ماذا تريد واشنطن من بناء قنصلية في أربيل؟!
– لم تعد تعي واشنطن من أي بوابة يمكنها الدخول إلى العراق مجدداً بعد أن أُغلقت جميع الأبواب في وجهها من قبل جميع الأحزاب العراقية على اختلاف توجهاتها وبعد أن مُنيت بهزيمة عسكرية لم يشهد التاريخ الأمريكي الحديث مثيلاً لها، ولهذا نجدها اليوم تُعلن وضع حجر الأساس لأكبر قنصلية أمريكية في العالم، فماذا تريد أمريكا من هذه الخطوة الجديدة القديمة؟!.
مشروع القنصلية
في العام 2007 افتتحت أمريكا مكتب تمثيل دبلوماسي لها في أربيل للمرة الأولى وبعد أربع سنوات تم تطويره إلى قنصلية لكن صغيرة، وقبل عام من الآن جرى الحديث عن إنشاء قنصلية أكبر ستكون ثاني أكبر ممثلية لها في العراق بعد السفارة في بغداد، واليوم تمّ وضع حجر الأساس للمشروع، الذي يشكّل هاجساً لشريحة واسعة من العراقيين والذين فقدوا ثقتهم بالأمريكي بعد تجربة مريرة معه على مدار أكثر من 10 أعوام لم يحصلوا فيها سوى على الإرهاب والدمار والخراب.
وبالعودة إلى المشروع الجديد فمن المقرر أنه سيشيد على مساحة 200 ألف متر مربع على الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة أربيل وبلدة بيرمام، وستبلغ تكلفته أكثر من 600 مليون دولار، وشارك في مراسم وضع حجر الأساس رئيس حكومة الإقليم الكردي نيجيرفان بارزاني والسفير الأمريكي في العراق دوغلاس سيليمان والقنصل الأمريكي في أربيل.
وهناك قلق كبير في الوقت الحالي يساور العراقيين تخوفاً من أن تتحول هذه القنصلية في المستقبل إلى سفارة واشنطن في “دولة كردستان” التي تحاول واشنطن المساهمة في إنشائها.
دلالات بناء قنصلية بهذا الحجم
أولاً: أمريكا خرجت قبل سبع سنوات مهزومة من العراق ولم يبقَ لها مكان في هذا البلد الذي ساهمت في دماره علماً أنها جاءت على أساس “نشر الديمقراطية” فشاهد الشارع العراقي بأمّ عينه ماذا تعني ديمقراطية واشنطن، واليوم وبعد أن خسرت الأخيرة جميع أوراقها، لا بدّ من العودة مجدداً ولا مكان للعودة سوى من بوابة الأكراد، مع الأخذ بالعلم أنها خذلتهم مراراً وتكراراً ولكنها تحتاجهم اليوم وهم لا يستطيعون التخلي عنها في ظلّ وجود معارضة من جميع الدول المحيطة بهم لقيام دولة خاصة بهم، وبالتالي إن دخول واشنطن عبر إقليم كردستان يعدّ فرصة جديدة لأمريكا لاختراق النسيج العراقي من جديد ونقطة أمل جديدة للأكراد فيما يخص مشروع دولتهم.
ثانياً: أدركت واشنطن أن المناخ السياسي في العراق لم يعد لمصلحتها، خاصةً بعد فوز تحالف “سائرون” وتحالفه مع “فتح” وغيرها من الأحزاب الوطنية العراقية، ما شكّل ضربة موجعة للأمريكي على الصعيد السياسي، وبنفس الوقت لا تستطيع واشنطن العودة إلى العراق من بوابة العسكرة، لذلك كان لا بدّ من إعادة تقوية الروابط مع الأكراد نظراً لأهمية موقع كردستان من الناحية الجيوسياسية.
ثالثاً: كما ذكرنا سابقاً هناك خشية لدى العراقيين من أن تتحول هذه القنصلية مع القادم من الأيام إلى سفارة، وحينها ستكون واشنطن قد قضت على روح التحالف والتعاون الذي يبديه الإقليم تجاه الحكومة العراقية، لأن الغاية ستكون تقسيم العراق مجدداً بعد وصول حكومة جديدة تكنّ العداء لأمريكا، ولا نعتقد بأن العراقيين سيقفون مكتوفي الأيدي تجاه هكذا تصرفات وسيتخذون قرارات تمنع واشنطن من إحداث أي شرخ داخل البلد الواحد، وقد تكون إحدى الخطوات مثل التي يتم تداولها حالياً بأن مجلس النواب الجديد من المحتمل ألّا يمدّد أي حصانة لأي جنود أمريكيين.
رابعاً: هناك توصيات صدرت عن معهد واشنطن قبيل الانتخابات العراقية حول ضرورة أن تمسك أمريكا بزمام أمور المفاوضات بين بغداد وأربيل بغية القدرة على تلافي تبعات وصول أي مجلس نواب يرفض الحضور الأمريكي في العراق، ومن هنا ندرك جيداً ماذا تريد واشنطن من فتح هذه القنصلية وإلى ماذا تريد تحويلها.
خامساً: اليوم الأكراد ليسوا بنفس القوة التي كانوا عليها قبل طرحهم للاستفتاء، فقد انعكست نتائج الاستفتاء سلباً على الأكراد قبل أي طرف آخر، وبطبيعة الحال أي خطوة جديدة في التعاون مع أمريكا ستنعكس سلباً عليهم قبل أي طرف آخر، لذلك لا نعرف إلى أي درجة يمكن للأكراد أن يتعاونوا مع الأمريكيين على حساب علاقتهم مع الحكومة العراقية والتحالف معها.
بكل الأحوال عودة أمريكا إلى العراق عبر القنوات الدبلوماسية سيعقّد الأمور في العراق بعد أن كانت تتجه على الحل، ومن هنا يجب أن يدرك العراقيون بمن فيهم الأكراد أنه حان الوقت لوضع حدّ لهذا التمادي الأمريكي الذي لم يعد بالخير على أحد، والأكراد قبل غيرهم هم أكثر من تأذى من واشنطن خلال الأشهر الماضية، فقد خذلتهم في العراق وسوريا، ويجب أن نعلم بأن هذا الأمر هو تهديد ليس للعراق فحسب بل لجيران العراق أيضاً، ويهدف لتأصيل الوجود الأمريكي في العراق.
يجب ألّا ننسى بأن أمريكا بدأت تخسر جميع أوراقها في المنطقة، وتحرير درعا مؤخراً من قبل الجيش السوري يؤشر بأن واشنطن أصبحت خارج المعادلة السورية، ولذلك هي لا تريد الخروج من العراق، فلا بدّ من وكر تجسس جديد يحقق لها غاياتها وسياستها التي نشأت عليها.