“نيويورك تايمز”: ترامب يدمر سمعة الولايات المتحدة
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا حول “التصريحات المهينة” التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووصفه لبعض البلدان “بالحفر القذرة”. وهو ما رأت أنه “يحيل إلى بداية عصر قمع المهاجرين وتدمير سمعة الولايات المتحدة”.
وقالت الصحيفة، في التقرير المترجم ، إنه في لحظة عابرة يوم الثلاثاء، أشار الرئيس ترامب، خلال اجتماع مع مجموعة من أعضاء الكونغرس، إلى أنه سيتخذ القرار الصحيح فيما يخص موضوع الهجرة، بما تقتضيه مصلحة البلاد، رغم ما سيخلفه ذلك من استياء بين مؤيديه.
وبينت الصحيفة أن شخصية ترامب المعهودة قد عادت لتظهر من جديد بعد أن نعت الدول التي يأتي منها المهاجرون “بالحفر القذرة”، متسائلا عن سبب قبول الولايات المتحدة لمهاجرين من أماكن مثل هايتي أو أفريقيا بدلا من بلدان شمال أوروبا، مثل النرويج.
وطالب مرة أخرى، في تغريدة على “تويتر”، ببناء جدار عازل على طول الحدود المكسيكية. وهو ما سبب حالة غير مسبوقة من الحيرة حول قضية الهجرة في الأوساط الأمريكية.
وقالت الصحيفة: “إلى جانب توجهات ترامب العنصرية الواضحة، فإن تاريخ الولايات المتحدة يشوبه ماض طويل وقبيح في التمييز ضد المهاجرين على أساس العرق أو الأصل القومي. ويبدو أن ترامب قد عزم على تقويض الجهود التي بذلها الرؤساء الذين سبقوه خلال العقود الأخيرة لتجاوز ذلك التاريخ المخزي”.
وأفادت بأن ترامب نفى إدلاءه بهذه التصريحات الجمعة، ولكن السيناتور ريتشارد دوربين، أكد أن الرئيس الأمريكي قد أفصح فعلا عن هذه الأقوال المحرضة على الكراهية مرارا، خلال الاجتماع. وعلقت الصحيفة على الأمر بأنه “ما يزيد صفة الكذب لقائمة طويلة من النعوت التي وصف بها ترامب، بما في ذلك العنصرية، والجهل، وعدم الكفاءة”.
وأضافت الصحيفة أن المدافعين الأكثر شراسة عن الرئيس، لم يكلفوا أنفسهم عناء إنكار هذه التصريحات، بل برروها وأوهمونا أن تلك الأماكن مثل هايتي هي حقا أماكن رهيبة. وينسى هؤلاء أن العديد من الأمريكيين الذين ولدوا في الولايات المتحدة يتحدرون من نسل المهاجرين الذين فروا من البلدان التي كانت تعد الجحيم في ذلك الوقت، بما في ذلك النرويج في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وأوردت الصحيفة أن تردي أوضاع هذه البلدان التي ذكرها ترامب وغيرها، جاء نتيجة مباشرة لسياسات الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي قامت باختطاف واستعباد مواطني هذه البلدان، ونهب مواردها الطبيعية، ودعم الأنظمة الدكتاتورية التي تحكمها، فضلا عن السيطرة عليهم ماليا مثل “الرهائن” لأجيال متلاحقة.
وكشف علماء الاجتماع، ديفيد سكوت فيتزجيرالد، وديفيد كوك مارتن، أن الولايات المتحدة كانت رائدة في تبني سياسات الهجرة التمييزية القائمة على العنصرية في القارة الأمريكية في أواخر القرن الثامن عشر والتاسع عشر. أما الحكومات الاستبدادية في تشيلي وكوبا وأوروغواي، فقد سبقت الولايات المتحدة بعقود في إنهاء سياسات الهجرة العنصرية.
وأوضحت الصحيفة أن الاضطراب الحالي بشأن الهجرة يخلط بين قضايا منفصلة عدة. ومن بين هذه القضايا “برنامج العمل المؤجل لترحيل الأطفال المهاجرين”، وبرنامج “وضعية الحماية الوقتية”، وهي برامج مخصصة لأصناف معينة من المهاجرين كالأطفال والأشخاص الذين سمح لهم بالإقامة في الولايات المتحدة لأسباب قهرية تمنعهم من العودة لأوطانه مثل الحروب والكوارث الطبيعية. وتم اتخاذ إجراءات تعسفية مؤخرا في حق الآلاف من المنتفعين بهذه البرامج.
وأشارت الصحيفة إلى أن مستقبل نحو 11 مليون مهاجر لا يحملون وثائق إثبات هوية يبدو مجهولا، إذ إن قرار إدارة ترامب يقضي بشن حملة صريحة وواسعة النطاق على هؤلاء. وما يثير القلق في الموضوع فعلا تلك النظرة المتعصبة التي يحملها الرجل عن هؤلاء الوافدين.
وذكرت الصحيفة أن توجه ترامب العنصري كان واضحا منذ السنوات الماضية، وذلك عندما دعا سنة 1989 لإعدام خمسة مراهقين سود ولاتينيين بتهمة الاغتصاب الوحشي لامرأة بيضاء في سنترال بارك. وهو ما فنده القضاء وحكم ببراءة المتهمين بعد تحليل الحمض النووي. ولا ننسى طبعا حملته الانتخابية القائمة على شيطنة المكسيكيين والمسلمين ودفاعه عن مسيرة النازيين الجدد الصيف الماضي، ووصفهم “بالأشخاص العاديين جدا”.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب أفاد خلال اجتماع الشهر الماضي بأن 15 ألف مواطن من هايتي من المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، مرضى بالإيدز، وأن المهاجرين الأفارقة لن يعودوا أبدا إلى أكواخهم بعد أن رأوا هذا البلد.
وبذلك، شن ترامب حملة تقوم على التعصب الصريح والإقصاء ورفع لواء الرفعة للعرق الأبيض. وبالإضافة إلى قاعدته المتشددة والمتناقصة، ذكر موقع النازيين الجدد “ذي دايلي ستورمر” أن موقف الرئيس الأمريكي مشجع ومثير ويحمل فكر الحركة حول العنصرية والهجرة.
في المقابل، ندد الجمهوريان جون كاسيتش وجيب بوش الابن في تقرير نشر في صحيفة “تايمز” في عددها الصادر اليوم الخميس، بالطرد القسري للمهاجرين غير الحاملين لوثائق هوية. وهو قرار غير صائب في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي نموا بنسب متواضعة ومنتظمة وانحسارا لمعدل البطالة بنسبة أربعة بالمائة.
وأضافت الصحيفة أن الجمهوريين في الكونغرس يمضون معظم وقتهم في إيجاد طرق لتجنب الحديث عن رئيسهم المباشر المتعصب، بل زعم بعضهم أنه لم يسمع بعد بما قاله ترامب. ومن جهة أخرى، قدم آخرون دفاعات فاترة عن حديثه “غير المستساغ”. كما وصف رئيس مجلس النواب بول ريان تعليقات السيد ترامب بغير المفيدة، متمنيا بكل وضوح أن يعود الرئيس للعمل على أجندته اليومية حول إثراء أغنى الأميركيين.
وفي الختام، قال ترامب بكل وضوح إنه لا يمتلك إجابات عملية لقضية الهجرة، لذلك يتحتم على الكونغرس إيجاد حلول إنسانية طويلة المد. وقد يقدم مشروع قانون للهجرة حلولا لجميع هذه الإشكاليات، ما يعني أنه يجب على المشرعين الانضمام إلى تلك الأصوات التي تعمل على حماية المهاجرين الذين تهددهم قرارات إدارة ترامب الوحشية والفوضوية.