ما بعد داعش والسيناريوهات المحتملة .. كاتب سوري يتحدث
مثلما اهتمت بريطانيا بدعم حركة «الإخوان المسلمين» عند تأسيسها عام 1928 في مصر بهدف خدمة مصالحها، بدأت إسرائيل في هذه الأوقات بالاهتمام بمجموعات داعش والقاعدة وما يشابههما من مجموعات أخرى بعد الهزيمة التي تكبدتها على يد الجيش العربي السوري وحلفائه وكذلك على يد الجيش العراقي وحلفائه.
البروفيسور المتخصص في مثل هذه المجموعات في «مركز هرتسيليا» الإسرائيلي للدراسات، والعضو في هيئة دراسات «مركز إعداد القيادات الاستراتيجية الأميركية في كلية الحرب العسكرية الأميركية» في بنسيلفانيا إيلي كارمون، تابع حركة انتشار مجموعات داعش أثناء فرارها خارج سورية والعراق ونقل عنه موقع «مركز أبحاث واتصالات إسرائيل بريطانيا- بيكوم» في نهاية العام الماضي تحليلاً بعنوان: «أين ستعيد مجموعات داعش إعادة تنظيم نفسها» والمقصود هو أين سيعمل المستفيدون من داعش وأمثالها على استخدام مجموعاتها.
يرى كارمون أن 30 بالمئة أو 40 بالمئة من رجال مجموعات داعش الأجانب، ربما عادت إلى الدول التي جاءت منها وأصبحت مكشوفة ويجري رصدها في تلك الدول، بينما لم تستطع بقية المجموعات المؤلفة من الأجانب العودة بعد أن أغلقت تركيا حدودها، وبعد أن أعلنت 15 دولة أوروبية إلغاء الجنسية عمن انتقل إلى سورية وخصوصاً بريطانيا التي ألغت جنسية 150 من المواطنين البريطانيين الذين قاتلوا في سورية في الآونة الأخيرة.
يضيف كارمون في تحليله: إن الكثيرين من بقايا مجموعات داعش وما يشبهها في جبهة النصرة، قد يعملون على الفرار نحو أفغانستان التي تعد القاعدة القديمة الجديدة لهذه التيارات منذ التسعينيات، ويبدو أن واشنطن وتل أبيب معاً ستعملان على استخدام فلول داعش والقاعدة وما يتجمع فيهما من مجموعات من أوزبكستان وداخل باكستان، ضد إيران وروسيا، بموجب ما يتوقعه كارمون، في جولات إرهابية جديدة تستهدفهما من خارج أراضيهما وخصوصاً أن عدد المجموعات الإرهابية الأوزبيكية والطاجيكية والتركمانية المنتشرة في أفغانستان يزيد على 15 ألفاً إلى 25 ألفاً.
أما فيما يتعلق بالمجموعات المحلية لداعش وجبهة النصرة، فيعترف كارمون أنها تكبدت خسائر بشرية كثيرة ولم يبق من أفرادها أحياء سوى آلاف قليلة بعد أن تمكن الجيش العربي السوري وحلفاؤه من دحرها.
يذكر أن قائد القوات الروسية في سورية سيرجي سوروفكين كان قد أعلن قبل أشهر أن ثمانية آلاف من أفراد داعش قتلوا وهو ما حدث لداعش في العراق أيضاً.
ورغم ذلك لا أحد يمكن أن يستبعد أن تقوم إسرائيل بشكل خاص باستغلال كل المجموعات التي قدمت لها الدعم والعلاج في مستشفياتها عبر حدود الجولان المحتل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الاتجاه هو: من سيقوم بتمويل مجموعات داعش حين تتحول إلى حالة العمل السري وتنتقل إلى نظام الخلايا النائمة؟
يعتقد المحللون الذين يتابعون نشاط التيارات المسلحة الإسلامية أن الدول والأطراف ذاتها التي تضررت من هزيمة داعش في سورية والعراق بشكل خاص، هي التي ستعمل على القيام بهذه المهمة في السنوات المقبلة، لأن استقرار سورية والعراق ولبنان والتحالف الذي أثبت أهميته مع طهران في تشكيل محور المقاومة، سيهدد الطموحات التوسعية الإسرائيلية والدور الأميركي الذي تراجع بسبب انتصار هذا المحور، ولذلك يعتقد الكثيرون أن شكلاً من الحرب الباردة الإقليمية في المنطقة سيظهر في ساحة العلاقات بين دول الشرق الأوسط بين عدد من الكتل أو المحاور التي ستتشكل داخل المعسكر الذي استهدف دول وأطراف محور المقاومة.
الصورة الراهنة لهذا المعسكر ما تزال غير ثابتة الملامح بعد، فهناك عدد من الأجنحة فيه أحدها من تركيا وقطر والسودان والآخر من السعودية وبقية دول الخليج، وهناك علاقات لا تصل إلى درجة التحالف تربط بين السعودية ومصر، وهناك مظاهر نزاع بين السودان ومصر، وأريتيريا وربما أثيوبيا، سيدفع مصر إلى الانشغال فيه، ومهما كانت النتائج التي ستحملها هذه الصورة غير المكتملة الملامح سيظل محور المقاومة هو القاعدة الثابتة الإقليمية في مواجهة أي «حرب إقليمية باردة» مقبلة لأنه قوة المستقبل الصاعدة.
بقلم تحسين الحلبي