إعادة العلاقات الأميركية مع “إقليم كردستان” إلى سابق عهدها .. كاتب من معهد واشنطن يتحدث ..
في 1 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت “قيادة العمليات المشتركة” العراقية انهيار المفاوضات بشأن إدخال قوات الأمن الاتحادية على طول طريق خط الأنابيب بين العراق وتركيا والمعابر الحدودية التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان» مع تركيا وسوريا.
ويُعتبر تجديد بغداد لتهديدها العسكري بالدخول إلى تلك المناطق في 3 تشرين الثاني/نوفمبر وتحدي جهوزية الأكراد للدفاع عنها، الاختبار الأول لعلاقة أميركا مع رئيس «حكومة إقليم كردستان» نيجيرفان بارزاني، الرئيس التنفيذي للإقليم في أعقاب استقالة عمه مسعود بارزاني من رئاسة الوزراء في وقت سابق من الأسبوع الأخير.
إن طريقة إدارة واشنطن لتلك الأزمة يمكن أن تدعم جيل جديد من القادة في كردستان أو تقوّضه. ما الذي يعنيه تغيير القيادة حقا؟ في 1 تشرين الثاني/نوفمبر، تنحّى مسعود بارزاني عن منصبه وأشار إلى أنه لن يترشح للرئاسة مجدداً عندما تنظم «حكومة إقليم كردستان» انتخابات جديدة، الأمر الذي قد لا يحصل قبل حزيران/يونيو 2018.
وقد أقدم على هذه الخطوة جزئياً، لإزالة عائق أمام استئناف المفاوضات مع بغداد وتركيا وإيران وواشنطن، التي رفض بعضها إجراء محادثات طالما بقي رئيساً للإقليم. وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر، أقر برلمان «إقليم كردستان» تشريعات جديدة (القانون رقم 2 لعام 2017) يعيد بموجبها بصورة مؤقتة توزيع صلاحيات الرئاسة التنفيذية القوية بين رئيس الوزراء، ومجلس الوزراء، والقيادة البرلمانية، والقضاء.
وعلى وجه التحديد، ينص القانون على ما يلي:
• سيشغل رئيس الوزراء بارزاني منصب الرئيس التنفيذي والممثل الخارجي لـ «حكومة إقليم كردستان»، مع صلاحیة الدعوة إلى إجراء انتخابات والموافقة على نشر قوات الأمن الاتحادية العراقية داخل «حكومة إقليم كردستان»، بشرط الحصول على موافقة البرلمان.
• ستتولى «حكومة إقليم كردستان» صلاحية حل البرلمان في ظل ظروف خاصة، وإعلان حالة الطوارئ، وإصدار أوامر تنفيذية ذات صلاحيات تشريعية خلال أوقات الطوارئ (إما عبر استشارة البرلمان أو المضي قدماً بمفردها إذا تعذر اجتماع الهيئة التشريعية).
• يمكن لمجلس رئاسة البرلمان المؤلف من ثلاثة أشخاص أن يأذن الآن بإقرار التشريعات بالكامل وتعيين القضاة المرشحين من قبل المجلس القضائي، من دون توقيع رئاسي.
• يمكن للمجلس القضائي أن يقبل استقالات الوزراء أو يطلب من الوزراء الاستمرار في تأدية واجباتهم إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة. كما يتمتع المجلس بصلاحية التوقيع على التعيينات البيروقراطية العليا. وسيتم تعليق أي صلاحيات لم يتم تفويضها على وجه التحديد إلى حين انتخاب رئيس جديد.
إلا أن القانون الجديد لا يُعتبر دائماً ولا شاملاً، إذ ستنتهي صلاحيته بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وحتى على المدى القصير، لم يقم بتفويض صلاحيتين رئاسيتين أساسيتين، هما: منصب القائد العام لقوات البيشمركة والسلطة على “مجلس الأمن الوطني”.
ويمكن لرئيس الوزراء ظاهرياً ترقية القادة العسكريين وتعيينهم وفصلهم، ولكن هذا لا يرقى إلى إعطاء نيجيرفان بارزاني الصلاحيات المناطة برئيس دولة فعلي. فخلال أزمة عسكرية على غرار الأزمة الحالية، لا يؤدي غياب السيطرة الواضحة على قوات الأمن سوى إلى تقويض قيادة «حكومة إقليم كردستان» في سعيها للتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار مع بغداد. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن يبقى مسعود بارزاني على رأس “المجلس السياسي الكردي الأعلى”، الذي كان يُطلق عليه اسم “مجلس الاستفتاء الأعلى” قبل التصويت على الاستقلال المثير للجدل الذي نظمته «حكومة إقليم كردستان» في أيلول/سبتمبر.
وفي غياب جهود حثيثة لدعم مؤسسات الدولة المنتخبة والرسمية، يمكن لهذه المؤسسة غير التابعة للدولة أن تهيمن على السياسات والإدارة الكردية، كما فعلت عندما كانت تدفع باتجاه الاستفتاء. ولا تُعتبر المخاوف إزاء ما إذا كان قد حصل انتقال فعلي للسلطة من المسائل النظرية بالنسبة إلى بغداد وأنقرة واللاعبين الدوليين الآخرين، الذين باشروا قمعهم الحالي لـ «حكومة إقليم كردستان» رداً على نتائج الاستفتاء.
ومن المرجح أن يؤدي تأسيس واجهة جديدة موثوق بها لـ «إقليم كردستان» وتعيين قائد أعلى جديد لقواتها المسلحة إلى تحديد ما إذا كان الأكراد سيواجهون هجوماً عسكرياً أوسع نطاقاً من قبل بغداد أو وقف دائم لإطلاق النار تم التفاوض عليه بنجاح. المصالح الأميركية والقيادة الكردية في 30 تشرين الأول/أكتوبر، أشادت وزارة الخارجية الأميركية بقرار بارزاني بعدم تجديد ولايته كرئيس، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تتطلع “إلى الانخراط بنشاط مع رئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان» نيجيرفان بارزاني ونائب رئيس الوزراء قوباد طالباني”. ولم يكن هذا التصريح الأخير مجرد إعادة تأكيد على التغييرات القانونية الجديدة في «حكومة إقليم كردستان»، بل كانت السبيل الذي أوضحت بموجبه واشنطن مع من ستتعامل بشكل مباشر في المستقبل القريب، ومع من لن تتعامل.
لقد تعرضت الدبلوماسية الأميركية في كردستان لانتقادات في الماضي على خلفية دعمها لقادة فصائل في خضم الأزمات. ومن بين هؤلاء مسعود بارزاني، الذي تم تمديد فترة رئاسته في ظل شكوك حول شرعية هذه الخطوة بعد عام 2015، والذي منع حزبه السياسي فعلياً رئيس البرلمان من حضور الجلسات التشريعية لأكثر من عامين. وقد اعتمدت وزارة الخارجية الأميركية الآن مقاربة جديدة مفادها أن المؤسسات الرسمية لـ «حكومة إقليم كردستان» ستُمنح وزناً أكبر وأن المسؤولين الأميركيين لن يقوموا بعد الآن باستشارة قادة الأحزاب والشخصيات النافذة في الحكومة بشكل بارز.
وتُعدّ المواجهة الحالية على معبر فيشخابور الحدودي مع سوريا الاختبار الفعلي الأول لهذه التجربة الجديرة بالخوض. فواشنطن لديها مصلحة كبرى في تجنب الاشتباكات بين حلفاء الولايات المتحدة المزودين بشكل أساسي بأسلحة أمريكية ثقيلة. وكانت المحادثات تحرز تقدماً بين القائدين العسكريين، رئيس أركان القوات المسلحة العراقية الفريق الركن عثمان الغانمي ووزير البيشمركة بالوكالة كريم سنجاري، قبل توقفها فجأة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر.
وكانت المفاوضات سبيلاً واعداً للتوصل إلى “آلية أمنية مشتركة” محدودة النطاق فيما يخص معبر فيشخابور والحدود، إلا أن بعض الرموز الكردية سعت إلى إعادة تركيز المحادثات حول آلية ذات نطاق أوسع تشمل كافة المناطق المتنازع عليها، بالإضافة إلى مناقشة مسائل شاملة إدارية وقانونية ومتعلقة بالميزانية والطاقة بين «حكومة إقليم كردستان» وبغداد. وكل هذه الأفكار جديرة بالثناء، كما أشارت وزارة الخارجية الأميركية في 20 تشرين الأول/أكتوبر، غير أن الأولوية اليوم تكمن في تجنب صراع وشيك في فيشخابور.
ولتحقيق هذا الهدف وإرساء الأساس للمفاوضات على المستوى السياسي في مرحلة معينة من المستقبل، يجب على الولايات المتحدة اعتماد مقاربة قائمة على ثلاث خطوات:
• تفادي النزاع الفوري. يجب على مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترامب أن يشجع «حكومة إقليم كردستان» على العودة إلى التركيز الضيق الأساسي على فيشخابور، مع إرسال رسائل خاصة لا لبس فيها إلى قادة أكراد غير منتخبين تدعوهم إلى عدم التدخل في تلك القضية. فضلاً عن ذلك، لا بد من توسيع الحوار بين العسكريين ليشمل ممثلين سياسيين عن رئيس الوزراء العراقي ورئيس وزراء «حكومة إقليم كردستان». ينبغي على واشنطن أيضاً توجيه التحذيرات التالية إلى بغداد: أولاً، لن يُسمح بأي عمليات تقدم جديدة من قبل القوات الاتحادية، ولا بأي اشتباكات مسلحة أخرى، سواء أكانت بغداد هي من وجهت الطلقة الأولى أم لا؛ وثانياً، ستؤدي أي خطوات مماثلة إلى تخفيض هادئ بل مؤلم في المساعدات الاقتصادية الاستثنائية، والحماية القانونية (لعائدات النفط)، ودعم “صندوق النقد الدولي” الذي تقدمه الحكومة الأميركية للعراق، بل وربما تعرض للخطر حتى المساعدات الأمنية المستقبلية.
• “آلية أمنية مشتركة” ذات نطاق أوسع. بعد حل قضية فيشخابور، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل العمل باتجاه “آلية أمنية مشتركة” جديدة لكافة المناطق الأخرى المتنازع عليها – من الناحية المثالية قبل أن يكتسب تنظيم «داعش» أو الميليشيات المدعومة من إيران موطئ قدم في الثغرات التي تشكلت بين القوات الكردية والقوات الاتحادية. يتعين على المسؤولين في الإدارة الأميركية تبني مقاربة مرتكزة على الدستور العراقي، مذكرين بغداد بأن واشنطن قد وبّخت الأكراد بصرامة على خلفية التجاوزات الملموسة للصلاحيات الدستورية المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها وسياسة الطاقة. وفي حين تعترف الولايات المتحدة اعترافاً كاملاً بمطالب بغداد الأساسية المتمثلة بالإِشراف على المهام الجمركية ومهام الطاقة الخاصة بـ «حكومة إقليم كردستان»، يجب عليها أيضاً أن تعيد تأكيد الضرورة الدستورية للتوصل إلى تسوية عادلة للمناطق المتنازع عليها، مناشدةً تركيا بتوجيه رسائل مماثلة للتعبير عن قلقها. وقد ترد أنقرة بشكل إيجابي حالما يتم تذكيرها بأن الميليشات المدعومة من إيران تكتسب نفوذاً متعاظماً في المناطق التي تحظى باهتمام تركي، مثل كركوك وطوز خورماتو ونينوى.
• الحوكمة الجيدة. لدى الولايات المتحدة مصلحة كبرى في أن تكون «حكومة إقليم كردستان» مستقرة وديمقراطية، وإلا فسيتضرر مقام واشنطن في الشرق الأوسط لأنه يُنظر إلى المنطقة الكردية على أنها نتاج أميركي وحليف للولايات المتحدة. ويعني الحفاظ على هذه المصلحة دعماً قوياً لاستمرار وجود «حكومة إقليم كردستان» موحدة مع برلمانها الخاص ووزاراتها وميزانيتها وقوات الحرس الإقليمي الخاصة بها. وفي المقابل، يجب على قيادة «حكومة إقليم كردستان» اتخاذ عدة تدابير داخلية، مثل: التوقف عن تأخير الانتخابات البرلمانية والرئاسية؛ ملء منصبيْ وزير البيشمركة ووزير المالية بسرعة (نظراً لأن الوزراء بالوكالة لا يتمتعون بالسلطة الكافية للتفاوض مع بغداد بشأن تقاسم الإيرادات والمناطق المتنازع عليها)؛ وتعديل قانون الانتقال الرئاسي المؤقت من أجل منح مكتب رئيس الوزراء سلطة القائد الأعلى المسؤول على جميع الأجهزة الأمنية التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان».
بقلم مايكل نايتس وبلال وهاب
•مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن، وقد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد.
بلال وهاب هو زميل “سوريف” في المعهد.