ما علاقة ” اللحوم ” بمرض السرطان ؟ منظمة صحية عالمية تجيب بالارقام !!
تكاد لا تخلو مائدة من اللحوم. لحوم حمراء وأخرى بيضاء. مصنعة وغير مصنعة. لا يهم. المهم أن “السفرة” لم تعد تكتمل بدونها. وليس من المبالع القول إن هذا الحضور ألغى وجود الخضار والحبوب وغيرها. لكن، هذا الاتجاه دونه نتائج باهظة الثمن… على الصحة، خصوصاً في ظل وجود دراسات باتت تربط ما بين اللحوم والسرطان
يروي أجدادنا إنّه كان للّحمة يوم واحد في الأسبوع. يوم محدّد يذبح فيه “اللّحام” بقرة ليتقاسمها أهل الضّيعة كلّ بحسب إمكانيّاته المادّيّة وعدد أفراد عائلته. فالبعض يأخذ أجودها، والتي نطلق عليها اليوم “الفتيلة”، والآخر يكتفي باللحم الخشن بمقدار أوقية، ستكفي عائلة لوجبة غداء دسمة بقية أيام الأسبوع، كانت الجدّات تتغنّى بالخبّيزة والهندباء والزّعتر الأخضر و”طبخات” البرغل، ولا يزال ثمة أمثال عالقة في الذهن عن تلك الطبخات، حيث كان يُقال إنّ “البرغل هو مسامير الرّكب”.
اليوم، لم يعد لتلك الأكلات التي تغنى بها أجدادنا مكان، إذ لا يكاد برنامج الأكل اليومي يخلو من اللحوم الحمراء والبيضاء، في مقابل غياب الحبوب والخضار بشكل كبير عن نظامنا الغذائي. هكذا، صارت المائدة محجوزة للحوم الحمراء والمصنّعة.
بحسب منظمة الصحة العالمية، يُشير مصطلح اللحوم الحمراء إلى “اللّحوم العضليّة لجميع الثّدييات، بما في ذلك البقر والعجول والخنازير والحملان والخراف والخيل والماعز”.
فيما يُشير مصطلح اللحوم المصنّعة إلى “اللّحوم التي جرى تحويلها عن طريق التّمليح أو المعالجة أو التّخمير أو التّدخين، أو غيرها من العمليات، بغية تحسين مذاقها أو تعزيز حفظها”. وتشمل أمثلة اللّحوم المصنّعة نقانق “الهوت دوغ”، ولحم الخنزير المصنّع، والسجق، ولحم المرتديلا، ولحم البقر المحفوظ والقديد أو اللّحم المجفّف، واللّحم المعلّب، والمستحضرات والصلصات المجهزة القائمة على اللّحوم.
وبحسب منظّمة الأغذية والزّراعة للأمم المتّحدة (الفاو)، فإنّ معدّل نصيب الفرد الواحد من استهلاك اللّحوم هو 42.9 كلغ/سنة خلال عام 2012، بمعدّل 76.2 كلغ/سنة للفرد المقيم في الدّول المتقدّمة، و33.5 كلغ/سنة للمقيم في إحدى الدّول النّامية. وفي ما خصّ لبنان، فإن معدّل استهلاك المواطن اللبناني قد ارتفع من 22.4 كلغ/سنة في عام 1961 إلى 58.8 كلغ/سنة في عام 2009، أي بنسبة زيادة تتخطى الضّعف.
أما النتائج؟ فلنعد إلى تقديرات مشروع العبء العالمي للأمراض، وهو منظمة مستقلة للبحوث الأكاديمية. فبحسب هذا المشروع هناك ما لا يقلّ عن 34000 حالة وفاة ناجمة عن السرطان سنوياً في العالم، وكلها تُعزى إلى النُظم الغذائية الغنية باللحوم المصنّعة. أكثر من ذلك، تشير التقديرات إلى أن النُظم الغذائية الغنية باللحوم الحمراء قد تكون مسؤولة عن 50000 حالة وفاة ناجمة عن السرطان سنوياً في العالم.
عودوا إلى النظام الغذائي الشرق أوسطي
تؤكّد اختصاصيّة التّغذية زينب سويدان أن مخاطر تناول اللّحوم بكثرة يزيد من احتمال الإصابة بالسّرطان، خصوصاً أنها تحتوي على كمية كبيرة من الدّهون المشبعة، والتي تؤدي الى أمراض عدّة في القلب. فشيّ اللّحوم أو الدّجاج يؤدي الى عرق الشّواء، أو تنقيط الدّهون (fat dripping)، والذي بدوره ينتج مواد تعتبر من مسبّبات السّرطان الأساسيّة. كما تشرح سويدان بأن 70% من حالات التّسمّم الغذائي ناتجة عن اللّحوم والدّجاج لأن هذه الأخيرة خلال الذبح تكون معرضة بشكل كبير للجراثيم والميكروبات التي تسبب. كما تضيف سويدان أن مربّي المواشي أصبحوا يستخدمون الهرمونات والمضادات الحيوية التي تؤدي إلى مشاكل في الغدّة الدّرقية وتخلق مشكلة مقاومة المضادات الحيوية في جسد الإنسان. أي أنه بعد فترة، يبدأ جسم الإنسان بمقاومة المضادات الحيوية لديه ما يجعله أكثر عرضة للأمراض.
من ناحية أخرى، تضيف سويدان بأنّ اللّحوم الحمراء المصنّعة تحتوي على مادّة النيترايت، والتي بدورها تتحوّل إلى مادّة مسببة للسرطان في الجسم. من هنا، تشير بعض الدراسات إلى أن سرطان الأمعاء الغليظة قد ثبُت ارتباطه بشكل وثيق بكثرة تناول اللّحوم.
مع ذلك، لا تدعو سويدان النّاس للتّحوّل كليّاً إلى نباتيّين، لكن تطالبهم بالتخفيف من تناول اللّحوم، وتحديداً الحمراء منها، إلى حدود مرّتين أسبوعيّاً، وإلى العزوف نهائياً عن تناول اللّحوم الحمراء المصنّعة. ثمة دعوة أخرى تختصرها سويدان بالعودة الى النظام الغذائي الشرق أوسطي والذي يقوم على تناول السمك والبقوليات مع مشتقات الحليب قليلة الدسم واستهلاك كميات وافرة من زيت الزّيتون لأن هذا النظام الغذائي هو النظام الصحي والمتوازن والأنسب لصحة الإنسان.
اللحوم تتلف الشرايين
وأكثر من ذلك، وجد باحثون من جامعة هارفارد بأنّ خطر الموت عن عمر مبكر نتيجة أمراض القلب والسّرطان على سبيل المثال يتفاقم تحديداً مع استهلاك كميات كبيرة من اللّحم الأحمر. وقد اعتمدت الدّراسة على ملاحقة ودراسة حالة 131 ألف امرأة ورجل في منتصف العمر على مدى ٢٨ سنة. وتبين بنتيجة ذلك أن معدل خطر الموت يزداد بنسبة 13% لكل حصة زائدة من اللّحم الأحمر يجري تناولها يومياً و30% بسبب اللّحوم الحمراء المصنعة (مرتديلا ـ سلامي ـ هوت دوغ). وقد توصّل الباحثون إلى أنه اذا ما استبدلنا تناول اللّحوم بالبقوليات والسمك ومشتقات الحليب قليلة الدّسم، فإنّ خطر الموت المبكر ينخفض من 7 إلى 19%.
ويشرح أطبّاء القلب أنّ تناول الكثير من اللّحم الأحمر والذي يحتوي على نسبة عالية من الدّهون المشبّعة والكوليستيرول غير صحي أبداً، إذ أنّ هذه المكوّنات تؤدّي إلى تصلّب الشرايين، والتي تلعب دوراً رئيسياً في حدوث جلطات القلب. مع ذلك، يوضح هؤلاء بأنّ المشكلة لا تكمن جوهريّاً في اللحم بحدّ ذاته، بل بالدّهون المرافقة لكل حصّة غذائية.