الاخطار التي تواجه اردوغان خطيرة ومعارضته تزداد قوة وشعبية ، والامريكان يواصلون سياسة الطعن بالخناجر الكردية ..
تركيا تحتفل بالذّكرى الأولى لفشل الانقلاب ولكن الأخطار التي يُواجهها أردوغان ربّما تكون أخطر.. المُعارضة تزداد قُوّة وشعبية.. و”غاندي” أنقرة يَستعرض عضلاته.. والأمريكان يُواصلون سياسة الطّعن بالخناجر الكُردية
تحتفل تُركيا اليوم بالذّكرى السّنوية الأولى لفشل مُحاولة الانقلاب العسكري، التي قامت بها وحدات من الجيش بهدف الإطاحة بالرّئيس رجب طيب أردوغان وحُكومته المُنتخبة، وإعادة البلاد إلى الديكتاتورية العّسكرية، وربّما الفوضى، وهي احتفالات مشروعة لأن الدّيمقراطية التي تترسّخ في تُركيا هي التي تقف وراء استقرارها، وجيمع إنجازاتها الاقتصادية.
مياه كثيرة مرّت تحت الجسر التركي في الإثني عشر شهرًا الماضية، التي كانت صاخبة بالأحداث، فقد استخدم الرئيس أردوغان قانون الطوارىء الذي أعلنه بعد الانقلاب الفاشل لاعتقال أكثر من 50 ألفًا، من بينهم نوّاب، وقُضاة كِبار، وصحافيون، وأكاديميون، مثلما طرد أكثر من 150 ألفًا آخرين من وظائفهم، بحُجّة التورّط في الانقلاب، أو التعاطف مع الذين قاموا به.
صحيح أن هذه المُحاولة الفاشلة لم تُطح بالرئيس أردوغان، ولكنّها أضعفته، وساهمت سياساته الداخلية والخارجية في تقليص شعبيته، وإلحاق أضرار كبيرة في الاقتصاد التركي انعكست في انخفاض مُعدّلات النّمو إلى أقل من ثلاثة في المئة، وخسرت الليرة التركية أكثر من نِصف قيمتها، وتراجعت في البلاد التي كانت تدر 36 مليار دولار سنويًا بنسبة 40 بالمئة، وباتت تركيا مُحاطة بالأعداء وتُواجه خطر التفكّك والإرهاب.
الوحدة الوطنية التي تجلّت في توحّد جميع أحزاب المُعارضة خلف الحكومة في مُواجهة الانقلاب، والالتفاف حول الرئيس أردوغان وحُكمه، بدأت تتآكل بشكلٍ مُتسارعٍ بسبب المخاوف من انجراف تركيا نحو ديكتاتورية الزّعيم القائد، على غِرار أنظمة الشرق الأوسط، وتفرّد الرئيس التركي بالسّلطة، بل واستخدامه قوانين الطوارىء لاجتثاث مُعارضيه، ومُصادرة الحريّات، والقضاء على استقلالية القضاء، والمُؤسّسات التشريعية الأخرى، بما في ذلك البرلمان.
يوم الجمعة، أي قبل يوم واحد من مُرور هذه الذكرى، أصدر الرئيس التركي قوانين جديدة أعفى بمُوجبها 7500 شرطي وجندي وموظّف حُكومي من وظائفهم بُحجّة التعاطف مع حركة الانقلاب، وهُناك تقارير تُشير إلى أنّ التسريحات لن تتوقّف عند هذا الرقم، وأن “وجبات” أخرى في الطّريق.
المسيرة المليونية التي نظّمها حزب الشعب الجمهوري في شهر رمضان المُبارك، وانتهت في اسطنبول، في التّاسع من تموز (يوليو) الحالي، وأمام السّجن الذي يقبع فيه أنيس بربر أوغلو، عضو البرلمان، ونائب رئيس الحزب المُعارض، إلى جانب 13 عُضوًا آخرين في البرلمان (مُعظمهم من الأكراد)، هذه المسيرة ربّما تُؤدّي إلى نتائج أخطر من المُحاولة الانقلابية بالنّسبة إلى الرئيس أردوغان وحزبه، حسب آراء الكثير من المُراقبين والخُبراء داخل تركيا وخارجها.
فأن يقود السيد كمال كيليتشدار، زعيم المُعارضة الذي يقترب من السبعين من عُمره، هذه المسيرة مشيًا على الأقدام من أنقرة حتى اسطنبول، وفي شهر رمضان المبارك، وينضم إليه مئات الآلاف من الصائمين، ولا يسمح للمُشاركين فيها إلا رفع العلم التركي، ولافتة واحدة تحمل كلمة “عدالة”، فهذا “انقلاب” سياسي ديمقراطي غير مسبوق، منذ أن فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية عام 2002.
كمال كيليتشدار، زعيم حزب الشعب، الذي يصفه أنصاره بأنّه “غاندي” تركيا، استطاع بهذه المسيرة أن يقلب المُعادلات السياسية، ويُعيد الحياة مُجدّدًا لمُعارضة كانت شِبه مُنهارة تحت قيادته، وبسبب الكاريزما الكبيرة التي يتمتّع بها خصمه أردوغان، والمُستندة إلى إنجازات اقتصادية جعلت من تُركيا القوّة رقم 17 على قائمة الدّول العشرين الأقوى اقتصاديًا في العالم بأسره.
في الذّكرى الأولى للانقلاب الفاشل تَقوى المُعارضة، ويَضعف الرّئيس أردوغان وحِزبه، وتتآكل الديمقراطية التركية في ظِل القمع المُتواصل للحريّات، وتحوّل سياسة “زيرو مشاكل” إلى “زيرو أصدقاء”، وانهيار العلاقة مع أوروبا، وألمانيا بالذّات، الشريك الاقتصادي الأكبر لتُركيا.
مُشكلة الرئيس أردوغان أنّه لا يسمع للرأي الآخر، حتى لو كان من داخل حزبه، والدائرة الأصغر المُحيطة به، ولهذا اعتزل شريكه عبد الله غُل من العمل السياسي، وفضّل فيلسوف ثورته أحمد داوود أوغلو الجلوس في بيته عاطلاً عن أي عمل، أكاديمي وسياسي.
الأمريكان، ومعهم بعض حُلفائهم العرب، ورّطوا الرئيس أردوغان في سورية وليبيا، وحرّضوه ضد جيرانه في العراق وإيران واليونان وأوروبا، وأقنعوه بإعادة العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن تحوّل إلى بطل إسلامي بعد تصدّيه لحِصارهم لقِطاع غزّة، والآن انحازوا إلى الأكراد ألد أعدائه، وبدأوا يزوّدونهم بالأسلحة، تمهيدًا لإقامة دولتهم المُستقلة على طول الحدود السّورية التّركية، وربّما تمتد هذه الدولة لتشمل شرق تركيا، وشمال العِراق، وشمال غرب إيران.
ما زالت هُناك فُرصة أمام الرّئيس أردوغان الذي قدّم لتُركيا في سنواته الخمسة عشر في السّلطة، ما لم يُقدّمه لها أي زعيم آخر على مدى ما يَقرب من المئة عام، خاصّةً الازدهار الاقتصادي والإسلام المُعتدل، والحريّات الديمقراطية، فُرصةً لإنقاذ تُركيا قبل إنقاذ نفسه وحِزبه، شريطة أن يعود إلى السياسات التي أوصلت تُركيا إلى هذه المكانة، ويتخلّى عن كُل المواقف التي أوصلته، وتركيا، إلى هذهِ الحالة من عدم الاستقرار والخلافات التي تعيشها حاليًا، ومُرشّحة للتفاقم إذا استمر في تبنّيها من مُنطلق “العِناد وحالة “الإنكار” التي يراها الكثيرون، ولا يُريد أن يراها هو.