المرجعية الدينية .. واقع وتحديات / الخزعلي يكتب ..
منذ ظهور الاسلام كديانة سماوية لم تقتصر على تنظيم علاقة الانسان بخالقه بل شملت علاقة الانسان بأخيه الانسان وبالمجتمع والكون والوجود، منذ ذاك الزمان تميز الشيعة بمحافظتهم والتزامهم بمركزية قرارهم من خلال الشأنية والخصوصية لمنصب (الامام) التي وصلت الى درجة العصمة ومن ثم وبعد غياب (الامام) اثناء عصر الغيبة الكبرى انتقلت هذه الشأنية والخصوصية وبدرجة اقل لرواة الحديث والعلماء الى ان وصل الى عنوان (المرجع الديني) .
الملاحظ في الفترة الاخيرة الحملة المكثفة، خصوصا داخل الوجود الشيعي للتشكيك أو التهوين بهذا العنوان، وخصوصا من قبل الحركات العقائدية المنحرفة وبعض الشخصيات الفكرية والإعلامية والتي من الصعب جدا ان نتوهم انها حركات أو شخصيات دينية أو ثقافية صرفة لا تقف خلفها اجهزة استخبارات معروفة لتحقيق أهداف ستراتيجية ضد الوجود الشيعي الذي صار الوجود الأقوى في المنطقة من الناحية المعنوية والعسكرية وأكيدا ان اهم أسباب هذه القوة المعنوية والعسكرية هي وجود المرجعية الدينية للشيعة وتمسكهم بها.
واذا تكلمنا عن الحركات المنحرفة ونذكر اثنين من أهمهما هما الحركة اليمانية والمولوية نجد زيادة نشاطيهما خلال فترة داعش وبعد انتهاء داعش بشكل ملحوظ وتواجدهما بشكل حصري في مناطق الوسط والجنوب يعني من نفس المناطق التي انطلق ابناؤها لقتال داعش، بل لاحظت شخصيا بسبب متابعتي للموضوع شيئا ملفتا للنظر والانتباه هو انه على الرغم من اختلاف مرجعية وطرح هاتين الحركتين الا إنهما اتفقتا على شيء واحد وهو نفي موضوع (التقليد) وبالتالي ضرب عنوان (المرجعية) من الأساس، حيث اصدر كل منهما الى اتباعه منشورا من عدة صفحات متطابق تماما واؤكد مرة اخرى متطابق تماما، يتكلم هذا المنشور عن الأدلة التي تثبت بطلان التقليد، والغرض منه توزيعه ونشره بين أوساط الشيعة لتعميم الفكرة، وليس ذلك فقط بل وردت بعض المعلومات عن نية هذه الحركات القيام بعمليات اغتيال للمراجع ولا اعتقد ان محاولة الاعتداء الاخيرة على ممثل المرجعية الدينية العليا – والتي جرت داخل الصحن الحسيني اثناء صلاة الجمعة – انها ستكون بعيدة عن هذه الحركات. وَمِمَّا يجدر الإشارة اليه في هذه النقطة ان القانون العراقي لا يتضمن فقرة تعطي الصلاحية بالقاء القبض على هؤلاء ومحاكمتهم لذلك عندما تقوم الأجهزة الاستخبارتية بتتبعهم واعتقالهم يتم حجزهم مؤقتا ثم يتم إطلاق سراحهم بعد فترة قصيرة، وهذا نقص وخلل خطير يجب على المؤسسة التشريعية الانتباه اليه ومعالجته.
ما اثار انتباهي مؤخرا هو وجود طرحين متناقضين في وقت واحد، الاول من خارج الشيعة يدعو للاستفادة من تجربة الشيعة في امتلاكهم لعنوان المرجعية الدينية باعتبارها تجربة اثبتت نجاحها والثانية من داخل الشيعة تشكك بوجود المرجعية الدينية أو على الأقل تناقش في فائدتها. الطرح الاول نرحب ونفتخر به، اما الثاني فيحتاج الى تصدي كل من ادرك ضرورة بقاء والمحافظة على وجود المرجعية الدينية للشيعة ومن ثم لمصلحة العراق باعتبارهم يمثلون اغلبيته السكانية، لذلك كان لي التعليق التالي على الدعوى الثانية : لو لم تكن للشيعة مرجعية لما استطاعت المحافظة على وجودها رغم قرون الاضطهاد السياسي والاجتماعي ، لو لم تكن للشيعة مرجعية لما استطاعت البقاء مع كل حملات التصفية والاستئصال التي تعرضت لها ، لو لم تكن للشيعة مرجعية لما انتهى الاحتلال البريطاني وأسست أول دولة مدنية، لو لم تكن للشيعة مرجعية لما كان للعراق الحديث دستور ، لو لم تكن للشيعة مرجعية لكان العراق الى الآن يعيش الحرب الأهلية بعد احداث تفجير مرقدي الإمامين العسكريين ، لو لم تكن للشيعة مرجعية لما استطاع ان يدافع عن وجوده ودولته وينتصر على داعش وهي اعتى قوة ظلامية في تاريخ البشرية، لو لم تكن للشيعة مرجعية لما صار كل هم الحركات المنحرفة في وقتنا الحاضر اسقاطها فكريا ومن ثم محاولة الاعتداء عليها جسديا ، لو لم تكن للشيعة مرجعية لما انبرت اجهزة مخابرات معروفة لتوهين دورها حتى يحاولون التشكيك باصل وجودها.
المرجعية الدينية هي إرادة الله أو هي ضرورة بقاء أو هي مصلحة وطن أو هي كل هذه الأشياء ، هذا تابع لتقدير وتقييم كل منا ولكنها أكيدا انها كانت وما زالت وستبقى وجودا أصيلا راسخا في مجتمعنا وثقافتنا.
بقلم الشيخ قيس الخزعلي