دراسات تؤكد أن الاستمتاع بالحياة يبدأ بعد سن الـ60
ترى الستينية أم عصام، أنها تعيش هذه الأيام أجمل أوقاتها، رغم حنينها إلى مرحلة الطفولة والشباب، معللة ذلك باطمئنانها على سير حياة أبنائها، وأيضا تفرغها لممارسة النشاطات المفضلة لديها.
تقول: “قضيت حياتي وأنا منشغلة بمهام العمل، ترافقني للمنزل همومه ومشاكله، إلى جانب تربية الأبناء ومتابعتهم بكل صغيرة وكبيرة.. سرقني الزمن.. ولم ألتفت لنفسي قليلا”.
وتضيف: “لا أنكر أنني شعرت بالإحباط لدى تقاعدي من العمل، لكن مع مرور الوقت تأقلمت وقررت أن أهتم بذاتي، وأبحث عن الأشياء التي أشعر من خلالها بالطاقة والسعادة”.
وتختلف الآراء حول الشعور بالاستمتاع بالحياة بعد سن الستين أم لا، فمنهم من يرى أن هذه السن تعد اكتمال الشخصية؛ حيث يدخل كبار السن في مرحلة استعراض أحداث حياتهم، وعما إذا كانت إيجابية أم لا، فيشعرون بالرضا والسعادة، ويبحثون عن الوسائل التي تدخل البهجة إلى قلوبهم من جديد، بينما يعتقد آخرون أن هذه السن هي مرحلة “اليأس” كونهم لم يحققوا أهدافهم في الحياة وقضوا أعمارهم سدى، أو شعورهم بأن مهمتهم في الحياة انتهت ولا يعد لهم دور يذكر.
وتشير إحدى الدراسات الحديثة إلى أن الاستمتاع بالحياة يبدأ بعد سن الـ60، مفادها “أن الحياة تبدأ بعد الستين.. أحياناً.. مقولة تؤكدها الدراسات الصحية المختلفة التي تشيد بالتأثير الإيجابي للإحالة للتقاعد على صحة الإنسان”.
وأحدث ما ورد في هذا المجال هي الدراسة التي أجرتها جامعة “توركو” الفنلندية، والتي خلصت إلى أن التقاعد يخلص الإنسان من مخاطر الإصابة بأمراض القلب وداء السكري والوفاة المبكرة.
الدراسة شملت فحص وتحليل بيانات نحو 6 آلاف متقاعد بين 2000 و2011.
وبسبب الدراسة، فإن الموظفين بعد الإحالة للتقاعد يبتعدون عن مشاغلهم ومشاكلهم المتعلقة بالعمل، ومن ثم تقل مشكلاتهم المتعلقة بالنوم ويتخلصون من الأرق وغيره.
ووجد الباحثون أن النوم غير المريح والاستيقاظ مبكراً جداً في الصباح، وهو الأمر الاعتيادي لدى غالبية الموظفين، يتراجعان بين المتقاعدين الذين كانوا يعانون من ضعف الصحة والتوتر بسبب العمل قبل التقاعد.
ويرى المتقاعد أبو مؤيد، أن حياته انتهت بعد سن التقاعد؛ حيث كان يشعر باهتمام كبير ممن حوله، سواء في العمل أو في المنزل أو من قبل الأصدقاء والجيران.
يقول أبو مؤيد بحسرة: “وكأن الإنسان عندما تنتهي إنتاجيته في عمل ما يتوقف دوره في الحياة، وهذا شعور محبط وقاس جدا، وللأسف على الجميع أن يتذكر أنه سيأتي يوم ويجد نفسه في المكان ذاته”.
ويعارضه الرأي الخمسيني أبو سالم الذي يقول: “الإنسان يستطيع إسعاد نفسه بأي مرحلة من مراحل الحياة، رغم الأمور المحيطة التي تواجهنا من أزمات مالية وسياسية محبطة، لكن علينا إرضاء أنفسنا بل وإسعادها”.
ويضيف “لكل مرحلة عمرية جماليتها، فالطفولة لها ذكريات، والشباب فترة جميلة لا يتمنى المرء الخروج منها، أما مرحلة الشيخوخة فأرى أن الإنسان يمكنه جعلها مرحلة الصفاء والسكينة في حياته أو يجعلها مرحلة يسودها العجز والمرض فقط”.
اختصاصي علم النفس، د. موسى مطارنة، يقول: “الأصل أن فترة ما بعد سن التقاعد هي فترة حياة جديدة أو بداية جديدة، ويجب على الإنسان أن يكون قد خطط لها مسبقا، فهي فترة خاصة للإنسان، بحيث يكون قد أنهى أعباء الحياة، كبر الأولاد وأنهى مسؤولياته وتقاعد وتفرغ لذاته، فيبدأ بالقيام بأعمال أو أحلام أو نشاطات لم يكن يستطيع تحقيقها لانشغاله بمهام ومتطلبات الحياة”.
لذلك من أجمل مراحل الحياة، كما يقول، هي ما بعد سن التقاعد؛ إذ يستطيع الفرد أن يرسم خططا ويستمتع بأشياء كثيرة بالتفرغ لذاته والتعمق بها، سواء بالسفر أو السياحة وإطلاق نشاطات وهوايات معينة، فهي أحلام حان الوقت لتحقيقها.
ويرى مطارنة، أن الإنسان في هذه المرحلة يتمتع بصفاء ذهني وفكري وعقلي ونضوج يكفيه أن يعيش حياة كلها سعادة ومحبة مع الآخرين، فهذه السن هي سن الحياة الجديدة المشرقة، يمكنه إعادة مرحلة الشباب بممارسة الرياضة وأن يعيد لنفسه الذكريات السابقة من خلال زيارة الأماكن المحببة والالتقاء بالأقارب والأصدقاء المقربين.
استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان، يستند إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”، وهذا دليل على أن الإنسان مطلوب منه أن يعمل وينجز ويعطي مدى حياته.
ويضيف “أن العمل بمفهومه الواسع لا يرتبط بالوظيفة فقط أو سن التقاعد، لأن له أشكالا متعددة، منها ما هو عمل رسمي وظيفي، أو خيري تطوعي أو إنجاز في مجال معين من مجالات الحياة”.
ويشير سرحان إلى أن الإنجاز والعمل مطلوبان سواء كان الإنسان في وظيفة رسمية قبل سن التقاعد، أو بعد سن التقاعد، وربما يختلف فقط شكل العمل وطبيعته، ولا نعني بالعمل فقط أن يكون العمل مدفوع الأجر المادي، فهنالك أعمال لها من الأجر والثواب الكثير، وهي تقدم خدمات كبيرة للمجتمع، وخصوصا في من يتقدم بهم العمر بعد سن التقاعد.
ويبين أن هؤلاء لديهم من الخبرات ما هو ليس موجودا عند من أصغر منهم سنا، والأصل أن يتم الاستفادة من خبراتهم، إضافة إلى أن انخراط الإنسان في العمل يبقيه أكثر حيوية ونشاطا، بينما عدم العمل يؤدي إلى الخمول وربما إلى كثرة الأمراض.
وهنالك من النماذج الكثيرة التي تدلل على قدرة الإنسان على العطاء حتى بعد سن الثمانين، وهؤلاء في الأغلب تعودوا على العمل والعطاء، وخصوصا عمل الخير الذي لا يعرف سنا للتقاعد، وفق سرحان.