” بيلدربيرغ ” : هل هناك مجلس اعلى يحكم العالم في الخفاء ؟
حضر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قمة بيلدربيرج أول مرة عام 1991، وبعد عامين فقط أصبح رئيس الجمهورية، وقبل أربعة أعوام من توليه رئاسة الوزراء البريطانية؛ ظهر توني بلير رئيس الوزراء الأسبق في هذه القمة عام 1992. حتى ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني حضر قمة بيلدربيرج قبل أن يصبح على رأس السلطة، فهل هذه مجرد صدفة أم أن للقمة تدخلًا في ذلك؟
يوم الخميس الماضي تحديدًا بولاية فيرجينيا الأمريكية، اجتمع في قمة بيلدربيرج – أكبر قمة سرية في العالم – 130 شخصًا من قادة العالم السياسيين الرؤساء وبرلمانيين وصحافيين ورواد أعمال واقتصاديين، وتثار الشكوك دائمَا حول هذه القمة كونها قمة سرية وما يحدث بداخلها لا يخرج أبدًا، حتى أن البعض يطلق عليها حكومة العالم التي تحكم وتدير وتختار القادة في الخفاء
ماذا يحدث في بيلدربيرج؟
طبقًا للروايات الرسمية التي يعلنها القائمون على الاجتماع؛ فإن اجتماع بيلدربيرج هو ملتقى يهدف إلى تدعيم العلاقات الأوروبية الأمريكية، ويحضر في هذا الملتقى كل عام ما بين 120 و150 من كبار الشخصيات في العالم من عالم السياسة والاقتصاد والصناعة والإعلام والتعليم، ويتألف ثلثي هذا الاجتماع من دول أوروبا والبقية من أمريكا الشمالية «الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك»، أما عن صفات الحضور، فثلثهم دائمًا يجب أن يكون من السياسيين والبقية من المجالات الأخرى.
ومنوط بهذه القمة أن تناقش مجموعة الأزمات والتحديات التي تواجه العالم في وقت انعقادها، وعلى سبيل المثال أجندة اجتماع هذا العام هي مناقشة هذه المسائل: «رئاسة دونالد ترامب، والصين، والذكاء الاصطناعي، وعلاقات روسيا الدولية، والطاقة النووية، وحرب المعلومات، واتجاه الاتحاد الأوروبي، وهل يمكن تبطئة العولمة؟، ونمو الشعبوية واليمين المتطرف، والناتو، والأحداث الجارية».
وتتسم هذه القمة بأنها قمة غير رسمية وتنعقد تحت قانون تشاثام هاوس «Chatham House» والذي ينص على حرية الأعضاء الحاضرين في تداول المعلومات التي عرفوها في هذا الاجتماع ولكن دون ذكر مصدرها أو الشخص الذي أطلع بقية الحضور في اجتماع بيلدربيرج عليها.
وكان أول اجتماع عقد تحت اسم قمة بيلدربيرج، قد جرى في هولندا عام 1954، بعد أن بادر السياسي البولندي الراحل «جوزف ريتنجر» بفكرة أن لا بد من وجود قمة أورو-أمريكية من مهامها تدعيم العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية بين أوروبا وبين الولايات المتحدة، أو في سياق آخر «لتفادي حرب عالمية ثالثة»، وكان الاجتماع الأول في فندق «بيلدربيرج» في مدينة أوستير بيك الهولندية ونوقش فيه: « الاتحاد السوفيتي، ونمو الشيوعية، والمستعمرات الأوروبية، والمشاكل السياسية والاقتصادية في العالم، والتداخل بين دول أوروبا».
لماذا تُثار الشكوك حول بيلدربيرج؟
هناك أسباب عدة لهذه الشكوك من أهمها:
1- أنك لا تعلم ما يحدث بالداخل؛ تعلم أين تعقد القمة، ومَن مِن الشخصيات المرموقة سوف تحضر هذا العام، والمسائل والأمور التي تُناقش، ولكن لا تعلم ماذا حدث بالداخل، وبالكاد يشبه الأمر الجملة الشهيرة التي قالها الممثل الأمريكي براد بيت في فيلم نادي العراك أو «Fight Club» وهي: «ما يحدث داخل نادي العراك، يبقى داخل نادي العراك»، وعلى الرغم من حضور مُلاك بعض من الوكالات والصحف الإعلامية مثل «Washington Post» و «Financial Times» فإنه ليس مسموحًا لأحد من الصحافيين التواجد داخل قاعة الاجتماع، حتى إن بعض المصادر تقول أنه قد قُبض على الصحفيين الذين حاولوا التسلل أو تسريب أخبار عما يحدث بالداخل.
2- يُحصّن مكان انعقاد القمة كما لو أنها حالة حرب؛ طائرات هليكوبتر تؤمن السماء، وعلى الأرض يوجد نقاط تفتيش ومجموعة ضخمة من رجال الشرطة والجيش، ونقاط تفتيش على بعد كيلومترات من المكان، كما أن أجهزة قطع الإرسال الشبكي تحيط بالمكان. دائمًا ما تُعقد القمة من يوم الخميس وتستمر حتى يوم الأحد، ولكن يُخلى المكان منذ بداية يوم الأربعاء، ويُستبدل الموظفون الأصليون للمكان بآخرين موثوق بهم، حيث لو كان المكان فندقًا يُعطى جميع العاملين بالفندق إجازة، بداية من الشخص الذي يفتح لك الأبواب وحتى رئيس مجلس الإدارة.
3- ما يضع قمة بيلدربيرج في دائرة اتهام بأنها «الحكومة التي تحكم العالم في الخفاء»؛ أنه بنهاية القمة في كل عام يتسلم كل شخص من المشاركين تحليلَا لمحتوى القمة، وما نوقش فيها من مسائل وتحديات وبعض الخطوات والحلول التي يجب أن يسير عليها كل شخص في الجهة التابع لها سواء كانت شركة أو حكومة أو مصرفًا، وبالاستناد إلى ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت «لا توجد مصادفة من وراء حدث سياسي، فعندما يقع يمكن الجزم بأنه وقع هكذا وفق ما خُطط له»، يمكننا أن نرجح أن نتائج هذه القمة تؤثر في الأحداث السياسية والاقتصادية والإعلامية على النطاق الدولي والمحلي للدول الممثلة في قمة بيلدربيرج.
4-إن كان هناك ما يسمى بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، لماذا إذًا تُناقش هذه المسائل الدولية في قمة بهذه الدرجة من السرية؟، ولماذا يحضر هناك بجانب السياسيين مُلاك الوكالات الإعلامية وليس الصحافيون؟، ولماذا نرى أصحاب مصارف تتحكم برؤوس الأموال العالمية في هذه القمة؟، لماذا مؤسس جوجل هو عضو دائم في هذه القمة؟، كل هذه أسئلة كافية لإثارة الشكوك حول مهمة هذه القمة والتي لن تجد إجابة عليها من القائمين والمنظمين لها.
يمكنك التعرف على نفوذ المشاركين في قمة بيلدربيرج من خلال تكبير هذه الصورة.
لا زال البعض يربط بين بيلدربيرج وبين الماسونية، فهناك الكثير يصدقون فكرة أن الماسونية تحكم العالم وتحرك الحكام وقادة العالم كقطع الشطرنج، ولكن على الرغم من كل الاتهامات التي توجه إلى بيلدربيرج، فلا يزال من الصعب أن تبرهن أن الأحداث السياسية التي تحدث في العالم هي من مسؤولية هذه القمة، وذلك بسبب أن ليس هناك أي معلومة تسرب من الداخل إلى بقية العالم منذ القمة الأولى عام 1954، حتى الأشخاص الذين يصلون إلى أعالي السلطات التنفيذية في بلادهم بعد حضور القمة هم يصلون إليها من خلال انتخابات نزيهة بنسبة 100%، ولكن يمكن أن يفترض البعض أو نضع احتمالية صدق أن القمة دعمت هؤلاء المرشحين من خلال توفير الدعم الإعلامي والمادي لهم.
لماذا قد تسبب القمة الحالية صداعًا في رأس دونالد ترامب؟
وضعت القمة مناقشة «رئاسة دونالد ترامب» على قمة أجندتها لهذا العام، وأرسل دونالد ترامب أقوى رجاله في البيت الأبيض إلى هذه القمة لكي يدافعوا عنه مثل «ماكماستر» مستشار الأمن القومي الأمريكي، وويلبر روس وزير التجارة، والمحلل الإستراتيجي في فريق ترامب الرئاسي كريس ليدل.
ورجال ترامب أمامهم مهمة صعبة في هذه القمة التي يحضرها الكثير من قادة حلف الناتو، الذين طالما وبخهم دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية وبعد أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة، وفي أحد تقاريرها طرحت صحيفة الجارديان البريطانية مجموعة من التساؤلات بخصوص وضع رئاسة ترامب على قمة المسائل التي سوف تناقش في بيلدربيرج وهي: هل سوف يطلب من دونالد ترامب الرحيل بنهاية العام؟ أم سوف يقال له أفرغ خزينتك وارحل اليوم؟ هل سوف يسمع دونالد ترامب جملة «أنت مطرود»؟