التحديات الكبرى التي تواجه إدارة ترامب في الداخل والخارج

التحديات الكبرى التي تواجه إدارة ترامب في الداخل والخارج

منذ دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني الماضي، وقعت عواصم العالم في حيرة حول كيفية التعامل مع هذا الرجل القادم من عالم المال والأعمال النرجسي المتقلب المزاج الذي لا يتحمل الانتقادات، ويثير حفيظة قادة العالم.
يقول الخبير في السياسة الخارجية في معهد بروكينجز، توماس رايت: «للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، نجد أن المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية: التحالفات، والاقتصاد العالمي المفتوح، والقيادة الأميركية، معرضة للخطر»، ناهيك عن وصف ترامب حلف شمال الأطلسي بأنه «عفا عليه الزمن»، واحتقاره عدداً من القادة الأوروبيين.
ورغم كثرة عدد المتشائمين، إلا أن بعضاً من المتفائلين يرون في اختيار جيمس ماتيس لمنصب وزير الدفاع الأميركي وريكس تيلرسون لمنصب وزير الخارجية، مؤشراً على أن ترامب ربما اعتمد أشخاصاً براغماتيين لديهم وجهة نظر أقل انعزالية عن العالم.
في الداخل خبراء قانونيون يرون أن عقبات عديدة تعوق عزل ترامب، في فضيحة ووترغيت عام 1974، أثبتت التسجيلات السرية أن الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون كان متورطاً في نشاط غير قانوني، وبصرف النظر عما إذا كان ترامب خالف القانون أم لا، هناك عدد لا يحصى من الاعتبارات العملية التي تجعل من هذا الأمر مستبعداً تماماً، وذلك بحسب ما يقول علماء القانون في ادعاء باولا جونز عام 1997 بأن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون تحرش بها، لكن الرئيس الأميركي يتمتع بالحصانة من الاتهامات الجنائية في ظل الرأي القانوني الصادر عن وزارة العدل.
وقال أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفارد، آلان ديرْشُويتز: إن الرؤساء يحق لهم أن يأمروا مكتب التحقيقات الفيدرالي بإيقاف التحقيقات، وهو امتياز مستمد من سلطة العفو الرئاسي.
يعطي الدستور أحكاماً بخصوص إدانة الرئيس وعزله من المنصب على اعتبار أنها علاج يتخذ ضد رئيس مارق، بالنسبة للوقت الحاضر، ولأن الكونجرس في أيدي الجمهوريين، هذا يظل احتمالاً ضعيفاً.
المجالات التي سيضطر ترامب لمواجهة تحديات خطرة فيها تتعلق بروسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران وسورية.
المنتقدون يساورهم القلق من أنه يهدد التحالفات التي كان لها دور أساسي في الحفاظ على الاستقرار منذ الحرب العالمية الثانية؛ فقد قال ترامب في خطاب تنصيبه: إننا لن نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكن أين سياسة ترامب من ذلك؟
لم تفلح محاولات ترامب في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وهو والجمهوريون يبحثون عن سبل أخرى للضغط على إيران، منها فرض عقوبات بسبب برنامجها الصاروخي، وسيكون الرد الإيراني قوياً، ومن أحد التحديات التي تواجهها واشنطن أيضا، كيفية التعامل مع كوريا الديمقراطية.
حاولت الولايات المتحدة اتباع أساليب مختلفة، منها سياسة «الصبر الإستراتيجي» التي انتهجتها إدارة الرئيس باراك أوباما، لكن بيونغ يانغ لا تزال تحرز تقدماً مطرداً، وستكون قادرة خلال فترة قريبة على إعداد سلاح نووي على صاروخ بعيد المدى، قادر على الوصول إلى أميركا، وترامب يتطلع إلى أن تبادر الصين بمساعي تهدئة مع كوريا الديمقراطية، وهو خلال الحملة الانتخابية، ذكر أنه سيكون مُتشدداً فيما يتعلق بالصين، التي يتّهمها بالتورط بممارسات تجارية غير عادلة، بالمقابل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، سيقلص نفوذ الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، واللقاء الأخير بين الرئيسين الصيني والأميركي خرج ببعض التفاهمات الثنائية لمصلحة الصين لتصبح حارساً لشرقي آسيا.
المشهد السوري يشير إلى أن اللاعبين الأميركي والروسي يخوضان المواجهة مع استمرار مسار أستانا، ومسار جنيف، وتبدو واشنطن مُصرة في الاعتماد على القوات الكردية لقتال داعش في سورية، وأن ثمة توافقاً أميركياً روسياً غير مصرّح به على عدم إشراك تركيا في معركة الرقة مع رسم حدود تدخّلها.
بالمقابل، الدولة الوطنية السورية تعتبر الأميركيين والأتراك غزاة، ويستمر الجيش العربي السوري بحربه على الإرهاب واستعادة المزيد من المواقع التي كان يحتلها تنظيم داعش الإرهابي.
بمقارنة ترامب بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، سيكون من الصعب العثور على معسكرين يسبان بعضهما بعضاً أكثر من مؤيدي ترامب وأوباما، ومع ذلك، فإنهما يتقاسمان سمة مهمة: عارض الزعيمان غزو العراق عام 2003، ترامب ساعد في تشكيل قاعدة جمهورية جديدة من خلال مهاجمة أسرة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بأنها ضحت بأرواح الأميركيين، كان أوباما متناقضاً للغاية إزاء قدرة الولايات المتحدة على تصدير الديمقراطية خارج شواطئها، وكان يذكر دائماً بكارثة العراق، شخصية أوباما شبيهة بشخصية هاملت، أما شخصية ترامب فشبيهة بشخصية الملك لير، وترامب معجب بوضوح بالحكام الأقوياء في البلدان الأجنبية.
خلال الانتخابات أشاد بالرئيس العراقي السابق صدام حسين وبالرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وحتى بالزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني حين غرد مستخدماً كلماته قائلاً: «من الأفضل أن تعيش يوماً واحداً مثل الأسد من أن تعيش 100 سنة كالأغنام».
لكن هذه الكلمات تتضاءل وتختفي من أجندة ترامب الرئاسية، ويذكرنا ذلك بمقولة «النباح في كثير من الأحيان أسوأ من العض»، زما يقوله ترامب في المقابلات المرتجلة لا يترجم دائماً إلى سياسة.
بالمقابل أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها من أن تفقد موطئ قدمها في سورية بعد انتهاء الحرب ضد داعش، وحذر رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأميركي ريموند توماس من أن روسيا تتجه لإخراج أميركا من سورية، وأوضح في تصريحات على هامش «مؤتمر أسبن» الأمني الذي عقد في ولاية كولورادو الأميركية أن روسيا بات لها موطئ قدم قوياً في سورية.
وأضاف: «لدينا معضلة، فنحن نعمل في بلد ذي سيادة هو سورية، الروس وأنصارهم وحلفاؤهم تمكنوا بالفعل من إبعاد تركيا من سورية، نحن على مقربة من اليوم السيئ الذي سيقول لنا فيه الروس: لماذا أنتم لا تزالون في سورية أيها الأميركيون»؟ وتابع: «إذا لعب الروس هذه الورقة، قد تكون لدينا الرغبة في البقاء، من دون أن تكون لدينا القدرة على ذلك»، وفي سورية مئات الجنود الأميركيين من القوات الخاصة و«المارينز»، في وقت لم تتضح فيه بعد خطة عمل ترامب في سورية.
باختصار الرئيس ترامب يحاول تغيير بعض أسس السياسة الخارجية الأميركية؛ وهو يواجه تحديات وصراعات داخلية تهدده بالعزل، إضافة إلى تحديات كبرى في السياسة الخارجية التي تمتاز بكونها متقلبة وتعمل بردات فعل متسرعة ينقصها الكثير من تقاليد ومفاهيم الدبلوماسية الناعمة.
هناك مثل إنكليزي ينطبق على الرئيس ترامب: «عضّ أكثر مما يستطيع أن يمضغ».

قحطان السيوفي

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com