خطاب داعش الإعلامي: من كَسْر الحدود إلى استجداء هاشتاغ! كاتب لبناني يتحدث ..
في السنوات الأخيرة، بدأت وكالات رسمية أميركية، وأخرى أوروبية، بالتعاون مع الشركات الكبرى العابرة للحدود والعاملة في مجال الإعلام والتقنية، ومنها “فايسبوك” و “تويتر”، سلسلة إجراءات لمُحاربة انتشار تنظيم “داعش” على الشبكة العنكبوتية.
بلغت هذه الحملة ذروتها بإغلاق أكثر من نصف الحسابات التابعة للتنظيم على شبكات التواصل قبل عامين ونصف العام تقريباً، مع الإشارة إلى أن دراسة واقع ونشاط داعش أونلاين كانت تؤشّر بشكل واضح إلى تفاعُل التنظيم مع الأحداث المفصلية كما حصل في أيلول من العام 2013، حين زاد عدد الحسابات التابعة لداعش على تويتر بشكل ملحوظ وغير اعتيادي، وذلك بالتزامُن مع التهديدات بالضربة العسكرية الأميركية في سوريا آنذاك.
بعد ذلك التاريخ، شهد حِراك داعش على الأونلاين انحداراً مستمراً بفعل الإجراءات التي تم اتخاذها من قِبَل السلطات الدولية، حتى أنّ تطبيقات وشبكات تدور في فلك روسيا كـ”التلغرام” انضمت إلى هذه الجهود بمُحاربة القنوات التي تنشر رسائل داعش.
أمام هذا الواقع، لجأ التنظيم إلى أساليب أخرى مُبتَكَرة باستخدام أدوات حديثة ومحاولة إطلاق أخرى خاصة به كبرامج التواصل المُشفّرة، أو عبر استخدام منصّات غير مخصّصة بالأصل للتواصل (كتطبيقات الألعاب) لغايات التجنيد على سبيل المثال لا الحصر.
غايةُ الكلام أنّ داعش أظهرت مرونةً وتكيّفاً في تمرير خطابها الإعلامي ونشر رسالتها حتى في ذروة “الحِصار” الذي تعرّضت له.
لكن السؤال الأهم: هل بقيَ تأثير هذه الرسالة على حاله؟
هناك حد فاصلٌ دقيق يُميّز بين “بروباغندا” داعش التي تعتمد على سمّات الإعلام الاجتماعي والجديد وقدرة المحتوى الذي يصنعه التنظيم على التأثير.
قياس تأثير الرسائل الإعلامية يحتاج إلى أدوات ومُقارَبة مختلفة عن قياس وصول الرسالة.
في حال داعش، يمكن للباحث المُختّص قياس حجم انتشار المحتوى التابع لداعش في منصّات الإعلام الحديث، لكن قياس التأثير الفعلي والحقيقي لهذا المحتوى يتطلّب دَمْج المُعطيات ما بين العالم الافتراضي والواقع.
ولتقريب الفكرة أكثر، يعرف الجمهور المُتابع لأخبار داعش التوجّهات الدعائية لحملاتها من خلال رَصْد القنوات والصفحات والحسابات المنتشرة في الإعلام الجديد، لكن الحال تختلف تماماً مع وسائل إعلامها التقليدية؛ كإذاعة “البيان” أو المنشورات الصادرة عن التنظيم بأسماء مختلفة. تأثّر الإعلام التقليدي لداعش بظروفه العسكرية، فكان يتوقّف عمل بعضها تبعاً لسير المعارك، مع الإشارة إلى أن محتواها لم يكن يعكس كثيراً حقيقة ما يجري على الأرض، بل كان يُشكلّ امتداداً لما تريده قيادة التنظيم من إظهار لصورة القوة.
هذه السياسة مستمرة حتى مع خسارة داعش للموصل، إذ أنّ وكالة “أعماق”، التي تشكّل عَصَب إعلامه الرسمي، تتعامل مع الحدث وكأنه لم يحصل، وسْط تركيز في الأطر التابعة للتنظيم على الحملات الدعائية أونلاين بهدف الحفاظ على حدٍ مطلوب من المعنويات.
وبالتالي فإن إعلام داعش نفسه الذي حُمِّل مسؤولية نجاح التنظيم في صعوده على نشر الرعب والترويع، لم يُظهِر مرونةً كافيةً لبثّ محتوى ذكي يتعامل مع المُتغيّرات العسكرية الكبيرة. يمكن رَصْد هذا العجز بوضوح في أحاديث عناصر التنظيم وأنصاره في غُرَفهم المُقفلة، عبر ملاحظة تفاعلات حديثهم من ارتفاع حدّة الخطاب وحال النكران والتعبير عن غضب دفين إزاء “شركة الجولاني” كما يحلو لهم وصفه؛ في إشارة إلى “جبهة النصرة” التي أطلقت حملةً أمنية لمطاردة عناصر “داعش” في “إدلب” وأماكن نفوذها ما إن لمست الحتمية في سقوط الموصل.
كُتِبَ الكثير عن خطاب “داعش” الإعلامي وقدراتها “الهوليوودية”، لكنّ هذه القدرة تشهد انحداراً وتفكّكاً يستدعي تحليلاً عميقاً لتأثير الخطاب فكرياً و قدرته على الإقناع بالفعل إذا كان مجرّداً من القوة، كما كانت الحال في بدايات نشوء التنظيم.
لم تُمنَ “داعش” بهزيمة عسكرية فقط في الموصل، بل مُنِيت بانفضاح مشروعها الذي لا يملك أفقاً واقعياً. وهذا ما انعكس في أداء “داعش” الإعلامي العاجز عن تفسير ما جرى وكيف انتقلت الحال من مشهد قادة ومقاتلي التنظيم الذي كان يريد قبل 5 أعوام كسر الحدود والتمدّد، ثم انتقل للترويج لـ”أشبال الخلافة” بعد أن تعرّض لخسائر بشرية في صفوفه الأولى والثانية، قبل أن يرسو خطابه على نداءات استغاثة للثأر من أعدائه عبر الانتحاريين المضّطرين للعمل بشكل منفرد في المرحلة المقبلة والمخاطرة بفقدان عامل “الاحتراف” في التنفيذ.
علي شهاب
كاتب صحفي وصانع أفلام وثائقية. له العديد من المقالات في CNN بالعربية، “هافنغتون بوست”، “السفير” وغيرها.