محاكم نزاهة: أصدرنا أوامر قبض بحق مسؤولين لكن لم يتم تنفيذها
تحدث قضاة متخصصين بقضايا النزاهة عن آلية سير الدعاوى في محاكمهم وأسباب التأخير الذي يكتنف حسم قضايا الفساد، وفيما عزوا الأسباب إلى التحقيقات الإدارية والإجراءات المتعلقة بالجهات غير القضائية، لفتوا إلى صعوبة جمع الأدلة على الموظفين الفاسدين ممن لا يزالون في عملهم لأنهم سرعان ما يخفون آثارهم.
يقول قاضي تحقيق محكمة النزاهة في الرصافة إن “قضايا النزاهة ذات طبيعة خاصة فهي تحتاج الى تحقيق إداري وتقرير من ديوان الرقابة المالية وتحقيق آخر من دائرة المفتش العام ثم من بعدها يتم تحريك الشكوى”.
وعزا أسباب تأخير البت بقضايا الفساد القاضي إلى “عدم استكمال إجراءات التحقيق الإداري من قبل مكتب المفتش العام حيث تمضي أشهر عدة دون استكمال الإجراءات، وإذا ما تمت تظهر عقبة إرسال التحقيق إلى مكتب الوزير لغرض المصادقة ففي كثير من الأحيان تتم إعادته لإجراء تعديلات بسبب التظلمات”.
وردا على سؤال بشأن التحقيق مع أعضاء مجلس النواب، يوضح القاضي “في حالة تحريك دعوى بحقهم يتم استكمال الإجراءات القانونية بخصوص الجريمة المنسوبة إليهم، عند ذلك تصدر المحكمة القرار المناسب سواء إصدار أمر قبض أو استقدام حتى غلق التحقيق ثم يتم رفع كتاب إلى مجلس القضاء الأعلى لمفاتحة مجلس النواب من أجل رفع الحصانة عن النائب المتهم”، لافتا إلى انه “لا يجوز إلقاء القبض على النائب المتهم قبل هذا الإجراء استنادا إلى أحكام الدستور إلا بعد رفع الحصانة من قبل مجلس النواب”.
أما في ما يخص الدرجات التي لا تتمتع بحصانة فتستكمل الإجراءات ومن ثم تحال إلى محاكم الجنح او الجنايات حسب المادة القانونية للتهمة، كما يعبّر.
ويتابع قاضي التحقيق أن “القضاء يصدر مذكرات القبض وهو غير مسؤول عن تنفيذها، فهذا يقع على عاتق السلطة التنفيذية المتمثلة بوزارة الداخلية”، لافتا إلى أن “الكثير من الأوامر صدرت بحق وزراء ووكلاء ولم تنفذ برغم التأكيدات المستمرة بعض الأسباب ترجع إلى هروبهم خارج البلاد”، مؤكدا “حرص القضاء على تنفيذ مذكرات القبض ووجود تعاون بين مجلس القضاء الأعلى والانتربول الدولي حسب اتفاقية الرياض للتعاون القضائي”.
ويؤشر قاضي التحقيق ملاحظة في ما يخص المتهمين المقيمين في إقليم كردستان، لافتا إلى أن “مذكرات القبض مؤشرة في كافة المنافذ الحدودية والمطارات لكننا نصدم بحالة تخص بعض المتهمين ممن يقطنون في اقليم كردستان فأن وزارة الداخلية تقوم بمفاتحة ممثلية الاقليم لديها باعتبارها همزة الوصل بيننا وبين الإقليم، لان المحكمة ليست من مهامها مفاتحتها مباشرة لكننا لا نجد أذانا صاغية للأسف”.
ويعرج بعد استكمال التحقيق فأن “المادة القانونية تحيل المتهم إلى محكمة الجنايات اذا كانت الجريمة يعاقب عليها بالسجن المؤبد وأكثر من 5 سنوات الى 15 سنة استنادا للمادة 125 من قانون العقوبات اما التهمة التي تكون عقوبتها من 3 اشهر الى خمس سنوات او غرامة تحال على محكمة الجنح”.
من جانبها تقول القاضية ندى محمد عيسى إن “القضاء لم تتوقف أحكامه أبدا وهو يعتمد في الأحكام التي تصدر بحق المسؤولين الفاسدين وإهدار المال العام على الأدلة والأوراق التحقيقية فمتى ما أنجز قاضي التحقيق الإضبارة أصوليا ستعرض على محكمة الموضوع لإصدار القرار الفصل”.
وتضيف إلى “القضاء”: “أحيانا تكون عملية جمع الأدلة على الموظف الفاسد أمام محكمة التحقيق صعبة لاسيما ممن مازال يشغل الوظيفة ويحاول يخفي آثاره لدى دائرته وهذا يؤخر التحقيق”، وتؤكد عيسى أن “لمحكمة الموضوع الجنح أو الجنايات القرار الفصل وحسب ما يستطيع قاضي التحقيق جمعه، والحقيقة ان اغلب المحالين الى هذه المحكمة هم موظفو الدولة ومن هم بدرجات خاصة أساتذة وعمداء الجامعات والمحكمة لا تنظر الى الاعتبار إنما إلى التهمة”.
وتعرج القاضية ندى على أن “الرأي العام لا يعلم ما يوجد في الأوراق التحقيقية كما حدث في قضية أمين بغداد (عبعوب) الذي حكم بالسجن لمدة سنة لتجاوزه على رصيف أمام منزله وليس لتهمة أخرى وهي تجاوز صلاحيته في إكساء شارع وهي قانونا لا تستوجب عقوبة سنة مع النفاذ ولكونه أمين بغداد اعتبر الحكم مشددا”.
وعن محكمة الجنايات وعملها، قال رئيس محكمة الجنايات المختصة بقضايا النزاهة القاضي جمعة داود الساعدي إن “الجرائم التي تخص الموظف او المكلف بخدمة عامة تحال من قبل محكمة التحقيق المختصة بالنزاهة وتتعلق غالبا بالاضرار العمدي بالمال العام واختلاس اموال الدولة حسب ما نص عليه قانون هيئة النزاهة لسنة 2011”.
وأضاف “على ضوء ذلك تنظر من قبل محكمة الجنايات وتصدر حكمها بالإدانة والتجريم او يصدر قرار بالإفراج عن المتهم لعدم كفاية الأدلة”، لافتا إلى أن “هذه القرارات تخضع لطرق الطعن القانونية أمام محكمة التمييز الاتحادية ويتم الطعن عبر الأشخاص المتضررين من القرار وغالبا من قبل ممثل هيئة النزاهة إضافة لوظيفته بواسطة ممثلين قانونيين يعملون بالمحكمة ومن ثم ترسل الطعون الى محكمة التمييز التي تصدر قرارها حسب الأدلة اما بالتأييد او النقض”.
وبشأن الحديث الإعلامي والجدل حول قضايا الفساد التي ترتبط بالمسؤولين والسياسيين ينوه الساعدي إلى “القضاء” بأن “بعض القضايا المعروضة يثار حولها جدل إعلامي وكمحكمة لا يهمنا الأشخاص قدر توفر الأدلة ونوع القضية المعروضة مهما كانت انتماءاتهم السياسية، نحن ننظر القضية بتجرد ويكون القرار خاضعاً لطرق الطعن التمييزية”.
ولفت إلى أن “هناك قضايا أحيلت للمحاكم تخص مسؤولين فاسدين وتم الإفراج عنهم، أود أن انوه إلى أن هذا ليس تقصير المحكمة ولكن لا دليل مادي ضدهم، وأيضا هناك متهمون تم شمولهم بقانون العفو لعام 2016 رقم 27 والقضاء ملزم بتنفيذ بنود القانون بغض النظر عن ماهية القضية”.
وعن الأحكام التي تصدر ضد المسؤولين يفصل الساعدي بأن “السجن المؤبد حد أقصى للعقوبة المرسومة لقضايا المال العام حسب المادة 315 من قانون العقوبات العراقي، اما الإعدام فهي غير موجودة قانوناً في جنايات النزاهة”، لافتا إلى أن “هناك صلاحية للمحكمة في فرض العقوبة المناسبة إذ أن هناك تشديد للعقوبة في ما يتعلق بالمسؤولين”.