هل الأمير بن نايف تحت الإقامة الجبرية وممنوع من السفر فعلا؟ وهل النفي الرسمي السعودي لهذا النبأ مقنع؟ لدينا بعض الشكوك
نقلت صحيفة “نيويورك تايمز″ عن أربعة مسؤولين أمريكيين، حاليين وسابقين، وسعوديين مقربين من الاسرة الحاكمة، قولهم ان الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي “المعزول” وبنتيه (الاميرة سارة والاميرة لولوة)، واهل بيته، وضعوا جميعا تحت الإقامة الجبرية في قصرهم بمدينة جدة، وانهم منعوا من السفر، وان هؤلاء حاولوا الاتصال بشكل مباشر مع الأمير بن نايف دون أي نجاح.
نفي هذا التقرير الاخباري لصحيفة عالمية كبرى، من قبل مسؤول سعودي اتصلت به وكالة “رويترز″ للانباء امر طبيعي ومتوقع كليا، ولكنه يظل نفيا غير مقنع، الا اذا ظهر الأمير بن نايف يتنزه على كورنيش مدينة جدة بحرية تامة، او يتسوق في شارع الشانزليزيه الباريسي مثلا.
كان واضحا ان الأمير بن نايف لم يكن “ممتنا” لقرار عزله من منصبه كولي للعهد، وهذا امر متوقع، ومن تابع اللقطات التلفزيونية التي وثقت للحظة مبايعته لابن عمه الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، وجرى تكرار عرضها عشرات المرات على شاشات التلفزة السعودية الرسمية للتأكيد على انتقال “سلس″ للسلطة، يلاحظ ان ملامح وجه ولي العهد “المعزول” لم تحمل أي مظاهر الارتياح، وانه غادر المكان بعد ثوان معدودة، ولم يتبادل أي حديث مع خليفته المعين، باستثناء نطقه اربع كلمات “اعانك الله.. انا ارتحت”، ووضع بشته (عباءته) على كتفيه واختفى عن الأنظار ولم يظهر منذ ذلك الوقت في أي مكان عام او خاص.
صحيفة “نيويورك تايمز″ وثيقة الصلة بالمسؤولين الأمريكيين، أعطت معلومات إضافية عن مرحلة “ما بعد المبايعة” عندما قالت ان الأمير محمد بن نايف عندما عاد الى قصره، وجد حدوث تغيير في افراد الحرس الموالي له، واستبدالهم بآخرين لا يعرفهم، وهذا يعني ان هؤلاء لم يأتوا من اجل حمايته، وانما منعه من الخروج أيضا.
الأمير بن نايف كان يعتبر رجل أمريكا المفضل في السعودية، بسبب نجاحه في القضاء على تنظيم “القاعدة”، ومعظم خلاياه في المملكة في الفترة الممتدة بين عامي 2003 – 2006، ولكن خليفته الأمير بن سلمان ربما نجح في تغيير هذه الصورة لصالحه، وتقديم اغراءات مالية، ورؤى استثمارية، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نجحت في نهاية المطاف في اعتماده كبديل موثوق لدى الإدارة الحالية، وتخلي الإدارات الامريكية عن رجالها مقابل المال، او نقل البندقية من كتف الى آخر تقليدا معروفا، وهناك العديد من السوابق لا مجال هنا لذكرها. وضع الأمير بن نايف تحت الإقامة الجبرية يؤكد ان انتقال الحكم لم يكن بالسلاسة التي صورها الاعلام الرسمي، وان الرجل الذي تربع لسنوات على عرش المؤسسة الأمنية السعودية، من خلال دوره كوزير للداخلية، او مساعدا لوالده الأمير نايف بن عبد العزيز، يمكن ان يشكل خطرا ولو نسبيا على امن البلاد واستقرارها، فقوات الامن التي كانت تابعة له ضخمة جدا، وهناك من يقدرها بخمسين الفا ومسلحة بدبابات، وعربات مدرعة، وطائرات عمودية، ولهذا كان لا بد من الحذر، وفرض حظر على تحركاته واتصالاته تحسبا لأي طارئ، او هكذا نعتقد. البيانات الرسمية السعودية التي تناولت ظروف انتقال الحكم الى الأمير بن سلمان، قالت ان ثلاثة امراء فقط من مجموع 34 اميرا هم أعضاء هيئة البيعة، الذين عارضوا عزل الأمير بن نايف، ومبايعة الأمير بن سلمان وليا للعهد، ولكن لم يتم حتى كتابة هذه السطور ذكر أسماء هؤلاء، ولا مكان انعقاد الهيئة، وما دار فيه من مداولات، حيث لم يكن هناك أي مكان للشفافية.
ربما من السابق لأوانه الحديث عن انشقاقات في الاسرة السعودية الحاكمة، ولكن يظل فرض الإقامة الجبرية على الأمير بن نايف، وربما امراء آخرين أيضا، مؤشرا على ان الأمور لم تكن بالسلاسة التي جرى التعبير عنها رسميا واعلاميا، ولكن هذا لا يعني ان الأمير بن سلمان لم يصبح وليا للعهد فقط، وانما ملكا في طريقه للتتويج في أي يوم، واصبح يملك كل الصلاحيات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية بين يديه، ويدير البلاد بقبضة من حديد.
افتتاحية لعبد الباري عطوان