تحديات مابعد الانتصار على داعش في سوريا والعراق
بعدما إنجلت سحابة داعش السوداء عن سماء سوريا والعراق، انقشعت شمس المصالحات والحوار لتمهّد الطريق لمرحلة الإعمار سواء كان ماديا أم نفسيا ولتكشف عن مرحلة واعدة في البلدين لكن لها تحدياتها الخاصة التي لن تكون أهون من مرحلة داعش، ولابد من بذل الجهود وحشد الطاقات لتجاوزها عن طريق برامج حكومية لحل المشكلات الطارئة.
الكثير من التحديات الأمنية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية تواجه العراق وسوريا في مرحلة ما بعد داعش وستكون أكثر صعوبة من مرحلة داعش بحدّ ذاتها، وسنورد في هذا التحليل بناءا على ماورد أولويات المرحلة المقبلة التي ستعبّد الطريق لإعمار كلا البلدين والتأكد من عدم تكرار ماحصل من خراب ودمار فيهما:
الأولوية الأولى: الأمان
مابعد داعش لابد من أن تكون الألووية الأولى لتوفير الأمان للمواطنين المقيمين والعائدين، ولن يتمّ هذا الأمر إلا في حال مسك الحدود الخارجية لكل من سوريا والعراق لصدّ أي محاولة خارجية لتمرير زمر وعصابات إرهابية تستخدمها دول معادية كأجندات مخرّبة على أراضي البلدين. الأمر الذي غفلت عنه الحكومات الهشّة السابقة لكل من سوريا والعراق.
ولكي يشعر المواطنين السوريين والعراقيين بالأمان لابد من تشييد جدران أمنية بتنسيق مشترك بين قوات كلا البلدين، وفي حال لم تكن كافية فمن الضروري إشراك المواطنين بالعمل الأمني وتوفير المناخ المناسب لذلك، والتركيز على المعلومة الاستخبارية لتكون أفعال القوات الأمنية سابقة للحدث، في هذه الحال يقلّ الجهد ويعمّ الأمان على الجميع.
ولابد أيضا من استراتيجية سورية-عراقية مشتركة تعالج التطرف الموجود في المناطق المحررة الذي وفّر ملاذا للإرهاب، واحتواء الخلايا النائمة التي لا تزال تضع نشر الفوضى والخراب نصب عينيها، ولن يكون ذلك من خلال تعبئة السجون وإنما من خلال معالجات فكرية سريعة للقضاء على الفكر المتطرف، وتشخيص البؤر والأماكن والأوكار التي خرج منها.
الأولوية الثانية: الشرخ الإجتماعي
علينا أن نقرّ أولا بحقيقة الشرخ الاجتماعي الذي أحدثته ستة أعوام من الإرهاب والتطرف والفوضى في النسيج الإجتماعي لكل من سوريا والعراق، ولابد أن تكون طرق معالجته مبنية على أسس علمية بعيدة عن الشعارات والتملّق والإجتهادات الفردية الإنتهازية، فمرحلة تحرير الأراضي عسكريا لم تكن سوى مقدمة لبداية مرحلة جديدة ستغير من ملامح البلدين وستنهض بهما الى واقع الأمم المتحضرة، في حال اغتنام الفرص وأخذ العبر من الأخطاء القاتلة التي مرّ بها كلا البلدين.
ولمن يظنّ أن التحرير الميداني سيكون كافيا لإنهاء أزمتي سوريا والعراق فهو مخطئ، لأن التحرير الواقعي لابد أي يكون عن طريق إعادة الحياة بكل نشاطاتها لأهالي المناطق المتضررة، وتأهيل الصناعة لتوفير المتطلبات ومنح فرص عمل للجميع، والخطوة الأهم هي بناء مراكز ومهرجانات ثقافية تعيد لمّ الشمل وتقضي على إيديولوجيا التطرف من جذورها عن طريق الأساليب الناعمة كالسينما والإعلام وغيرها.
الأولوية الثالثة: الإعمار الفكري
مرحلة مابعد داعش في سوريا والعراق ستضع نهايةً لدور الكثير من المقاتلين الأبطال سواء أكانوا من الجيش أم من الدفاع الوطني والحشد الشعبي، لاسيما بعد أن بذلوا الغالي والنفيس لحماية المواطنين، ولكن ستنطلق معركة ناعمة سيكون جنودها المسؤولين والمهندسين والفنانين والمثقفين، وستتجسّد مهمّتهم في بثّ الحياة وصياغة مفاهيم جديدة تراعي العادات والتقاليد الإجتماعية الإيجابية.
إذ يقع على المسؤولين عاتق وضع برامج وخطط لتشغيل العاطلين عن العمل وانتشال العوائل الفقيرة من واقعها المأساوي، والقيام بتأسيس نوادي رياضية واجتماعية لاستيعاب الشباب، وقطع تمويل المساجد المتطرفة التي شكّلت حاضنة رئيسية للارهاب الداعشي وغيره. كما حصل في محافظتي حلب والرقة بسوريا وفي الموصل والفلوجة بالعراق.
ولابد أن تعمل كل من الحكومة السورية والعراقية في المرحلة المقبلة على إعداد برامج الأطفال بالإعتماد على مناهج وفق رؤية جديدة تشمل المجالين التعليمي والثقافي.
كما ان إحدى التحديات الكبيرة التي ستواجه كل من الدولتين السورية والعراقية، هي إعادة تأهيل المغرر بهم لأسباب عديدة ولديهم الرغبة بالعودة الى الحياة الطبيعية. ويتمثّل دور المسؤولين هنا من خلال إعداد خارطة طريق لاستيعاب المغرّر بهم وتأهيلهم من جديد، مع إظهار حسن النيّة لهم حتى يتسنّى لهم إثبات دورهم الوطني من جديد في بلادهم.
كل هذه الأولويات ستجعل أحدهم يقول ممتعضا بأن “الدولتين السورية والعراقية ليست لديهما القدرة على استيعاب كل هذه المهام نسبتا لواقعهما المادي والمعنوي”.
ما قيل آنفا صحيح ولكن يوجد حلّ لكل هذه المشاكل ويكون بالتعاون مع الدول الصديقة الإقليمية والعربية وإقناع الامم المتحدة بإعادة تأهيل البلدين بطريقة منظمة، لاسيما بعد أن أيقنت غالبية دول العالم أن التطرف والإرهاب يشكّل تهديدا للعالم بأسره وليس سوريا والعراق فقط. خصوصا وأن بعض الدول شاركت في خراب البلدين من خلال دعم التنظيمات الارهابية فيهما.