هشام الهاشمي يكتب عن العراق بين السعودية وإيران
على خلفية هزيمة داعش، ناور اللاعبون العراقيون وداعموهم الامريكان منذ أشهر، الى تحقيق التنسيق الحالي بين بغداد والرياض والقاهرة. حيث أصبحت أولوية حكومة العبادي إحباط محاولة التيار السياسي العراقي الداعي للقطيعة مع العمق العربي، والرافض للتحالف مع السعوديّة، وسعت الدبلوماسية الشعبية المتمثلة بالسيد مقتدى الصدر والسيد الحكيم الى ذلك والتي أكدت على إعادة العراق إلى الساحة العربية وإعادة بناء نفوذه.
وبالطبع، شكّل المسعى الذي قام به الدكتور سليم الجبوري في وضع العراق بالقرب من العرب بعيدا عن معادلات المحاور وأسند خطوات الدكتور العبادي..
إن السياسة الخارجية النشطة للعبادي منذ آذار/مارس2015 التي يمكن وصفها بأنها سياسة «الصفحة الجديدة» مع دول العربية في السنوات الأخيرة، ينظر إليها دائما باعتبارها أشبه بحارس مرمى كرة القدم بلا دفاع قوي الذي يحاول صد أكثر من كرة محترفة، إعادة العراق الى عمقه العربي، والتقارب مع الكبار السعودية ومصر، ومحاولة تصغير وتحجيم مشاكل العراق مع تركيا بخصوص ملف معسكر” زيلكان-بعشيقة” والتوصل لحل متوازن، وتوطيد العلاقات مع قطر، والشراكة مع الإمارات، والتنسيق الاستخباري لمكافحة الإرهاب مع روسيا وايران وسوريا، ومحاولة التوسط بين السعودية وإيران، والحفاظ على الانخراط مع التحالف الدولي والولايات المتحدة في ملفات الحرب على الإرهاب وداعش وإعادة اعمار المدن المدمرة وتمكين الإستقرار فيها، وهو ما يجعل الدكتور العبادي في حالة تواصل دائمة مع جميع المحاور.
وقد حصل تفاعل العبادي مع هذه المتناقضات بهدوء ومسايرة استحسان الداخل والخارج. ولكن في الشهور الأربعة الأخيرة، أصبحت أزمة استفتاء كردستان من الصعب عليه ان يهتم بالتواصل مع الخارج في حين الداخل العراقي يتعرض الى تهديد التجزئة والأنقسام. وبعد أن تعثرت كل الوساطات والحوارات عندما أصرت أحزاب كردستان على الاستفتاء ومن ثم أصرت على عدم إلغاء نتائج الاستفتاء، فكان أخطر ما أمتحن به العبادي خلال 3 سنوات حكمه الماضية حيث نجح بفرض سلطة القانون والدستور بأستخدام الحوار والتهدئة السلمية وبالتقدم في حل أزمة الأستفتاء والمناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان.
ولنكن متأكدين، هنالك ايضا عوامل مشتركة بين السياسات الخارجية العراقية والسعوديّة. فقد قدرت بغداد بشكل كبير المبادرة السعودية في عودة الرحلات الجوية بعد قطيعة استمرت ل27 عاما .
والسعودية ومصر ودول الخليج والولايات المتحدة وحلفائها لا يريدون وجودا متفردا ومتسلطا لأيران في العراق المتنوع والعربي أو يقع تحت نفوذ حلف ديني مذهبي أحادي . غالبا ماتتفق بغداد مع الرياض في مفردة حماية الحدود المشتركة بينهما وفي تحديد كميات النفط التي يحتاج العراق لرفع نسبته في منظمات النفطية، عمل البلدان منذ عامين على تبادل المعلومات المخابراتية والمشاركة في ملاحقة الأهداف عبر زيارات متكررة من قبل رؤساء الأجهزة المعلوماتية وزيارة وزير الداخلية العراقيّة..
واليوم، تبدو فعلا هذه العلاقات الناشطة الى حد ما وكأنها تحالف موجه ضد توسع نفوذ إيران في العراق. لكن هناك مبررات كثيرة لعدم القدرة على أضعاف العلاقات القوية بين العراق وإيران منها التاريخ السياسي والتوافق المذهبي للتحالف الوطني الحاكم في العراق والعلاقة الروحانية والمالية واللوجستية لبعض فصائل الحشد الشعبي الشيعية بالحكومة والإرشاد الإيراني، لكن كل ذلك قد ينافس إعادة العلاقة العراقية-السعودية التي بإمكانها التطور بشكل كبير نحو شيئ أكبر من مجرد علاقات اقتصادية وجوار مسالم.
إن كان حلف إيران في الداخل العراقي قلقا بشأن التنسيق العراقي – السعودي ، فهنالك ثلاثة إجراءات من المحتمل أن يعتمدها الدكتور العبادي وفريقه الحكومي لتطور العلاقة أبعد من ذلك . وهي؛ يجب على الحكومة إسناد ذلك بتشريعات البرلمان العراقي، وأن تقوم بإجراء تسهيلات استثمارية وتوفير خدمات أمنية عالية حول استضافة الشركات والمصانع السعودية الوافدة للعراق .. ويجب أن تستثمر دعم الولايات المتّحدة لهذا التنسيق. وقد يكون بإمكان الحكومة العراقية إقناع دول خليجية اخرى بالإستثمار كونها حكومة مستقلة نسبيا في المنطقة ولا أحد يرَجح تبعيات حكومة العبادي لأي معسكر على وجه التحديد، سواء كان محور أمريكا أو روسيا.
وتبقى إيران حذرة في استخدام قدرتها على افساد هذا التقارب من خلال لوبياتها السياسية والإعلامية والفصائلية لفترة غير محدودة، لإن ذلك أيضا سيضر إيران وحلفاءها بقدر ما سيؤثر على خصومهم. وهناك سببان لذلك. أولا، إذا كانت إيران ستفسد هذا التقارب بقوة قاعدتها الشعبية، فستقع بالحرج امام ذاتها خاصة وهي لم تقم بأي استثمارات اقتصادية عملاقة في مناطق نفوذ مؤيديها، بعكس التقارب بين بغداد والرياض فهو اقتصادي استثماري العراق بحاجة له فاذا ما كتب له النجح فأنه سوف يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للقطاعات الخاصة والمختلطة والحكومية، وخاصة في مجال التنمية الصناعية والصناعات النفطية والبتروكيميائيات حيث تنتمي السعودية الى مجموعة الدول 20 الأقوى اقتصادا في العالم.
ثانيا، سيكون الاحتمال الوحيد المتاح أمام إيران هو نقل شيء من نفوذها الأقتصادي الى داخل العراق بالمنافسة عبر استثمارات في مجال الصناعات والسياحة والبناء في جنوب ووسط العراق، وحتى في ديالى وصلاح الدين، ولكن ستكون كلفة المنافسة باهظة للغاية بسبب تراجع الصناعات الإيرانية ذات الأصول الصينية والروسية امام الصناعات السعودية ذات الأصول الغربية والأمريكية. جدير بالذكر أن إيران لم تقم باستثمارات صناعية او زراعية او حتى مجمعات سكنية او سياحية طيلة 14 سنة الماضية عدا الاستثمار في الحقول والآبار النفطية والتجارة الرتيبة في العراق، وهذا يعد قصورا استراتيجيا أثناء حاجة العراق الماسة له مع توفر اليد العامل والخبرات والمهارات الفنية المختلفة والسند والتسهيلات الحكومية والسياسية.