كم ستكون درجة حرارة مدينتك عام 2100 ؟
تختلف درجة حرارة الأرض صعودًا وهبوطًا من عامٍ إلى آخر، إلا أنه خلال الأعوام الـ50 الماضية شهدت زيـادةًا كبيرًا. حطمت درجات الحرارة عام 2016 الرقم القياسي التاريخي، الذي حققته في عام 2015، الذي أتي محطمًا لسابقه المُسجل في عام 2014.
مع هذا لا يوجد أي سبب طبيعي تُعزى إليه الحرارة المتزايدة خلال نصف القرن الماضي. وحده التلوث البيئي مُتمثلًا في الانبعاثات المتزايدة للغازات الدفيئة، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تضاعفت كميته في الهواء الجوي، لتصل إلى 406.4 أجزاء في المليون بدايةً من عام 1960 إلى الآن.
انبعاثات الكربون: السبب الرئيس وراء ظاهرة الاحتباس الحراري
ترجع الأسباب وراء ظاهرة الاحتباس الحراري إلى التزايد المستمر في انبعاثات الكربون، التي تصعد إلى الغلاف الجوي، وتعمل كحزامٍ سميك يحيط بالأرض ويحبس الحرارة داخلها. هذا إلى جانب النمو المتسارع في الزيادة السكانية حول العالم، التي يلجأ أغلبها لاحقًا للعيش في المدن والمناطق الحضرية. الأمر الذي من شأنه التسبب في زيـادة درجات الحرارة في المدن بمقدار 7.8 درجة مئوية؛ يبتكر عنها موجات حرارية خطيرة قد تسبب الموت.
انبعاثات الكربون والغازات الدفيئة
يعيش حاليًا نحو 54% (3.9 مليار نسمة) من سكان العالم في المدن، ومن المتوقع أن يزداد عدد سكان الحضر بمقدار 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050. عندما تصبح هذه المدن أكثر سخونة بفعل الزيادة السكانية؛ سيؤدي تغير أنماط الطقس إلى جعل موجات الحرارة الشديدة أكثر انتشارًا، الذي سيشكل بدوره تهديدًا على الصحة العامة والاقتصاد.
إلى أي مدى ستصل درجة حرارة مدينتك بحلول عام 2100؟
أصدرت منظمة ‹‹Climate Central›› المتخصصة في علوم المناخ، بالشراكة مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تقريرًا يبيِّن متوسِّط الارتفاع في درجات الحرارة الذي ستشهده مدن العالم في المستقبل خلال شهور الصيف. بالإضافة إلى مقارنة متوسط درجات الحرارة الحالي لهذه المدن مع غيرها، وما سيؤول إليه من زيادة مدمرة تضعها في منطقة حرارية جديدة تمامًا، ما لم يتم التدخل ووضع حد للأمر.
وفقًا للتقرير، من المتوقع أن يرتفع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار 4.8 درجة مئوية، مع هذا فإن بعض المدن سوف تشهد زيـادةًا أكثر من ذلك بكثير بسبب التقلبات الجغرافية. على سبيل المثال، ستشهد مدينة ‹‹صوفيا›› عاصمة بلغاريا أكبر زيادة في درجات الحرارة الإجمالية؛ إذ سترتفع درجات الحرارة بها بمقدار 8.4 درجة مئوية تقريبًا بحلول عام 2100، وهذا من شأنه أن يجعل شهور الصيف بها تُشبه نظيرتها في مدينة ‹‹بورسعيد›› المصرية.
وفي ظل سيناريو استمرار التلوث العالمي، يمكن أن يتفاقم مناخ ‹‹القاهرة›› الساخنة بالفعل؛ ليصبح مماثلًا لحرارة صيف جارتها ‹‹أبوظبي››. من المتوقع كذلك أن يصل متوسط درجة الحرارة في العاصمة السودانية ‹‹الخرطوم›› إلى 44.1 درجة مئوية، إذا استمر التلوث البيئي الناتج عن الانبعاثات الكربونية دون رقابة.
على الجانب الآخر، ستشهد عشرات من المدن حول العالم زيـادةًا كبيرًا في درجات حرارة صيفها، ليس له نظير حاليًا على الأرض، تشمل هذه المدن (بغداد، والرياض، والمنامة، ومدينة حولي الكويتية). يُوضح الجدول التالي متوسط الارتفاع في درجات الحرارة، المتوقع أن تشهده مدن وعواصم الدول العربية بحلول عام 2100:
ويوضح الجدول التالي أسرع المدن زيـادةًا في درجات الحرارة على مستوى العالم:
تقلص الجليد في القطب الشمالي وارتفاع في منسوب البحار
تأثر القطب الشمالي بالزيادة في درجات الحرارة أكثر من أي مكان آخر على الكوكب؛ إذ فقد غطاءه الجليدي الكثير من سُمكه، فمع نهاية موسم الذوبان الصيفي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، تقلص حجم الجليد في القطب الشمالي، بمقدار يُعادل حجم ولايتي ‹‹ألاسكا›› ‹‹وكاليفورنيا›› الأمريكيتين معًا، وهو ما يزيد كثيرًا عن متوسط الفقد المعتاد على المدى الطويل.
تزيد هذه الخسارة في حجم الجليد من تسارع الزيادة في درجات الحرارة؛ إذ تمتص مياهُ المحيطات المظلمة الناتجةُ عن ذوبان الجليد ضوءَ الشمسِ بدلًا عن انعكاسه على الجليد وخروجه إلى الفضاء.
في السياق ذاته يؤدي ذوبان الثلوج على الجبال، وانحسار الأراضي الجليدية، إلى زيـادة منسوب المياه في البحار. بلغ الارتفاع الكلي في مستوى سطح البحر 8 إلى 9 بوصات منذ عام 1900، الأمر الذي تسبب في زيادة هائلة في زيـادة الفيضانات على طول السواحل.
إعصار ساندي على سبيل المثال، الذي غمر عديدًا من المناطق في مدينة ‹‹نيويورك›› عام 2012، بلغ زيـادة المياه حينها أربعة أمتار. امرت الأضرار التي سببتها الفيضانات والرياح الولايات الأمريكية خسائر بقيمة 68 مليار دولار على طول الساحل الشرقي.
يبقى الخطر الأكبر متمثلًا في الغطاء الجليدي، الذي يُغطي جزيرة ‹‹غرينلاند›› والقطب الجنوبي؛ حيث يملكان من الجليد ما يمكنه من رفع مستوى سطح البحر إلى أكثر من 200 قدم، وهما يفقدان كثيرًا منه بالفعل، ما قد يبتكر عنه غرق المدن الساحلية.
موجات حرارية قاتلة تهدد حياة 75% من البشر
يتعرض نحو 30% من سكان العالم حاليًا لدرجات حرارة يمكنها أن تسبب الوفاة، لمدة 20 يومًا في السنة أو أكثر، وبدون خفض كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون؛ سيواجه ما يصل إلى ثلاثة من كل أربعة أشخاص، أي نحو 75% من البشر خطر الموت بسبب درجات الحرارة العالية بحلول عام 2100، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة ‹‹Nature Climate Change››.
يُخشي ‹‹كاميلو مورا›› المؤلفُ الرئيس للدراسة، من خطورة الموجات الحرارية التي أصبحت أكثر شيوعًا مما نتصور، وتتسبب في مقتل عديد من البشر في مناطق مختلفة حول العالم. كذلك يخشى من تكرار حدوث بعض الكوارث البيئية المتعلقة بالمناخ مثل موجة ‹‹شيكاغو›› الحرارية عام 1995؛ حيث لقي 700 شخص حتفهم لأسباب تتعلق بالحرارة.
بالإضافة إلى ‹‹موجة الحر الأوروبية›› عام 2003، التي أدى إلي مقتل حوالى 70 ألف شخص، أي أكثر من 20 ضعف عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ولا ننسى موجة الحر التي ضربت العاصمة الروسية ‹‹موسكو›› عام 2010، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص.
كذلك، لقي العشرات مصرعهم نتيجة موجة الحرارة التي ضربت الهند وباكستان خلال شهر رمضان الماضي؛ حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى 53.5 درجة مئوية. سُجلت أيضًا حالات وفاة ناتجة عن الارتفاع في درجات الحرارة، في الولايات المتحدة هذا الصيف.
عالم من الجفاف ونقص الطعام وانقراض عدة أنواع
تمر الأرض في الوقت الراهن بمرحلة حارة، تُسمى المرحلة بين الجليدية interglacial period، في حين تتداخل انبعاثات الغازات الدفيئة التي سببها الإنسان مع توازن الطاقة في الأرض؛ ما يعني أن تغير المناخ يمكن أن يتسارع بوتيرة أسرع من المتوقع. يدفع ذلك الأرض إلى خطر فقدان الظروف الملائمة للحياة عليها، من بيئة مناسبة وصالحة للعيش لسكان الأرض، التي توافرت عليها منذ 800 ألف عام.
إذا استمر الحالع هو عليه الآن؛ فإن درجة حرارة الأرض سترتفع بمتوسط خمس درجات مئوية بحلول عام 2100، الأمر الذي يتعاقد خبراء المناخ أن نتائجه ستكون مدمرة. فضلًا عن زيـادة مستوى سطح البحر، وذوبان الجليد، وتبييض الشعب المرجانية، وغيرها من النتائج الكارثية للبيئة، وإمداداتنا الغذائية كذلك.
سيحل الجفاف في بعض المناطق، والفيضانات في مناطق أخرى، ويختل توازن النظم البيئية. بعض الأنواع التي لا يمكنها الحركة أو التكيف ستختفي كذلك، وتشدد قوة العواصف الاستوائية ويمكن أن يزداد عدد الأعاصير. الأمر الذي سيُشكل عالمًا من الجفاف والفيضانات، واختفاء الأنواع التي دُمرت نُظمها البيئية، ونقص الإمدادات الغذائية، وسيكون له بالغ الأثر على الاقتصاد العالمي، وسبل العيش على الكوكب بشكلٍ عام.