كتالونيا ليست الحالة الوحيدة… أكبر الحركات الانفصالية في أوروبا
في وقت صوت فيه أكثر من 90% من مواطني إقليم كتالونيا لصالح الاستقلال عن إسبانيا، تجدر الإشارة إلى أن هذه القضية ليست الوحيدة من نوعها التي تواجهها دول في قارة أوروبا.
ويبدو أن عددا من الدول الأوروبية تواجه خطر التقسيم بسبب الحركات الانفصالية التي قد تحصل على زخم جديد في ظل نجاح استفتاء كتالونيا.
الحركات الباسكية في إسبانيا
لا تقتصر الحركات انفصالية التي تواجهها حكومة مدريد على إقليم كتالونيا وحده، فهناك تيارات تطالب باستقلال أقاليمها في مناطق أخرى من إسبانيا، أكبرها في إقليم الباسك في الشمال.
وتختلف مواقف أكبر الأحزاب القومية الباسكية بشأن مستقبل الشعب، وهو أحد أقدم شعوب القارة العجوز، إذ تطالب بعض هذه الأحزاب بتوسيع الحكم الذاتي داخل الدولة الإسبانية، بينما تحارب الأخرى الأكثر راديكالية من أجل إقامة دول باسكية مستقلة.
وتأسست أقوى المنظمات الباسكية “إيتا” في عام 1959 بعد انشقاقها عن الحزب القومي الباسكي، كمنظمة مقاومة لسلطة الجنرال فرانثيسكو فرانكو وتهدف إلى إقامة دولة اشتراكية باسكية.
ولجأت “إيتا” منذ تأسيسها، خلافا للحزب القومي، لاستخدام أساليب القوة في صراعها، واستطاعت عام 1973 اغتيال خلف فرانكو في مقعد رئيس الحكومة لويس كاريرو بلانكو، غير أن عمليات كهذه لم تتوقف بعد تنحي القوى الداعمة لفرانكو عن السلطة واستمرت خلال العقود الموالية، بالرغم من حصول الباسكيين على أوسع حكم ذاتي في البلاد.
وبالرغم من سلسلة اتفاقات هشة توصلت إليها الحكومة الإيطالية مع “إيتا”، لم تتوج هذه الاتفاقات إلا بالفشل، وما زالت التفجيرات تدوي من حين إلى آخر في مختلف مناطق البلاد حتى بداية العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين.
حركات انفصالية في بلجيكا
إلى جانب إسبانيا، تتصدر بلجيكا بالرغم من صغر أراضيها قائمة الدول الأوروبية التي تعاني من الخلافات الداخلية، إذ تتعايش فيها قوميتان كبيرتان، هما الفلامنديون الناطقون باللغة الهولندية (58% من تعداد سكان البلاد) والوالونيون الناطقون بالفرنسية (32%)، فضلا عن قومية ثالثة ناطقة بالألمانية.
وكان تاريخ بلجيكا منذ إقامة البلاد في عام 1830 مليئا بالخلافات وسوء التفاهم بين القوميات الكبرى، وذلك بالتزامن مع خلافات طائفية بين المواطنين الكاثوليكيين والبروتستانتيين.
وتأسس في فلاندريا في عام 1979 حزب “التكتل الفلاندري” (خلفه الحالي حزب “المصلحة الفلاندرية”) يطالب بانفصال الإقليم وإقامة دولة فلاندرية مستقلة، وتمكن مؤيدو الاستقلال من إحراز نجاحات واضحة في الانتخابات البلدية والتشريعية، بالرغم من محاولات الحكومة الحد من نفوذهم، مما جعل منهم قوة مؤثرة في الرقعة السياسية داخل البلاد.
المملكة المتحدة وصراعها من أجل الوحدة
على مدى عقود طويلة، لا تزال الحكومة البريطانية تحاول التصدي لحركات انفصالية في المناطق التي سيطرت عليها إنجلترا طوال تاريخها، وبلغت هذه العملية ذروتها في منتصف القرن العشرين، مما أدى إلى تفكك الإمبراطورية البريطانية واستقلال مستعمراتها السابقة.
غير أنه حتى في الأيام الراهنة تواجه حكومة لندن الخطر المستمر لتقليص أراضيها، في ظل أنشطة حركات انفصالية في إيرلندا الشمالية وويلز وجبل طارق، وبطبيعة الحال تجدر الإشارة إلى أن إسكتلندا كانت قاب قوسين من تحقيق حلم الاستقلال أثناء الاستفتاء الذي أجري في 2014، لكن 55% من مواطنيها فضلوا البقاء داخل أراضي المملكة، غير أن الدعوات إلى تنظيم استفتاء جديد تتكرر، لا سيما بعد قرار لندن بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
استفتاء فينيتو
نظم في إقليم فينيتو الإيطالية في عام 2014 استفتاء لم يعترف به رسميا، وصوت فيه 89% من سكان المنطقة بـ”نعم” لصالح الانفصال عن باقي أراضي البلاد، مصرين على أنهم لا يرغبون في تحمل الأعباء بمساعدة المناطق المتخلفة اقتصاديا من البلاد، علما بأن فينيتو تعتبر بين أهم المناطق السياحية في إيطاليا بفضل جمال لؤلؤتها مدينة البندقية.
جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك
وفي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ظهرت في الخارطة الأوروبية دولتان جديدتان معلنتان من طرف واحد، هما جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان في جنوب شرق أوكرانيا، واللتان رفض سكانهما انقلابا في كييف بداية عام 2014 وتخوضان صراعا ضد الجيش الأوكراني من أجل استقلالهما.
التحرك نحو الحرية أو العودة إلى القرون الوسطى؟
يبدو أن الحركات الانفصالية في أوروبا تمثل عملية معقدة لها جذور سياسية وطائفية واقتصادية عميقة تعود إلى قرون ماضية، ويرى فيها البعض تهديدا بالعودة إلى القرون الوسطى حين كانت القارة العجوز منقسمة إلى مئات الدول القزمية، بينما يرحب بها آخرون كحراك نحو تحقيق الشعوب لحريتها، غير أنه يبدو أن هذه العملية، مهما كانت تداعياتها، قد تغير جذريا صورة أوروبا في القرن الحادي والعشرين.
المصدر: وكالات