قواعد النظام الأميركي للنزاع بين الدول الصغيرة .. كاتب سوري يتحدث
يبدو أن التاريخ يعلمنا أن ظاهرة العمل على زيادة امتلاك القوة بمختلف أشكالها العسكرية والتكنولوجية أصبحت هي المؤشر الثابت في حركة هذا التاريخ وفي التطور البشري، فالصناعات العسكرية وأسواق وصفقات بيع الأسلحة ومصادر القوة الحربية تزدهر كل عشر سنوات بشكل يزداد عقداً تلو آخر مثلما يزداد الطلب على هذه الأسلحة.
فالتاريخ كما يقول علماؤه، هو سجل الحروب وأسلحتها وأدواتها سواء أكانت حروباً للدفاع عن النفس ضد قوى الاستعمار والغزو أم حروباً للهيمنة على مصادر ثروات الدول الصغيرة.
ويرى رئيس تحرير المجلة الأميركية «ذي أميركان كونسير فاتيف» دانيال لاريسون وهي مجلة تناهض الحروب، أن النظام الأميركي العالمي الجديد بدأ الآن يضع قواعد للحروب والنزاعات بين الدول الصغيرة المتحالفة معه، وتختلف عن قواعد اللعبة الأميركية المطبقة على الدول التي تخرج عن الصف الأميركي مثل اليمن أو التي تناهض الهيمنة الأميركية مثل سورية وإيران، فواشنطن وحلفاؤها في المنطقة يفرضون الحصار على سورية وإيران بأشد أشكاله بموجب قواعد النظام العالمي الأميركي وليس نظام الأمم المتحدة الذي يعد المرجعية الدولية القانونية، لكن الجديد في هذا النظام الأميركي هو أن تقوم دول صغيرة متحالفة مع واشنطن بفرض الحصار والتهديد على دولة من المجموعة نفسها أي دول الخليج، فقد سمحت واشنطن للسعودية والإمارات بفرض هذا الحصار، ولم تمنعه رغم أنها قادرة على منعه، وبالمقابل يقول وزير خارجية قطر: إن «هذا الحصار غير شرعي وسابقة غير صحية بين الدول الصغيرة» وإنه «يعرض للخطر النظام العالمي وليس قطر وحدها»!
لكن السؤال هو: لماذا تسمح واشنطن بالحصار والحرب على اليمن من هذه الدول نفسها ومن ضمنها قطر التي دافعت عن هذا الحصار وشاركت في الحرب على اليمن «لإعادة تثبيت» عبد ربه منصور رغماً عن كل المعارضين الذين يشكلون أغلبية، ورغم أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح كان صديقاً لدول الخليج وللولايات المتحدة؟ فهل يحق للسعودية أن تحاصر اليمن لتغيير النظام فيه، ولا يحق لها محاصرة قطر لتحقيق الهدف نفسه؟ وخصوصاً أن الرياض تريد تغيير أمير قطر الحالي، علماً أن سلمان قام بإزاحة ولي العهد الأمير محمد بن نايف ليضع بدلاً منه ابنه الأمير محمد بن سلمان، وسمحت واشنطن بهذا التغيير وكأن هذه الدول يجب ألا تتمتع بحقوقها كبقية الدول الأخرى في العالم.
يعطي النظام الأميركي حكام الولايات المتحدة الأميركية حقوقاً أكبر من حقوق هذه الدول الصغيرة التي يتحكم بقراراتها وبتغيير حكامها بساعات أو أيام على غرار ما جرى في السعودية، ويقول دانيال لاريسون: إن قواعد هذا النظام الأميركي يعطي أي إدارة أميركية فرصة مفتوحة لتغيير أي أمير أو ملك في شبه الجزيرة العربية وأنها أصبحت هي التي تضمن بقاء هذا الحاكم أو ذاك، مادام لا يخرج قيد أنملة عن خطها السياسي، لكن الخطورة تكمن هنا في أن توظف الإدارة الأميركية دولة صغيرة في الخليج للاستفزاز أو للاستقواء على دولة أكبر منها بكثير، فتتحول هذه الدولة الصغيرة إلى «طعم» يجلب لنفسه الدمار لا لشيء إلا لأن واشنطن وجدت أن مصلحتها العليا تتطلب الآن زج هذه الدولة الصغيرة بحرب مجانية، وهذا ما فعلته حين وجهت دول الخليج لشن الحرب على اليمن الذي شكل تاريخياً الدولة المستقلة الفقيرة التي لا شأن لها في مهاجمة الجوار بل في الدفاع عن حدودها وخياراتها.
كانت الخطة الأميركية المعدة لليمن هي تقسيمه إلى ست دول أو إمارات لكي تنطلق منه إلى تقسيم السعودية نفسها إلى إمارات منفصلة، وفي ظل هذه الخطة ستكون قد باعت أسلحة بمئات المليارات من الدولارات، وفرضت مصالحها على حساب أموال النفط العربي والدماء العربية وكما يقول لاريسون، عند ذلك ستطبق قواعد نظامها الأميركي في استخدام دولة أو دول صغيرة بمحاصرة دولة أو دول أخرى مادامت تحافظ هذه السياسة على مصالحها في جميع هذه الدول.
تحسين الحلبي