الغارديان: الرئيس الفرنسي يتعرَّض لمأزق كبير لأول مرة.. وهكذا يمكن أن يخرج منه
يتعرَّض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأول أزمة حقيقية منذ وصوله للسلطة قبل أشهر، بعد خلاف واضح مع قائد القوات المسلحة الفرنسية، والتي بسببها قدم الأخير استقالته.
واعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، الجمعة 21 يوليو/تموز 2017، أن ماكرون ورغم قضائه الأسابيع الأخيرة في تحسين صورته الدولية -تسلية الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإلقاء خطب طويلة ومملة في القمم الدولية- إلا أنه في مأزق حقيقي على صعيد جبهته الداخلية.
وأضافت الغارديان، أن استقالة قائد القوات المسلحة الفرنسية بعد خلافٍ مرير مع ماكرون حول خفض الإنفاق العسكري، وضعته في مأزق غير مسبوق، ما جعل أحد الجنرالات يصف تصرف ماكرون “بالاستبداد الطفولي”.
وكانت آخر مرة يرتدي ماكرون فيها الزي العسكري عندما شوهد أثناء إنزاله بمروحية على متن غواصة نووية، على غرار أفلام المغامرة. أما هذه المرة فكان الأمر أكثر تواضعاً وأقل تظاهراً. إذ وُصِفَ الرئيس البالغ من العمر 39 عاماً، والذي قال ذات مرة إنه على الرئيس الفرنسي أن يكون شامخاً مثل جوبيتر، ملك الآلهة الرومانية، وُصِف من قبل منتقديه بأنه أُجبِرَ على النزول إلى الأرض ليواجه الواقع الشائك للاقتصاد الفرنسي.
جذور الخلاف
وللخلاف مع قائد الجيش الفرنسي جذوره في المعادلة الصعبة التي يسعى ماكرون لتحقيقها. إذ يرغب في إجراء تخفيضات ضريبية كبيرة على الإنفاق العام، وفي الوقت نفسه يريد احترام قواعد الاتحاد الأوروبي بخصوص عجز الميزانية. ورغم الموقف الدولي المتماسك والأغلبية البرلمانية، من الواضح أن “التغيير” العميق الذي وعد به فرنسا لن يكون سهلاً، بحسب الغارديان.
ووصل ماكرون للسلطة ليس على وعدٍ بتجديدٍ سياسيٍّ فحسب، بل كذلك وَعَدَ بحزمةٍ من التخفيضات الضريبية، استهدف أكثرها الأغنياء، وتضمَّن ذلك تخفيض ضريبة الثروة، بالإضافة إلى تقليص التكاليف على الأعمال، وهو ما قال ماكرون إنه سيعيد المنافسة ويزيد الوظائف. وفي الواقع، وجدت دراسةٌ هذا الأسبوع أن أغنى 10% من أسر فرنسا يُحتَمَل أن يكونوا أكبر المستفيدين من ذلك المقترح. كما وُوجِهَت التخفيضات الضريبية الأخرى لذوي الدخول الأقل، من بينها تعهده الرسمي الرئيسي بالتخلص من ضرائب الإسكان المحلي لـ80% من الأُسَر.
لكن عندما وضع رئيس حكومة ماكرون، إدوارد فيليب، خارطة طريق الحكومة، مطلع هذا الشهر يوليو/تموز، كانت الرسالة أن فرنسا غارقةٌ في الديون، لدرجة أن الوعد بخفض الضرائب ينبغي أن يُتخلَص منه بهدوء. ويريد ماكرون أن تلتزم فرنسا بقواعد الاتحاد الأوروبي فيما يخص تقليص عجز الميزانية لأول مرة خلال عقد. وهو ما يعني التقشف.
لكن الغضب اشتعل بعد وعود الضرائب الكاذبة. وتفهَّم ماكرون الخطر. فبعد كل شيء، كان ماكرون مستشاراً للرئيس السابق المُتردِّد والمتناقض، فرانسوا أولاند، الذي نزلت فوضى الضرائب التي صنعها بشعبيته للحضيض.
ويحب ماكرون أن يُنظر إليه باعتباره يرد بسرعة على الانتقادات. لذلك اتخذ منعطفاً خاطفاً. إذ صرح أن التخفيضات الضريبية ستبدأ العام القادم، بحسب الغاريان.
غير أن المشكلة، التي لا تُذكر دائماً في فرنسا، هي الطريقة التي ستوفِّر بها الحكومة الأموال. فجأة، احتاجت الحكومة لإجراء خفض في الإنفاق وطبَّقته على وزارات لا تتوقعه، ومن بينها تقليص الإنفاق العسكري المثير للجدل، وهو ما كان صادماً بعد وعد ماكرون الدائم بزيادة الإنفاق العسكري بشكلٍ كبير. جديرٌ بالذكر أن الجيش هو أكثر مؤسسات الدولة شعبية حتى اليوم في فرنسا، وأن ماكرون قد وعد الآن بزيادة الإنفاق العام القادم.
ستصدر التفاصيل الكاملة لخفض الإنفاق في الخريف، بينما تتبلور خطط ماكرون المقترحة لتعديل قوانين العمل ليسهل توظيف وفصل العمال، وهي قضيةٌ مثيرةٌ للجدل يُحتَمَل أن تتسبَّب في احتجاجاتٍ في الشوارع.
وتضيف الغارديان ليست قوانين الموازنة وحدها التي تمثل تحدياً لماكرون. فأسلوبه الشخصي في القيادة يتعرَّض لمزيد من التدقيق والتمحيص. ويبدو أن تشبيه جوبيتر يسبب المشاكل. وعلى الرغم من أن تقديرات شعبيته لا تزال عالية نسبياً بنسبة 54%، إلا أنها نزلت 5 نقاط هذا الشهر في استطلاع رأي أجرته شركة BVA لصالح صحيفة لا تريبيون الفرنسية. واستشهد المستطلعون الناقدون لماكرون “بغروره” الملحوظ، و”استبداديته”، و”تجاهله للطبقات العاملة”، واهتمامه المفرط بصورته الشخصية.
يريد ماكرون الآن أن يكون سريعاً في التخلص من وسم جوبيتير. يذكر أنه قام بزيارة مفاجئة لبرلمانيي حزبه الجديد، الجمهورية إلى الأمام، وأكد لهم أنه لن يصدر أوامر “جوبيترية” من الأعلى. وأضاف: “ستكون هناك مناقشاتٌ صعبة، وستتعلَّق هذه المناقشات بالموازنة، وستكون إنسانية. سنضطر للتفاوض حول حلين ونختار الحل الأقل سوءاً”.