لماذا يغامر برزاني بالانفصال والحرب ؟ كاتب وسياسي لبناني يتحدث ..
إصرار مسعود برزاني على الانفصال، ظناً بأن الظرف مؤاتي لغمار حروب بالوكالة مع المحيط. لكن المغامرة إذا لم تكن مناورة لتحسن مواقعه في الحوار مع بغداد، قد تنفجر في أربيل.
بقلم قاسم عز الدين
في مجرى الأحداث المتعلّقة بالاستفتاء على الانفصال عن العراق، تبدو مجمل الدول المعنية بشؤون المنطقة رافضة أو متحفظة على التوقيت. وتبدو اسرائيل الوحيدة المؤيدة لإعلان الانفصال بل هي تدعو إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول على أساس عرقي ومذهبي لأن العراق كان دوماً في نظر اسرائيل هو خزان دول الطوق بحسب أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي.
الدعم الاسرائيلي للانفصال عن العراق، قد لايكون فحسب نتيجة العلاقات الوطيدة مع أربيل منذ زمن طويل قبل ولادة الإقليم. بل لعله مؤشر على دعم حلفاء اسرائيل وشركائها غير المعلن للانفصال وتقسيم العراق ودول المنطقة. فالولايات المتحدة الأميركية المعارضة لتوقيت الاستفتاء، تختار صياغات الأقلمة والفدرلة التي تؤدي إلى التفتيت والتذرر من دون أعباء التقسيم السياسي وإتاحة المجال لنشوء دول جديدة في المنطقة قد يصعب تحالفات بعضها على المدى الأبعد، كما حدث في رابطة الدول المستقلة بعد تقسيم الاتحاد السوفييتي.
الإقليم الكردي بزعامة البرزاني في إطار عراق فدرالي مكوّن من أقاليم شيعية وسنّية وكردية، تراه الإدارة الأميركية أكثر ضماناً لواشنطن في إقامة حواجز مانعة بين العراق وإيران. إذ أن إعلان الدولة الكردية المستقلة تؤدي لا محالة إلى أن يدافع العراقيون عن وحدة الأراضي العراقية، ولمنع البرزاني من الاستيلاء على كركوك و”أراضٍ أخرى متنازع عليها”. وفي هذه الحالة من المحتمل أن يجذب الصراع الكردي ــ العراقي إيران وموسكو وقوى أخرى إلى الصراع. وفي أغلب الظن أن البرزاني يراهن على هذا الاحتمال لخوض مغامرته في حرب واشنطن بالوكالة ضد إيران والقوى المعادية للتوسع الأميركي. ولعلّه يتوقع زيادة التوتر في المدى المنظور بين واشنطن وطهران، ما يعزز هذه الحرب بالوكالة في دعم البرزاني، ولا سيما أن واشنطن تتخوّف من نمو الدور السياسي للحشد الشعبي في الدولة العراقية إثر مساهمته الفعالة في هزيمة “داعش” في الموصل وتلعفر.
تركيا المعارضة للاستفتاء، تحاول ثني البرزاني عن ضم كركوك وسنجار والمناطق التركمانية التي تراها أنقرة مناطق نفوذ حيوية لها في العراق. وهي تسعى في معارضتها للاستفتاء إلى ضمان عدم تأثير انفصال الإقليم على نمو النزعة الانفصالية الكردية في تركيا وفي سوريا المحاذية لتركيا. هذه النزعة يغذيها البرزاني في خوضه معركة قومية لفرض زعامته على أكراد المنطقة وتعزيز مواقعه ضد العراق. لكن البرزاني ربما يعوّل في المطاف الأخير على العلاقة الوطيدة بين أنقرة وأربيل، وربما إجراء صفقة في الوقت المناسب للجم ما تسميه أنقرة “الارهاب الكردي” في تركيا وسوريا. وهذا التعويل له ما يبرره في تركيا المرتبكة في سياستها الخارجية والإقليمية من جرّاء التأرجح بين انعطافة وعكسها.
التفاف أكراد المنطقة حول البرزاني “من أجل حق تقرير المصير”، قد لا يذهب أبعد من ذلك إلى التفاف مماثل في خوض الحرب ضد العراق وإيران من إجل دولة أربيل بزعامة برزانية. فأحزاب الإقليم المناوئة لحزب برزاني تتحفظ على توقيت الاستفتاء لأنها لا تستطيع التحفظ على مبدأ حق تقرير المصير. وهي تتحفظ على التوقيت تعبيراً عما سماه حزب الاتحاد الوطني “سلطة الحزب الواحد” والتفرّد بالقرارات المصيرية. والمعارضة التي تقوم بحملة “لا للاستفتاء الآن” تتهم البرزاني بالتغطية على مشاكل الإقليم الداخلية. فالإقليم الذي يصدّر 580 ألف برميل من النفط في اليوم هو في حالة انهيار نتيجة فساد حكومة أربيل وتعطيل البرلمان منذ سنتين، بحسب الحزب الاسلامي وحركة التغيير (كوران) وأحزاب السليمانية. ففي هذا المناخ السياسي يذهب البرزاني إلى مغامرة عسكرية في سعيه للانفصال قد لا تكون محسوبة بدقة، إلاّ إذا كان الاستفتاء مناورة لتحسين مواقعه على طاولة الحوار مع بغداد وفرض زعامته على إقليم كردستان. فالبرزاني يسعى لافتعال حرب أهلية في العراق هرباً من تهديد حرب أهلية في داخل الإقليم بعد إزالة خطر “داعش” عن العراق. لكنه ربما يشعل فتيلا يصل إلى أربيل.