مستقبل فروع “داعش” بعد انحساره في سوريا والعراق

مستقبل فروع “داعش” بعد انحساره في سوريا والعراق

تتآكل قدرات تنظيم “داعش” في العراق وسوريا على البقاء والتمدد، حيث يعاني انحسارا جغرافيا، وخسائر في صفوف مقاتليه. ففي الوقت الذي تتقدم فيه نسبيا قوات الجيش العراقي في عملية تحرير مدينة “الموصل” والتي أطلقت في أكتوبر الماضي، تشن “قوات سوريا الديمقراطية عملية “غضب الفرات” باتجاه مدينة الرقة لتحريرها أيضا من سيطرة هذا التنظيم.

تتجه التوقعات إلى أن الضغوطات العسكرية المزدوجة على “داعش” ستؤدي إلى إنهيار هيكله التنظيمي في سوريا والعراق، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مستقبل فروع التنظيم بعد سقوطه المحتمل.

وتتزايد أهمية هذه التساؤلات، فى ظل حرص “داعش” على انتشار فروعه حول العالم، حتى يضمن البقاء أطول فترة ممكنة، حال انهيار التنظيم الأم في سوريا والعراق، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على الأوضاع في عدد من مناطق الصراع حول العالم.

خريطة ولايات “داعش”:

تمكن تنظيم “الدولة” من التحول من مجرد “تنظيم” قوي في العراق وسوريا إلى “مظلة فكرية” حول العالم، ينتمي إليها الآلاف، سواء على شكل مجموعات، أو أفراد، بسبب تعدد فروعه، التي يطلق عليها “الولايات الخارجية”، وذلك عبر قبول التنظيم الأم “بيعات” العديد من المجموعات الإرهابية، في إطار شعاره الذي أعلنه منذ قيامه “البقاء والتمدد”.

ويبلغ عدد ولايات “داعش” 16 فرعا تنتشر في مناطق مختلفة حول العالم، بحسب ما أعلن عنها التنظيم فى يوليو 2016، عبر إصداره “صرح الخلافة”، الذي يصدر عن مؤسسة “الفرقان”، إحدى الأذرع الإعلامية للتنظيم.

وهذه الولايات هي: (“نجد” – “الحجاز” – “برقة” – “طرابلس” – “فزان” – “الجزائر”، “غرب إفريقيا” – “سيناء” – “خراسان” – “القوقاز” – “عدن أبين” – “شبوة” – “حضرموت” – “اللواء الأخضر” – “صنعاء” – “البيضاء”).

وسمحت هذه الفروع بأن يكون تنظيم “داعش” صاحب “الأذرع الطويلة”، حيث استطاع الوجود في مناطق لم يكن يتسنى له الوصول إليها بدونها.

لذا، أصبح معقل التنظيم فى العراق وسوريا، برغم رمزيته وأهميته، وكونه معقل الخلافة المزعومة، جزءا من المظلة “الداعشية” الكبرى، وبالتالي، فإن سقوط ذلك المعقل لا يعني القضاء على التنظيم، واختفاءه كليا من على الساحة.

سمات فروع “التنظيم”:

تتسم فروع تنظيم “الدولة” عن غيرها من التنظيمات الأخرى بعدة سمات، حتى يمكنها أن تطبق رؤية واستراتيجية “داعش الأم” في العراق وسوريا. ومن أبرز هذه السمات:

– النشاط الإرهابي، وهو إحدى المميزات المهمة لفروع التنظيم، والتي تمكنه من القيام بعمليات إرهابية نوعية، لاسيما الفروع القوية، التي تسيطر على مساحة من الأرض بشكل كامل، نظراً لوجودها في دول هشة، وسعيها لتطبيق الشريعة فيها أسوة بالتنظيم الأم، مثل، فرع “ولاية خراسان” فى أفغانستان، والذي أخرج إصدارا مرئيا، فى 17/2/2017، تحت عنوان “الحياة في ظل الشريعة”. وكشف هذا الفرع عن سيطرته الكاملة على بعض المناطق الأفغانية، مما جعله يتمتع بوجود قوي على الأرض، يسمح له بالقيام بعمليات إرهابية نوعية، مثل، الهجوم على المستشفى العسكري في كابول يوم 8 مارس 2017، والذي قُتل فيه 49 شخصاً.

– السرية والغموض، وهما ما تتسم به بعض فروع “داعش”، خاصة في اليمن، حتى يتجنب الأخطاء التي وقع فيها تنظيم “القاعدة” في هذا البلد، ومنها، عمليات الاختراق التنظيمي، مما أفقده العديد من قادته ورجاله. في حين أن السرية جعلت “داعش” قادرا على الحركة والنشاط، والحفاظ على قدراته التنظيمية، مما سمح له بممارسة عملياته الإرهابية بشكل شبه مستمر، والتي كان آخرها التفجير الانتحاري، الذي أدى إلى مصرع ثلاثة أشخاص في عملية بسيارة مفخخة في محافظة البيضاء في مدينة “رداع” فى 14 فبراير 2017.

– التمدد المحسوب، أي أن هناك بعض فروع “داعش” التي تتمدد ببطء، لكن بخطى ثابتة، مثل ولاية “غرب إفريقيا” (جماعة بوكو حرام). فمنذ أن تولى “أبو مصعب البرناوي” فى أغسطس 2016، والجماعة تتوسع بشكل شبه مستمر. كما أن عملياتها أصبحت محددة وغير عشوائية، مثلما كان يحدث في عهد قائدها السابق “أبو بكر شيكاو”، مثل، العملية الأخيرة على قرية شمال شرق نيجيريا، التي تبعد 140 كلم شمال غرب “ميدوغوري”، عاصمة ولاية “بورنو”، في 24 مارس 2017 من أجل الاستيلاء على مواد غذائية وأدوية، وليس من أجل القتل فقط، كما كان يحدث فى عهد “شيكاو”.

تداعيات السقوط المحتمل:

من المتوقع أن سقوط “الخلافة الداعشية” في العراق وسوريا ستكون له تداعيات مختلفة على فروع التنظيم، منها ما سيكون على شكل تداعيات على المدى القصير، وأخرى على المدى الطويل، يمكن تحديدها في الآتي:

أولا- تداعيات على المدى القصير:

وتتمثل في القرارات السريعة التي ستتخذها فروع “داعش”، كرد فعل على سقوط معقله الرئيسي فى العراق وسوريا، وذلك لتخفيف حدة السقوط من أجل الحفاظ على التنظيم، ومنعه من الانهيار والتفتت، لاسيما من قبل الفروع القوية. ويمكن تحديد أهم هذه القرارات في الآتي:

تحديد معقل جديد للخلافة: لقد تمكن تنظيم “داعش” من جذب المتطرفين حول العالم، بإعلانه الخلافة الإسلامية، نظرا لقدسية هذا المفهوم لديهم، بما جعل الآلاف منهم يلتفون حوله. وبالتالي، فإن سقوط “الرقة”، سيعني انهيار الرمزية التي جمعت الإرهابيين حول التنظيم، مما سيؤثر في تماسك البنيان التنظيمي.

لذا، يتوقع البعض أن تسعى فروع “داعش” إلى إيجاد “عاصمة جديدة” للخلافة المزعومة، والتي سيتم اختيارها غالبا فى إحدى المناطق التي يتواجد فيها التنظيم بشكل قوي من الناحية العسكرية والتنظيمية، حتى يتمكن من توفير الحماية للازمة لها لأطول فترة ممكنة من الوقت.

مبايعة خليفة جديد: حيث من المحتمل أن يؤدي سقوط التنظيم في العراق وسوريا إلى قتل البغدادي، أو القبض عليه بسبب صعوبة هروبه إلى الخارج. لذا، فإن فروع التنظيم ستسارع إلى مبايعة خليفة جديد للبغدادي، ومن المرجح أن يكون من القيادات الإرهابية فى المنطقة العربية.

تصعيد العمليات العسكرية: من أهم الأساليب التي تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية في أزماتها لإثبات وجودها وتماسكها تصعيد هجماتها، وهذا ما ستلجأ إليه غالبا فروع تنظيم “الدولة”، كرد فعل سريع على سقوط المعقل الرئيسي في العراق وسوريا. ومن أبرز فروع التنظيم النشطة والتي يتوقع أن تزداد هجماتها، اليمن، وأفغانستان، ونيجيريا، خاصة أن التنظيم بدأ أخيرا في دفع عدد من مقاتليه الأجانب إلى بلادهم للالتحاق بفروع التنظيم فيها منذ منتصف 2016.

ثانيا: التداعيات على المدى الطويل :

وهى تلك التداعيات المحتملة على فروع التنظيم، بعد فترة طويلة من انهياره، كنتيجة لتطور الأحداث والمستجدات، لاسيما أن ملامح التنظيم ستختلف كثيرا عن ذي قبل. ويمكن تحديد أهم تلك التداعيات في الآتي:

الانقسام حول القيادة: يعتقد أن زعيم “داعش” القادم لن يكون محل إجماع من فروع التنظيم كسابقه “أبو بكر البغدادي”، الذي تم تنصيبه مع ولادة التنظيم، وتم فرضه بطريقة لا تقبل الجدل أو النقاش، من خلال عدّ مبايعته شرطا للانضمام للتنظيم. في حين أن “الخليفة القادم” لن يتمتع بهذا الإجماع، نظرا لانهيار الهيكل التنظيمي، واختفاء العديد من القادة التاريخيين، وتعدد الفروع. وبالتالي سيكون محل اختيار، وليس إجبار، الأمر الذي يمكن أن يؤدى إلى الاختلاف والانقسام حوله، وإن كان بشكل غير علني.

التنافس بين الفروع: من المحتمل أن تشهد الفترة، التي تعقب سقوط التنظيم الأم، حالة من التنافس بين فروعه القوية على الفوز بمقر الخلافة الجديدة، ومنصب الخليفة، ربما يتحول إلى صراع علني، سيؤثر بشكل مباشر في التماسك التنظيمي، وذلك بسبب الامتيازات التي سيتم الحصول عليها، جراء هذا الفوز، نظرا لأنه سيكون لديه القدرة على التأثير في التوجهات العامة للتنظيم، وقراراته الاستراتيجية، بما يخدم مصالحه وقادته في المرتبة الأولى.

التحول إلى التحالفات: من المعروف أن تنظيم “الدولة” وفروعه المختلفة يرفضان الدخول في تحالفات، أيا كان نوعها، ويفضلان العمل منفردين، وذلك بسبب التمايز الفكري والتنظيمي. ولكن المرحلة القادمة ستفرض على بعض الفروع الدخول فى تحالفات، سواء مع عدد من القبائل المحيطة بها، أو بعض المجموعات المتطرفة غير المنافسة لها-التابعة للقاعدة- وذلك من أجل الحصول على الدعم والمساندة، لاسيما أنها ستصبح الهدف التالي، بعد القضاء على التنظيم الأم.

اختفاء بعض الفروع: من المحتمل أن تشهد المرحلة، التي تعقب سقوط “داعش” الأم، اختفاء بعض الفروع، لاسيما الضعيفة منها، التي ليس لها وجود قوى على الأرض، مثل فرع “داعش” في الصومال. حيث إن سقوط “داعش” الأم سيخلق حالة من الانهيار المعنوي لدى تلك الفروع، مما سيدفعها إلى البحث عن بديل، والذي سيكون غالبا العودة إلى تنظيم “القاعدة”، الذي كان يتبعه معظم الفروع “الداعشية” في إفريقيا، خاصة في ظل سعيها لاستعادة تلك المجموعات.

وأخيرا، يمكن القول إن فروع تنظيم “داعش”، برغم كونها العامل الأهم الذي سيبقيه على قيد الحياة لوقت أطول، حال سقوطه في العراق وسوريا، لأنها ستحافظ على الفكر والتنظيم. إلا أن ذلك السقوط ستكون له تداعيات مهمة عليها، لأنه غالبا سيؤدي إلى حالة من الانقسام والتنافس فيما بينها، لاسيما فى ظل وجود قيادات طموح للسلطة والنفوذ، داخل تلك الفروع. وبالتالي، فإن مستقبل “داعش” سوف يكون متوقفا بشكل كبير على مدى تماسك تلك الفروع وتوافقها.

علي بكر – باحث في الشؤون السياسية – مصر

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com