هل مصر بحاجة الى تدشين أكبر قاعدة عسكرية بالشرق الأوسط ؟ ولماذا اقتصر الحضور على الحلفاء الخليجيين الأربعة فقط ؟
هل مصر بحاجة الى تدشين اكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وافريقيا؟ وما هي الفقرة التي غابت عن خطاب الرئيس السيسي في حفل التدشين؟ ولماذا اقتصر الحضور على الحلفاء الخليجيين الأربعة فقط الى جانب الجنرال حفتر؟
تواجه مصر كبلد، وليس كنظام فقط، مجموعة من الاخطار ذات الطابع الاستراتيجي من معظم الجهات، من الجنوب حيث سد النهضة الاثيوبي الذي يهدد حياة اكثر من مليون اسرة في مصادر رزقها، وفي الغرب حيث حالة الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار التي تجتاح ليبيا، ومن الشرق حيث تتفاقم ظاهرة الإرهاب في صحراء سيناء، ولا ننسى، ولن ننسى مطلقا، الخطر الإسرائيلي الذي يشكل تهديدا وجوديا لمصر وامنها واستقرارها.
في ظل هذه التهديدات وغيرها، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم امس قاعدة محمد نجيب العسكرية في محافظة مرسي مطروح شمال غرب البلاد، التي توصف بأنها اضخم قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط والقارة الافريقية، وسيكون من ابرز مهامها حماية المؤسسات والتجمعات السكانية، وحقول البترول، والمنشآت الاقتصادية الاستراتيجية، والاهم من كل ذلك محطة الضبعة النووية المخطط اقامتها في المنطقة في السنوات المقبلة.
كان لافتا ان حضور حفل التدشين لهذه القاعدة اقتصر على حلفاء الرئيس السيسي الخلص فقط، مثل الجنرال الليبي خليفة حفتر، والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد ابو ظبي، والأمير خالد الفيصل، امير مكة المكرمة، ومستشار العاهل السعودي، والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهد البحرين، وهذا الحضور يعكس الأولويات الأساسية للحكومة المصرية في ليبيا غربا، ودول الخليج شرقا.
أي تعزيز للقدرات العسكرية المصرية يصب في مصلحة الامة العربية وامنها واستقرارها، لان هذه القاعدة التي حملت اسم اللواء محمد نجيب، قائد الثورة المصرية عام 1952، هي لمصر، ولمؤسستها العسكرية التي خاضت اربع حروب ضد العدو الإسرائيلي، تماما مثل قناة السويس، والسد العالي، فالحكام يأتون ويذهبون، وتبقى هذه المؤسسات للشعب المصري، وسندا للامتين العربية والإسلامية، اما زبد اتفاقات كامب ديفيد وكل افرازاته فستذهب جفاءً.
لا نجادل مطلقا في ان مصر تمر حاليا بظروف صعبة، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ولكن المؤسسة العسكرية المصرية التي ما زالت تقوم عقيدتها الاستراتيجية على مفهوم صارم بأن إسرائيل واحتلالها للأراضي العربية ومقدساتها، ما زالت هي العدو، والخطر الأكبر على مصر، تشكل الضمانة والرهان الحقيقي للخروج من كل هذه الازمات، والعودة بالبلاد الى المصالحة الوطنية، والمسار الديمقراطي، والدولة المدنية، ان آجلا او عاجلا، لتعود بعدها الى ثكناتها، ودورها الطبيعي في الحفاظ على البلاد، والتصدي للاخطار التي يمكن ان تهددها.
لدينا تحفظات عديدة على الكثير من السياسات الحالية المتبعة في مصر، وعلى رأسها استفحال الفساد، وتراجع الحريات الديمقراطية والتعبيرية الى حدودها الدنيا، ونجزم بان المخرج الوحيد من أزمات مصر، هو المراجعة والحوار، ووضع حد لسياسة الاقصاء والتهميش، وإعادة تصويب البوصلة في اتجاه الخطر الحقيقي على مصر والمنطقة كلها، وهو الاحتلال الإسرائيلي.
شعرنا بألم شديد عندما لم يتضمن الخطاب الذي القاه الرئيس السيسي بمناسبة افتتاح هذه القاعدة العسكرية، من أي إشارة الى العربدة الإسرائيلية في القدس المحتلة، والاعتداء على المصلين، ووضع بوابات الكترونية في مداخل المسجد الأقصى، وإعادة احتلال الاحتلال، في اطار مخطط لتهويد المدينة المقدسة، واسقاط الهوية الإسلامية والعربية عن مقدساتها.
ونشعر بحزن اكبر ان الشعب المصري الأصيل الذي قدم آلاف الشهداء في حروب الكرامة والعزة والسيادة لهذه الامة، وانتصارا للحق، وإسلامية المسجد الأقصى وعروبته، لم يُسمح له، بالنزول الى الميادين والشوارع بمئات الآلاف للتعبير عن مشاعره الوطنية الصادقة والمتجذرة، تجاه هذه الممارسات العدوانية الإسرائيلية، والمتضامنة مع الذين يدافعون عن الأقصى بدمائهم وارواحهم.
الإسرائيليون هم الذين وقفوا ويقفون خلف بناء سد النهضة على النيل الازرق لحرمان مصر من 56 مليار متر مكعب من حصتها من المياه، وتقليص كمية الكهرباء التي تضيء مصر كلها من السد العالي ومولداته، والإسرائيليون هم الذين يخططون لاقامة قناة بن غوريون التي ستمتد من خليج العقبة الى البحر المتوسط، لتدمير قناة السويس التي تحتل المرتبة الثانية في سلم عوائد الخزينة المصرية.
من حق الشعب المصري وقيادته ومؤسسته العسكرية الاحتفال بتدشين قاعدة محمد نجيب العسكرية، فهي ملك لمصر وشعبها، والأمة العربية كلها، ولكن من حقنا أيضا ان نعيد التذكير بمصادر الخطر الحقيقية والاستراتيجية التي تستهدف مصر ودورها الريادي والقيادي في المنطقة بأسرها.
الخطر الأكبر والحقيقي لمصر يأتي من الشرق وبالتحديد من الإسرائيليين، والتاريخ حافل بالأمثلة، وكما نتمنى ان تكون اكبر قاعدة عسكرية مصرية في الشمال الشرقي أيضا، او جنبا الى جنب مع قاعدة محمد نجيب في الشمال الغربي، ولعل هذه الأمنية مترسخة في اذهان القيادة المصرية ومؤسستها العسكرية، او هكذا نأمل، فلا بد من توجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح، او هكذا نعتقد.