ماهي المهمة الجديدة لشيخ الدبلوماسية القطرية ؟ وهل انتهى مجلس التعاون الخليجي فعلا مثلما لمّح في مقابلته ؟ إليكم ما بين السطور ..
لماذا جاء هذا الظهور السياسي والاعلامي المفاجيء لشيخ الدبلوماسية القطرية الأبرز على قناة أمريكية وليس “الجزيرة”؟ وما هي المهمة الجديدة الموكلة له؟ وهل انتهى مجلس التعاون الخليجي فعلا مثلما لمحّ في مقابلته؟ اليكم محاولة لقراءة ما بين السطور
عندما تلجأ دولة قطر الى الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وتدفع به الى المقدمة، بعد اربع سنوات من “التهميش، انشغل خلالها في بناء وتعزيز امبراطوريته التجارية الضخمة بعيدا عن الأضواء، فإن هذا يعني ان الازمة اكبر بكثير مما يتوقعه كثيرون، وتختلف كليا عن ازمة سحب السفراء عام 2014، وان “الجيل الحالي” غير قادر وحده على مواجهتها، وان قطر تحتاج الى تحشيد كل الطاقات والخبرات في هذا المضمار.
ظهور الشيخ بن جاسم على شاشة قناة PBS الامريكية وتواجده في الولايات المتحدة في هذا التوقيت “للقاء بعض الأصدقاء” مثلما قال في مقابلته التي جرى بثها يوم امس، كان لافتا، وتحول الى محور اهتمام في المنطقة وخارجها، لان الرجل، اختلف معه البعض او اتفق، يملك “كاريزما” خاصة، شخصية سياسية، تجعله محل رصد ومتابعة الكثيرين داخل قطر ومنطقة الخليج وخارجهما.
رئيس وزراء قطر، ووزير خارجيتها السابق، كان عنوان مرحلة تربعت فيها قطر، الدولة الصغيرة جغرافيا وديمغرافيا، على دائرة صنع القرار في المنطقة العربية في مرحلة من اخطر مراحلها، جرت خلالها مظاهرات واحتجاجات وثورات وتدخلات عسكرية وتغيير أنظمة، ولعبت المليارات والدبلوماسية القطرية دورا كبيرا فيها وما زالت، وارتكبت الكثير من الأخطاء ولم تأتي الخواتم مثلما اشتهت وتوقعت.
الدور القطري انتهى، او اريد له ان ينتهي، لمصلحة أدوار أخرى، وللمملكة العربية السعودية والامارات على وجه التحديد، وبتوجيه امريكي، وهذا امر طبيعي ومألوف في منطقة تدار سياساتها في “غرف مغلقة” في الأردن وتركيا، مثلما اعترف الشيخ بن جاسم في هذه المقابلة الطويلة والمهمة.
الغرف المغلقة تظل موجودة، لان العملية يراد لها ان تستمر، وربما تتغير الجغرافيا، ويتغير اللاعبون، والضحايا ايضا، فـ”الاخ الأكبر” موجود، يضع الخطط ويشرف على التنفيذ.
ما قاله الشيخ بن جاسم في المقابلة التلفزيونية يظل مضمونه مهما، لاجدال في ذلك، فالرجل يملك ذخيرة قوية من المعلومات، وكان حتى فترة قريبة (اربع سنوات) مقربا من صانع القرار، بل شريكا رئيسيا معه، لكن الأكثر أهمية في نظرنا هو عودته الى الأضواء مجددا، واعتلاء المنابر من خلال تكليفه بدور جديد، في معركة يعتقد كثيرون انها معركة “وجود” بالنسبة الى قطر واسرتها الحاكمة.
كان لافتا ان الشيخ بن جاسم فضل الظهور على قناة أمريكية عامة وليس على قناة “الجزيرة” القطرية، بشقيها العربي والإنكليزي، وربما هذا هو احد أسباب الغاء تسجيل لمقابلة تمت معه على الأخيرة ولم تبث دون تقديم أي توضيح رسمي لهذه المسألة، الامر الذي اثار العديد من علامات الاستفهام، لكن الرسالة التي اريد ارسالها وصلت في جميع الأحوال الى الجهات التي اريد ان تصل اليها في المنطقة الخليجية والعالم.
الهدف الأبرز من هذا الظهور المفاجيء للشيخ بن جاسم في تقديرنا في هذه الصحيفة، اثبات حقيقة ان الاسرة الحاكمة في قطر متماسكة وموحدة في مواجهة هذه الازمة، وان كل الاحاديث والتسريبات عن وجود صراع اجنحة غير دقيق.
الشيخ بن جاسم الذي تربع على عرش مؤسسة الدبلوماسية القطرية لاكثر من عشرين عاما، خرج منها في ظروف غامضة، ووسط اقاويل عن وجود خلافات مع العهد الجديد واميره، ولهذا جرى ربطه في كل مرة بصراعات عديدة، حرص دائما على نفيها، او تجاهلها في معظم الأحيان، ولعله أراد ان يقول وبصوت عال انه بعيد عن هذه الصراعات، وما زال على العهد، ولو الى حين.
الرجل وفي هذه المقابلة كان شجاعا عندما اعترف بأن الجميع ارتكب أخطاء في سورية تحديدا، وليس قطر وحدها، مثلما اعترف ان الإرهابيين لو نجحوا في سورية لجاءوا الى دول الخليج، في تبرير هو الأول من نوعه لتورط بعض الدول الخليجية في الازمة السورية.
ولكن اذا كانت هذه النظرية تصح على سورية واليمن القريبتان جغرافيا من دول الخليج، فانها قد لا تصح على دول أخرى بعيدة مثل تونس وليبيا، ربما مصر أيضا، تدخلت هذه الدول الخليجية، وما زالت في شؤونها الداخلية بطريقة او باخرى.
نقاط كثيرة وردت في هذه المقابلة تحتاج الى نقاش مطول، رغم ان بعضها مكرر، وجرى ذكرها في مقابلات سابقة، لكن جديد هذه الازمة، الذي تحدث عنه الشيخ بن جاسم هو ان مجلس التعاون الخليجي تصدع بسببها، وقال بالحرف “لا يُعول على مجلس التعاون الخليجي اذا كانت اكبر دوله (السعودية) تفعل ما تريد دون العودة اليه، وما يحصل مع قطر اليوم يمكن ان يحصل مع دول أخرى.
لا نعرف ما اذا كان خروج الشيخ حمد جاسم من بياته الاقتصادي، وعودته الى الحلبتين السياسية والإعلامية بهذه القوة مجددا سيساهم في مواجهة هذه الازمة بشكل جذري، او تقليص اخطارها على الأقل، ولكن ما نعرفه جيدا انها ازمة اخطر من كل الازمات السابقة حتما، وتحتاج الى اكثر من شخص واكثر من مقابلة تلفزيونية، وربما مئات المليارات لمواجهتها، وتطويق اخطارها.
افتتاحية عبد الباري عطوان