ترامب والعرب وإسرائيل / كاتب سوري يتحدث ..
يبدو من الواضح أن العرب كل العرب لن يكون أمامهم أي خيار من أجل البقاء إلا إذا تصدوا لحملة الهجوم الأميركي المتصاعد على حياتهم وثرواتهم ومستقبل أجيالهم، فالولايات المتحدة فرضت أشكالاً كثيرة من العقوبات الاقتصادية على سورية وإيران بل نفذت كل أشكال الحرب والعدوان على سورية ودعمت كل أشكال العدوان الإسرائيلية والإرهابي التكفيري على دول كثيرة في المنطقة، وبعد أن قررت قبل أسابيع قليلة إعداد خطة لفرض العقوبات على كل دولة تشتري النفط من إيران وعلى كل شركة تتعامل مع إيران ها هي تقدم لإسرائيل أكبر أشكال الدعم باتخاذها توصية من مجلس النواب الأميركي بالإجماع لفرض عقوبات على كل شركة أميركية تقاطع إسرائيل نتيجة للضغوط التي تمارسها عليها المنظمات غير الحكومية التي تطالبها بمقاطعة إسرائيل وبضائعها وشركاتها.
فمن خلال إعطاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشريعاً بمعاقبة الشركات الأميركية التي تخضع لضغوط وتقاطع البضائع الإسرائيلية سينتقل ترامب بعد ذلك إلى مقاطعة كل دولة عربية وغير عربية تفرض المقاطعة على إسرائيل وعلى بضائعها وعلى العلاقات معها.
وهذه الخطة كان نتنياهو قد أعدها بمشاركة منظمة «إيباك» الأميركية الإسرائيلية لكي يجبر دولاً عربية على تطبيع علاقاتها الاقتصادية والسياسية معها بشكل علني بعد التقارب الذي بدأت تقوده العائلة المالكة السعودية في علاقاتها شبه السرية مع إسرائيل.
فقرار مجلس النواب الأميركي سيتيح لترامب توسيع دائرة تطبيق هذه التوصية التشريعية لتشمل شركات وشخصيات غير أميركية تنفذ أشكالاً من المقاطعة ضد إسرائيل وشركاتها وصناعاتها، ومن الطبيعي أن يطلب من دول عربية حليفة له مثل السعودية وغيرها من الدول منع أي مقاطعة لإسرائيل أو صناعاتها وشركاتها فإسرائيل التي صنعتها القوى الاستعمارية في القرن الماضي يريد ترامب الآن أن يستكمل لها مشروعها الصهيوني التوسعي ليس عبر صفقة القرن فحسب بل من خلال فرض عقوبات على كل الشعوب العربية والإسلامية التي تقاطع إسرائيل وتندد بوجودها وترفض التعامل معها لأن ترامب الذي فرض على العائلة المالكة السعودية منحه 500 مليار دولار سيفرض في الوقت المناسب على حكام الدول الحليفة له اتخاذ التشريع الأميركي نفسه القاضي بفرض العقوبات على الشركات الأميركية إذا استمرت بمقاطعة إسرائيل وعندئذ سيصبح هؤلاء الحكام موظفين لتسهيل سيطرة إسرائيل على المقدرات الاقتصادية لشعوبهم، ويقول أليكس إيمونز في تعليقه على هذا التشريع الأميركي في مجلة «إنترسيبتر» إنه عند تنفيذ القانون الخاص بهذا التشريع سيصبح كل أميركي يملك شركة خارجاً على القانون وخاضعاً لعقوبة إذا خضع لضغوط تفرض عليه مقاطعة إسرائيل.
ويضيف إيمونز أن المشرعين لم يحددوا العقوبة بل تركوها خاضعة لقانون عقوبات جنائي يفرض تعويضاً مالياً لا يقل عن مليون دولار وتهديداً بالحبس، ويسمح هذا التشريع بعدم التزام أي شركة أميركية بمقاطعة إسرائيل حتى لو اتخذت الأمم المتحدة قراراً غير ملزم يدعو أو يفرض مقاطعة البضائع والعلاقات العامة مع إسرائيل.
ويشير إيمونز في مجلة «انترسيبتر» الإلكترونية في 28 حزيران الماضي إلى أن قانون العقوبات الجنائي الأميركي والاستناد إليه في هذا التشريع الجديد التصعيدي يشكل أكبر تحدٍ لقرارات الجامعة العربية المتخذة لمقاطعة إسرائيل.
فالولايات المتحدة تريد في هذه الظروف سحب كل وسائل الدفاع الفلسطينية والعربية الرسمية والشعبية من التداول في ساحة الصراع ضد إسرائيل لاستعادة الأراضي المحتلة وحقوق الشعب الفلسطيني بل السوري في الجولان المحتل لأن أي شركة تقاطع بضائع ينتجها المستوطنون في الجولان ستخضع لعقوبات بموجب هذا التشريع الجديد، ويبدو في النهاية أن الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة تنتظر الآن رسالة يقول لها فيها ترامب إن عليها اتخاذ القرار نفسه تجاه شركاتها ومواطنيها إذا ما استمروا بمقاطعة بضائع الاحتلال الإسرائيلي والامتناع عن تطبيع العلاقات معه، وقد تكون هذه المطالب الأميركية في مقدمة مشروع «صفقة القرن» التي رفضتها معظم الدول العربية بعد أن رفضها الشعب الفلسطيني وفصائله ومنظماته كافة.
تحسبن الحلبي