من صدام الى إبن سلمان .. هل تكون نفس النهاية؟!
تعتقد امريكا ان المشهد السعودي اليوم اشبه ما يكون بالمشهد العراقي عام 1979 عندما كانت تخطط لوأد الثورة الاسلامية في ايران، عبر استخدام القوة العسكرية العراقية مدعومة بالمال الخليجي وسلاح الكتلتين الغربية والشرقية.
في عام 1979 كانت امريكا بحاجة الى شخصية متسرعة ومتهورة في العراق، لتنفذ مخططها دون تفكير بعواقب ما تفعل ، فوجدت في نائب الرئيس صدام حسين مبتغاها، فكان مصاب بداء العظمة، وعرفت امريكا كيف تستغله لخدمة مخططاتها في المنطقة، بدءا من عدوانه على الجمهورية الاسلامية في ايران ومرورا بغزو الكويت وانتهاء بسقوط بغداد.
في عام 1979 نحى صدام الرئيس العراقي احمد حسن البكر، العسكري العجوز، فالرجل ونظرا لخبرته العسكرية ومعرفته بموازين القوى بين ايران والعراق ، كان يرى في شن الحرب على ايران مغامرة خاسرة، حتي وان كانت ايران مشغولة بترتيب بيتها الداخلي بعد ثورة شعبية كبري.
مغامرات صدام العبثية صبت بمجملها في صالح “اسرائيل”، وادخلت المنطقة وبلدانها وشعوبها في كوارث لم تخرج منها حتي الان، فكل ما تشهده المنطقة من ويلات اليوم، هي من تداعيات ونتائج السياسة الرعناء للدكتاتور العراقي صدام حسين، الذي لم يكن سوي العوبة بيد امريكا والصهيونية العالمية، في الوقت الذي كان يعتقد هو جازما انه قائد الضرورة.
امريكا تعتقد ان الكوارث التي بدأها صدام لم تأت ثمارها كما تشتهي رغم كل الخراب الذي عم منطقة الشرق الاوسط، فايران لم تضعف فحسب بل تحولت الى قوة اقليمية عظمى، ومازال محور المقاومة يقاوم المخطط الامريكي الصهيوني العربي الرجعي، كما مازال بعض العرب يرفض الاعتراف علانية بعلاقته مع ‘اسرائيل’ ، كما مازال هدف دمج العرب و’اسرائيل’ في تحالف استراتيجي ضد ايران ومحور المقاومة لم يتحقق بشكل كامل بعد ، للوصول الي تصفية القضية الفلسطينية.
من اجل ذلك تعتقد امريكا ان عليها ان تلعب في الساحة السعودية من اجل اكمال ما بدأه صدام ، بهدف الابقاء على “اسرائيل” قوية وسط العرب والمسلمين الضعفاء والمتصارعين، وذلك بعد عثورها على شخصية شبيهة بشخصية صدام، وان اختلفت معه في بعض الجوانب، وهي شخصية الامير محمد بن سلمان، الذي تمتلك بلاده كل العناصر التي تحتاجها امريكا لتنفيذ مخططها، مثل المال والقوة العسكرية والاعلامية والسياسية والنفوذ الديني.
من اجل ذلك حرق الامير محمد، تحت رعاية امريكا، كل المراحل التي تعتمدها الاسرة الحاكمة في السعودية للوصول الى العرش، فتجاوز كل امراء آل سعود وحتى ابناء الملك المؤسس، واصبح وليا لولي العهد ومن ثم وليا للعهد خلال عامين فقط، وجميع التوقعات تشير الى انه سيتربع على عرش مملكة آل سعود خلال شهور في اكثر تقدير.
امريكا ترى انه لا يمكن للسعودية ان تقيم علاقات علنية مع “اسرائيل”، وتدخل معها في تحالف استراتيجي معلن ضد ايران ومحور المقاومة، وتتجاوز مرحلة التحفظ والعمل من وراء الستار بقوة المال والنفوذ الديني فقط ، مع وجود الجيل القديم من الملوك من ابناء الملك المؤسس، الذين كانوا ومازالوا يفضلون الابقاء على هذه العلاقات في الخفاء، فكان لابد من اختيار احد الاحفاد، وليس كل حفيد، كما هو الحال مع محمد بن نايف، فهذا حتى وان كان احد الاحفاد الا انه كان يرى ان من مصلحة السعودية ان تواصل سياستها القديمة المبنية على السرية واعتماد القوة الناعمة، بدلا من الدخول في مغامرات عسكرية لا تتحملها السعودية لاسباب معروفة.
امريكيا وقع الخيار على محمد بن سلمان لاتمام الخراب الذي بدأه صدام، وللاتيان على ما تبقى من بلدان ومناطق لم يصلها الخراب الامريكي، في الوقت الذي يعتقد ابن سلمان ان الاقدار اختارته لحمل “رسالة” عجز عن حملها كل ملوك السعودية والعرب، لمواجهة ايران ومحور المقاومة.
لا يختلف اثنان في العالم، ليس بينهما ابن سلمان طبعا، على ان لا “اسرائيل” ولا امريكا قادرتان على شن الحرب ضد ايران، فـ”اسرائيل” وامريكا ما كانتا تترددان ولا للحظة واحدة لشن الحرب على ايران ، لو كان بمقدورهما ذلك، ناهيك عن الاخرين ومنهم السعودية.
اذا لم ينقذ العقلاء من آل سعود بلادهم عبر انقاذ ابن سلمان من براثن السمسار الجشع ترامب الذي يستغل نقاط ضعف ملك السعودية القادم بطريقة بشعة، فإن الخراب سيخيم لا محالة على ديارهم، لا بسبب الحرب مع ايران ، فمثل هذه الحرب لم ولن تقع، بل بسبب مغامرات ابن سلمان في المنطقة وارتدادات هذه المغامرات الي الداخل السعودي، كما ارتدت مغامرات صدام الى داخل العراق ومازالت.
ان امريكا تسعى من خلال استغلال ابن سلمان الى توريط السعودية اكثر في مستنقعات المنطقة، لضرب عدة عصافير بحجر واحد، فهي تريد تعميم الخراب على جميع بلدان منطقة الشرق الاوسط، وفي مقدمتها السعودية، وحلب خزائن الدول الخليجية حتى آخر دولار فيها، وفي مقدمتها السعودية، والحفاظ على امن “اسرائيل” ، والتغطية على فضائح ترامب في الداخل، لذا من الحكمة الا يسمح عقلاء ال سعود بتكرار تجربة صدام في بلادهم، وهم اكثر الناس معرفة بنتائجها الكارثية على بلدان المنطقة وخاصة على العراق نفسه.
ماجد حاتمي / ارنا