قرارات ترامب العنصرية.. والهروب بإستراتيجيته إلى الخارج .. بقلم د قحطان السيوفي
المشهد الأميركي في ظل إدارة دونالد ترامب يشير إلى العزلة الدولية التي أكدها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي ضد قرار ترامب حول القدس، في وقت يشهد طاقم إدارة ترامب تناقضات داخلية، كما يعيش ترامب تحت خطر التهديد بالعزل المؤجل، ما يجعله يغرق بالمزيد من العنصرية والشعبوية تحت شعار «أميركا أولاً» الذي أرخى بظلاله على «إستراتيجية الأمن القومي» التي أصدرها ترامب مؤخراً.
الرئيس الأميركي لا يُمكن أن يفعل ما هو أسوأ مما فعل، أصدر عفواً عن مأمور الشرطة السابق في أريزونا، جو آربايو، الذي أدار معسكرات اعتقال لأشخاص من أصول مكسيكية وأدين بملف عنصري، واستهان بالدستور والقانون الأميركي، وانضم إلى العنصريين البيض، ومن السهل عليه تحطيم روح القانون، في الداخل والخارج، وقراره الأخير حول القدس، دليل على ذلك إنه «مثل حيوان مُحاصر» كما كتب ادوار لوس في «الفاينانشال تايمز»، ويضيف: «لم يرث أي رئيس أميركي ظروفا أفضل من ترامب لإعادة ضبط السياسة الأميركية، لكن مجال تركيز ترامب لا يزيد على ما لدى سمكة صغيرة».
المشرفون على جوائز نوبل، وخصوصاً جائزة نوبل للسلام، يوجهون رسائل مباشرة، ورسالتهم هذه السنة كانت بمنح الجائزة لمنظمة مناهضة لانتشار السلاح النووي، وتعني أن الخطر الأكبر من استخدام السلاح النووي يأتي من دول كبرى، وقد ذكرت مديرة منظمة آيكان، بياتريس فين، الفائزة بجائزة السلام هذا العام، أن أصابع الاتهام تشير مباشرة إلى ترامب، الذي يشرف على ترسانة نووية ضخمة، وخصوصاً مع تهديد ترامب لكوريا الديمقراطية بـ«الدمار الكامل».
يعطي الدستور الأميركي أحكاما بخصوص إدانة الرئيس وعزله من المنصب كعلاج يتخذ ضد رئيس مارق، ولأن الكونغرس الأميركي الحالي في أيدي الجمهوريين، يظل احتمال العزل مؤجلاً، وفي لقاء مع شبكة «إم. إس. إن. بي. سي» الأميركية، دعا نجل الرئيس الأميركي الأسبق، رون رونالد ريغان، نواب «الكونغرس» الأميركي إلى عزل الرئيس ترامب، من منصبه، لأنه شخص نرجسي، مضطرب عقليًا، وخطر كبير على العالم بأسره، بالمقابل ترامب يعيش هاجس العزل من منصبه الذي دعا مشرعون أميركيون إلى بدء إجراءاته بتهمة أنه طلب من المدير المقال لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، غلق التحقيق حول شخصية، في قضية تدخل روسيا في الحملة الانتخابية، والاقتراح مجرد فرضية، إلا إذا اقتنع الكونغرس، وبالتالي يبقى العزل مؤجلاً وعند مفترق السياسة والقانون.
بعقلية الكاوبوي جاء قرار ترامب حول اليونيسكو، وقراره بإعلان نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة واعترافه بها عاصمة لإسرائيل؛ وجاء ذلك هروبا من الداخل عسى أن يرضي اللوبي الصهيوني الأميركي ليساعده على النجاة من خطر العزل من منصبه.
في خطوة حمقاء لا سابق لها في تاريخ الأمم المتحدة، هدد ترامب بوقف المساعدات المالية عن الدول التي تصوت لمصلحة مشروع القرار في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، إنه منطق الكاوبوي الذي صدّرته هوليوود إلى العالم عن الرجل الأبيض قاطع الطريق المتغطرس والمتوحش، الذي يَغير على الآمنين وينهبهم ويقتلهم، ومع ذلك صوتت 128 دولة ضد القرار متحدية تهديدات ترامب ومؤكدة عزلة إدارة ترامب عالمياً.
من ناحية أخرى أعلن ترامب إستراتيجيته للأمن القومي للسنوات الأربع القادمة؛ وتلحظ الإستراتيجية تصعيداً ضد «الصين وروسيا اللتين تريدان صوغ عالم يمثل نقيض القيم والمصالح الأميركية»، مع اتهام للصين بمحاولة دفع الأميركيين إلى خارج منطقة الهند والمحيط الهادئ، ولروسيا بمحاولة استعادة موقعها كقوة عظمى للتأكيد على «عالم من المنافسة».
في تقرير ترامب حول الإستراتيجية بدت النزعة العدوانية: «نحن نواجه قوتين غريمتين هما روسيا والصين الساعيتان إلى النيل من نفوذ أميركا وقيمها وثروتها»، وهو ما ندّدت به بكين وموسكو اللتان انتقدتا «ذهنية الحرب الباردة» و«الطابع الإمبريالي» للوثيقة لان إدارة ترامب متمسكة بفكرة عالم أحادي الجانب، ولا ترغب بعالم متعدد الأقطاب، وتضمنت الوثيقة فرض «السلام من خلال القوة» وتعزيز النفوذ الأميركي.
تتحدث الإستراتيجية عن اتفاقات اقتصادية ثنائية متبادلة، وخلت من عناوين عن الديمقراطية، الإستراتيجية تثير تساؤلات حول كيفية قيادة إدارة ترامب للسياسة الخارجية، مشددة على رفض فكرة أن الانتصار العالمي للقيم الليبرالية هو أمرٌ لا مفر منه.
ولم تستطع الإستراتيجية الإجابة عن سؤاليْن: هل تستطيع الرؤية الترامبية الانعزالية الانخراط في العالم؟ وهل تملك الأدوات والسياسات اللازمة؟
إنّ إستراتيجية ترامب تضع «أميركا أولاً» وبالتالي، أكدت الرؤية التنظيمية للإستراتيجية نظرة عالمية انعزالية تعتمد المنافسة على القوة كاستمرارية أساسية في التاريخ، وهو أمرٌ بعيدٌ كلّ البعد عن الدبلوماسية، والوثيقة الترامبية تناهض موضوعا اعُتمده رؤساء أميركيون سابقون، وهي الحتمية العالمية للديمقراطية الليبرالية.
كتب ديفيد فروم في مجلة «ذي أتلانتيك» قائلاً: «الوثيقة تفتقر للتشديد على القيم الديمقراطية الخاصة بـ«القوة الناعمة»، التي يراها محورية للنفوذ الأميركي»، مشيراً «لعدم شعبية ترامب نتيجة التخلي عن نظامٍ مبني على القيم».
يُستنتج أن قرارت ترامب المتهورة وإستراتيجيته؛ تؤيّد الرؤية المحورية الانعزالية التي تبتعد عن التركيز على «النظام العالمي» وترفع شعار «أميركا أولاً» العنصري الذي يذكر بمناخات الحرب العالمية الثانية، والأسوأ أن ترامب يعتقد أن بمقدوره التصرف بمفرده في إعادة رسم الخرائط الجغرافية للشعوب وأقدارها، ويدير الأزمات والتحالفات كما يدير شركة خاصة هدفها الربح.
يبدو أن ترامب المتهور والمُهدد بالعزل، يحاول أن يهرب بإستراتيجيته العنصرية للأمن القومي ذات الطابع العدواني إلى الخارج.
فحطان السيوفي