مع داعش في أحياء الزنجيلي والإصلاح الزراعي والصناعة الجنوبية، ومن السيطرة على سواتر ترابية وأبراج مراقبة وأخرى للقنص، بعد أن صدّت سلسلة من الهجمات الانتحارية التي تزامنت مع عشرات من الإعدامات الميدانية بحق الأهالي الهاربين من مناطق احتلال داعش، عمليات إعدام بالقنص، وأخرى بواسطة وحدات أمن داعش جعلت جثث الأهالي المغدورين تملأ أحياء الموصل الغربية.
ولا بد لمن تابع معركة الساحل الأيمن ملاحظة تزايد خسائرهم من الانتحاريين وانهيار الكتائب الخاصة، والطريقة التي اعتمدتها وحدات داعش في الدفاع عن المدينة القديمة اتّسمت باليأس من الحياة مع قدر كبير من الفوضى، وسادتها رغبة واضحة بتدمير كل شيء يمكن أن تدمره المتفجرات، حتى أصبحت مباني جنوب المدينة القديمة كأن زلزالاً قد مر بها فلم يَبقَ فيها حجر على حجر إلا هدم.
الانهيار الجماعي لمعنويات قادة داعش وعجزهم عن فتح ثغرة للهروب، ومظاهر تقدم المحاور الغربية والشمالية في الساحل الأيمن تؤكد ما بلغته وحدات داعش من تهافت، سواء في حي التنك أو حي الصحة ومنطقة مشيرفة، حيث قتل العشرات من وحدات داعش المعرقلة، ولم يفلحوا في كسر موجات القوات المشتركة في اقتحام تلك الأحياء حتى مع محاولاتهم باستخدام الغازات السامة والأسلحة الكيماوية.
وبالعودة إلى محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار؛ ثمة ظاهرة مهمة هي أن مفارز داعش لم تنجح إلى الآن بالتمكن من الاحتفاظ بشبر واحد من الجغرافيا التي تهاجمها بغارات تعرضية، وبعد مرور عامين على تحرير غالب جغرافيا تلك المحافظات، فإن وحدات داعش عجزت عن أن تأتي بهجوم واسع، أو حماية ما بيدها من القرى والقصبات التي تحتلها بعد أن تتعرض لها ولو لأسبوع من الزمن، في علامة صريحة على فقدانهم القدرة المعنوية والمادية على مسك الأرض، الأمر الذي صار ملحوظاً في كل مكان.
ولكن كل ذلك يدل على أن وحدات داعش أخذت تتحول من أساليب قتال شبه نظامي إلى حروب العصابات، وهنا نضع أربعة أسئلة أمام القيادة المشتركة العراقية:
1.هل تحتمل القوات العراقية تكاليف حرب العصابات التي تمارسها وحدات داعش على طريق الأنبار الدولي وطريق بيجي – حديثة وطريق القيارة – الحضر، وطريق الخالص – كركوك، داعش ما زالت قادرة على استنزاف الوحدات العسكرية العراقية الثابتة بتعرضات متتالية؟
2. القوات العراقية انتصرت على وحدات داعش الثابتة عسكرياً خلال ثلاث سنوات في معارك شبه النظامية، بعمليات العزل والتطويق، ثم القصف التمهيدي لإنهاك واستنزاف العدو، ثم الاقتحام ومطاردة الفلول، ثم تطهير الأرض، ثم مسكها من قبل قوات ساندة، لكنها لم تحقق نصراً حاسماً على وحدات داعش في معارك الصحاري والتلول والوديان في معارك الكر والفر “العصابات”، وهذا يفترض تغيير الخطط العسكرية وتقنيات المراقبة والتدريبات والاستعدادات اللوجستية وحماية طرق الإِمدادات وإعادة توزيع الحركات والانتشار؟
3. وهل التدقيق الأمني للمناطق والمدن المحررة اكتمل بمهنية ولم يتم تجاوز المندسين والخلايا النائمة برشاوى وشفاعات سيئة؟
4. هل الشرطة المحلية والحشود العشائرية مستعدة لمسك الأرض بمعنويات وإمكانيات تمنع تكرار النكسة والاحتلال مرة أخرى، علماً أن حرب غارات وحدات داعش القادمة من الصحراء، تحتاج إلى صبر؛ لأنها معارك غير نظامية وطويلة الأمد، بما يعني الاستنزاف المتكرر؟