تقرير فرنسي : عودة كرة القدم إلى البصرة مصدر دخل جديد لمدينة النفط والغاز
عادت البصرة “عاصمة الاقتصاد” في بلاد الرافدين، إلى دائرة الضوء مع عودة مباريات كرة القدم الرسمية إلى العراق الذي يأمل في تحويل ملعبها الدولي الى رافد إضافي لاقتصادها القائم على الغاز والنفط.
ويعد ملعب البصرة الدولي المعروف باسم “جذع النخلة”، أحد المعالم الرئيسية في كبرى مدن الجنوب العراقي. ويأمل مسؤولو المحافظة في ان تمتلىء مدرجاته التي تتسع لنحو 65 ألف متفرج، بالمشجعين الذين سيغنون اقتصاد المدينة، وهي واحدة من ثلاث مدن (اضافة الى كربلاء وأربيل عاصمة إقليم كردستان الشمالي)، ستتاح إقامة المباريات الرسمية فيها.
وقبل قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في 17 آذار/مارس، غص الملعب بعشرات الآلاف من المشجعين في 28 شباط/فبراير، لمتابعة مباراة دولية ودية بين العراق والسعودية، كانت الأولى للمنتخب الأخضر على أرض العراق منذ أكثر من 40 عاما، ووصفت بـ”النجاح المنقطع النظير”.
وكانت تلك المباراة واحدة من سلسلة وديات استضافتها البصرة منذ قرر الفيفا العام الماضي تخفيف الحظر على اقامة مباريات القدم الرسمية في العراق، والسماح بإقامة مباريات ودية فقط على ملاعب المدن الثلاث.
وبات “جذع النخلة” الذي يشكل جزءا من المدينة الرياضية في البصرة، والمحاطة ببحيرة اصطناعية على شكل خارطة العراق، قبلة لزوار ساهموا في عودة النشاط إلى المنشآت الخدمية والسوق المحلية، بحسب مسؤولين.
ويقول محافظ البصرة أسعد العيداني لوكالة فرانس برس “مباريات كرة القدم التي استضافتها المدينة ساهمت كثيرا في تنشيط الأوضاع الاقتصادية المحلية، خصوصا الحلقات المتوسطة المتمثلة بالفنادق والمطاعم والمحال التجارية، وهي تشهد انتعاشا لافتا الآن”.
وأنشئ الملعب في العام 2013، وبلغت كلفته نحو 600 مليون دولار أميركي، بحسب ما أفاد فرانس برس مدير دائرة الأقاليم وشؤون المحافظات في وزارة الشباب والرياضة العراقية طالب الموسوي.
– فنادق ممتلئة وازدياد في الرحلات –
ونظرا للمسافة التي تفصل البصرة عن بغداد (550 كلم)، غالبا ما يضطر زوار المدينة الجنوبية للمبيت فيها والراحة قبل العودة الى العاصمة.
أول غيث الاستفادة كان من نصيب الفنادق التي وصلت نسبة إشغالها الى حدها الأقصى، ما دفع إداراتها إلى الاعتذار من بعض الضيوف الذين حجزوا مسبقا لعدم وجود شواغر، وفق مسؤولين في القطاع.
وحاليا، وفي ظل استضافة البصرة “بطولة الصداقة الدولية” التي يشارك فيها المنتخبان السوري والقطري إلى جانب أسود الرافدين، يعود المشهد نفسه إلى المدينة.
وإذ تعتبر البطولة المقررة بشكل مسبق، والتي انطلقت الأربعاء الماضي/ فرصة للعراق لإثبات جدارته بإقامة المباريات، الا انها تشكل أيضا دليلا على قدرة كرة القدم على تنويع المداخيل الاقتصادية للمحافظة.
ويقول مدير فندق الشيراتون في البصرة طوني ديب لفرانس برس إن “لمباريات كرة القدم مردود مالي كبير. فنادق المدينة تكون في أيام المباريات غير كافية للاستيعاب، وربما هذا الأمر سيشجع رؤوس الأموال والمستثمرين لإنشاء فنادق جديدة”.
ويؤكد نائب رئيس غرفة تجارة البصرة قاسم الساعدي أن “الفنادق تمتلئ بنسبة 100 في المئة في المناسبات الرياضية، في حين أنها (النسبة) لا تلامس الخمسين في المئة في الأيام الأخرى، حتى أننا نضطر إلى تغيير أماكن سكن وفود اقتصادية” خلال أيام المباريات.
هذا التوافد يحرك أيضا عجلة النقل، على غرار ما تقوم به شركة الخطوط الجوية العراقية لجهة تسيير رحلتين إضافيتين أسبوعيا في مناسبات كهذه.
بدوره، يشير مدير سكة حديد المنطقة الجنوبية هادي شلال إلى أن المؤسسة “تسير خلال استضافة مباراة ثلاث رحلات يوميا بالقطار بين بغداد والبصرة، والتي عادة تكون رحلة واحدة يوميا، ولدينا رحلة رابعة جاهزة للحالات الطارئة”، علما ان كل رحلة تتسع لـ 1500 شخص.
– المدينة تحتاج الى مشاريع أكثر –
وبحسب مسؤولين عراقيين، انتقل عبر القطار أكثر من سبعة آلاف مشجع خلال مباراة العراق وقطر، الأولى التي أقيمت ضمن “بطولة الصداقة”، من أصل عشرة آلاف مشجع قدموا من المحافظات العراقية الأخرى.
يغزو هؤلاء أسواق المدينة، وخصوصا سوق الهنود العريق في البصرة وإحدى رموزها الشعبية والتراثية الممتلئة بالبضائع والهدايا التذكارية.
ويؤكد العيداني أن “المؤشرات الاقتصادية المهمة التي تحققت عقب استضافة مباريات كرة القدم، تدفع إلى جذب العديد من البطولات الرياضية مستقبلا”، مضيفا “نسعى إلى استضافة (بطولة كأس الخليج) +خليجي 24+ في البصرة وما حصل الان من انتعاش اقتصادي سيعزز من ملامح خططنا لجذب هذا الحدث الكروي الخليجي” الذي عادة ما يقام كل عامين.
ولم يخف المسؤولون العراقيون رغبتهم في استضافة النسخة المقبلة من بطولة كأس الخليج التي أقيمت نسختها الأخيرة في الكويت بين كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير الماضيين. وكان من المقرر ان تقام +خليجي 23+ في قطر، الا انها نقلت الى الكويت بعد رفع الحظر المفروض عليها من قبل الفيفا. ورحبت قطر بنقل البطولة، الا انها شددت على أحقيتها في استضافة النسخة المقبلة، علما ان تقارير عراقية ألمحت مؤخرا الى استعداد قطري للتخلي عن الاستضافة لصالح العراق.
وفي انتظار استضافة بطولة على مستوى كبير، يأمل مسؤولو البصرة في الاستفادة من ازدياد المباريات للضغط على الحكومة العراقية لدعم “المزيد من مشاريع الاستثمار والتطوير الاقتصادي”، بحسب المحافظ العيداني.
ويشدد المعنيون بالحركة الاقتصادية في البصرة على ضرورة تعزيز المنشآت السياحية والاقتصادية فيها قبل استضافة الأحداث الكبرى، لاسيما وان المدينة تعاني من ضعف في الاستثمارات، ولا تتمتع بمؤهلات وبنى تحتية تتناسب مع وضعها كإحدى أبرز مناطق انتاج النفط في البلاد.
ويقول الساعدي “البصرة بحاجة إلى فنادق ومطاعم أكثر. لم نتحمل هذا الزحف الجماهيري في بطولة صغيرة، فكيف إذا ما قررنا استضافة كأس الخليج؟”.