واشنطن بوست: داعش يعود إلى العراق أسرع من المتوقع
قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إنه وعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، النصر على تنظيم داعش في الأراضي العراقية بالكامل، فإن التنظيم عاد بسرعة كبيرة، وبدأ بعمليات خطف واغتيالات وتفجيرات، ما أثار المخاوف من بدء دورة جديدة من العنف والتدمير.
وأوضحت الصحيفة أن الهجمات الصغيرة النطاق تتم غالباً في مناطق نائية تم إهمالها من قِبل الحكومة، وتعيد إلى الأذهان جانباً من التكتيكات التي كان يمارسها التنظيم قبل ظهوره القوي والكبير في عام 2014 عندما استولى على العديد من المدن العراقية والسورية.
العبادي أعلن النصر النهائي على تنظيم داعش بالعراق في ديسمبر الماضي، وفي قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بهلسنكي والتي عُقدت قبل أيام، قال ترامب إن المعركة على تنظيم داعش أُنجزت بنسبة 98- 99%.
موجة العنف الأخيرة التي ضربت مناطق تمتد عبر ديالى وكركوك وصلاح الدين شمالي العراق، دفعت العراقيين إلى التساؤل عما إذا كان فعلاً قد تم النصر على تنظيم داعش، فخلال الشهرين الماضيين اختُطف عشرات الأشخاص، بينهم عدد من المسؤولين المحليين وشيوخ القبائل وزعماء قرويون، وقُتلوا من قِبل مقاتلين ينتمون إلى التنظيم، كما تعرضت بنى تحتيةٌ -مثل خطوط نقل الكهرباء والنفط- للتفجير، وقام مقاتلون تابعون للتنظيم بالتنكر بزي قوات أمنية ونصبوا كمائن وهمية اختطفوا خلالها مسافرين وصادروا شاحنات.
الفيديو الذي انتشر مؤخراً لعملية قتل عدد من المخطوفين من قِبل التنظيم، شكَّل صدمة كبيرة للعراقيين، الذين يحاولون تجاوُز آثار الحقبة السوداء التي امتدت عدة سنوات.
يقول عماد محمود عضو مجلس محافظة ديالى للصحيفة: “إن الناس اعتقدوا أن هناك استقراراً وأن بإمكانهم السفر أينما أرادوا، ثم ظهر هذا الفيديو الذي زرع الرعب في النفوس”، مضيفاً: “داعش موجود في الصحراء الفارغة وبين الجبال، ولا تزال لديه خلايا صغيرة، إنهم ليسوا بأعداد كبيرة ولكنهم يطلقون هجمات مفاجئة وسريعة، ولديهم أشخاص داخل البلدات يساعدونهم”.
من جهته يرى هشام الهاشمي، الخبير في مكافحة الإرهاب والذي يقدم المشورة للحكومة العراقية: “إن من المحتم أن يحاول داعش العودة بعد هزيمته الساحقة، لكنه يعود بسرعة أكبر مما توقعت، إنه عاد وهذا أمر خطير جداً”.
اقرأ أيضاً
مظاهرات البصرة.. اعتقالات وضرب وحظر للتجوال
ويلقي الهاشمي باللوم على الحكومة؛ لأنها فشلت في إيصال المساعدات وإعمار المناطق التي كانت تحت سيطرة “داعش”، موضحاً أنها لم تقم إلا بالقليل من العمل على الجانب الإنساني.
وأضاف: “لقد قامت الحكومة بعمل عسكري جيد، ولكنها في المقابل لم تنفذ أياً من خططها للإعمار، وهذا يصب في مصلحة داعش، وإلى الآن ليس من الواضح ما إذا كانت التظاهرات الشعبية التي اندلعت في جنوبي العراق ستؤثر على عمليات الحكومة العسكرية بالمناطق التي كان ينتشر فيها داعش، وخاصة في شمالي العراق، يرافق ذلك عسر في تشكيل الحكومة الجديدة عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في الثاني عشر من مايو الماضي”.
يقول الكولونيل شون ريان، المتحدث العسكري الأمريكي في بغداد، إن قوات الأمن العراقية اليوم بحال أفضل مما كانت عليه عام 2014 عندما فرت أمام هجمات مقاتلي التنظيم، ويضيف: “تنظيم داعش اليوم يقوم بهجمات صغيرة، لا يملك القدرة على القيام بهجمات واسعة النطاق، لكن المعركة لم تنته”.
وبيَّن ريان أن “داعش يحاول أن يخوِّف الناس على الرغم من أنه لا يسيطر على الأراضي كما فعل في عام 2014، لكنه يتمتع بِحرية الحركة عبر امتداد كبير من التضاريس، وخاصة في الليل”.
كلام ريان يتفق معه مايكل نايتس، المحلل العسكري في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والذي ذكر أن التنظيم ينشط حالياً في مساحات لم يحتلها سوى لفترات وجيزة، غير أنها مناطق تعرضت للتهجير من قِبل المليشيات الشيعية، ما بين عامي 2014 و2015، ولم تتم إعادة أهلها إليها حتى الآن.
وأضاف: “هذه المناطق التي تحولت إلى مدن أشباح توفر بيئة مثالية لحرب العصابات، خاصة أنها محاطة بمناطق جبلية وغابات نخيل مزروعة بكثافة وشبكات قنوات الري غير المناسبة لتوغل القوات العراقية بأسلحتها الثقيلة، وهي كلها عوامل يستغلها التنظيم”.
صحيفة “واشنطن بوست” ذكرت أن هناك اعتقاداً بأن مقاتلي التنظيم الذين يقودون الهجمات اليوم، هم بقايا المقاتلين الأصليين في التنظيم الذين شاركوا في الاستيلاء على مدن عراقية قبل أكثر من أربع سنوات، حيث يقدَّر عددهم بأكثر من 2000 مقاتل، يعملون عبر خلايا صغيرة متناثرة في مناطق شمالي وشمال غربي بغداد.
يقول ريناد منصور، من مؤسسة تشاتام هاوس للأبحاث ومقرها لندن، في هذا السياق: إن “مقاتلي التنظيم يمضون قدماً، وسيكون هناك إحباط شديد لدى العراقيين الذين استمعوا للعبادي وهو يلقي خطاب النصر على داعش، في حين أن مقاتلي التنظيم يستعدون لدورة تمرُّد جديدة”.