تفاصيل جديدة بشأن شبكة تبتز مصارف لبنانية وعلاقة صدام حسين بالأمر
قبل عدة أسابيع، انطلقت حملة على تطبيق «الواتس آب»، وكذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تستهدف مصرف «عوده» بصورة مباشرة، وتتهمه بتبييض الأموال. ثم انطلقت حملة شائعات تبيَّن أن مصدرها بغداد، تتضمن حملة على عدد من المصارف اللبنانية، وأبرزها «عوده». لاحقاً، ظهرت معطيات تفيد بأن شخصيات عراقية تقول إنّ ودائع تعود إلى أيام حكم الرئيس السابق صدام حسين، قد اختفت من حساباتها في مصارف لبنانية، بينها مصرف «عوده».
ما حقيقة الأمر؟
في المعلومات، إن عدداً من الأشخاص تقدموا بأوراق تقول إنهم يملكون حسابات في مصرف «عوده» كما في مصارف أخرى، وإن الحسابات قيمتها تفوق مئات ملايين، بل مليارات الدولارات، وإنه جرى إيداعها خلال السنوات السابقة للغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وإن التأخير في المطالبة بها يعود إلى أسباب خاصة وظروف قاهرة. وادعى هؤلاء أن المصارف، ومن بينها مصرف «عوده» رفضت الإقرار بوجود هذه الحسابات، لتُشنّ بعدها حملة عبر مواقع التواصل، ومنها تطبيق «واتس آب».
وذكرت صحيفة “الاخبار” اللبنانية انها تلقت من أحد هؤلاء، معلومات تبيّن لاحقاً أن لا أساس لها من الصحة، وأن مصرف «عوده» على وجه الخصوص، طلب من مكتبه القانوني التحرك لمواجهة هذه الحملة، ثم جرى التواصل مع المديرية العامة للأمن العام بشخص مديرها العام اللواء عباس إبراهيم، الذي تواصل مع السلطات الرسمية العراقية، وتبادل معها المعلومات المتوافرة لدى الطرفين.
بعد ذلك، تبيّن للسلطات العراقية أنّ هناك شبكة كبيرة تضم عراقيين وغير عراقيين، وبينهم لبنانيون، وضعت خطة لابتزاز مصرف «عوده» ومصارف أخرى.
وبحسب مصادر عراقية، جرت هذه الحادثة في دول أخرى، خصوصاً بعدما باشرت الحكومة العراقية التواصل مع عدد من العواصم للكشف عن حسابات تخصّ الخزينة العراقية، إما وضعت بأسماء عراقيين من جماعة النظام السابق، أو باسم شخصيات غير عراقية. وتقول المصادر إنه أمكن استعادة أموال كثيرة إلى الخزينة العراقية، ولكن بقيت هناك حسابات عالقة في دول عدة، لا سيما تلك التي تعتمد نظام السرية المصرفية.
من جانبها، أعدّت إدارة مصرف «عوده» ملفاً متكاملاً وقدمته إلى اللواء إبراهيم الذي ناقشه مع السلطات العراقية، قبل نحو أسبوع، لتتكشف بعدها فصول القضية، حيث أفضت التحقيقات إلى معطيات صدر على إثرها بيان عن جهاز المخابرات العراقي، يوضح أنه في إطار التنسيق مع المديرية العامة للأمن العام اللبناني «تم كشف شبكة احتيال يقوم أفرادها بنشر أخبار غير صحيحة ومعلومات ملفَّقة لغرض ابتزاز عدد من المصارف اللبنانية، مدعين ملكيتهم لمستندات عن أرصدة لهم بملايين الدولارات الأميركية في تلك المصارف. وقام أفراد الشبكة بتقديم دعاوى ضد بعض المصارف، وآخرها محاولة الاحتيال على «بنك عوده»، أحد المصارف اللبنانية المعروفة، حيث ثبت أن المستندات المقدمة من قبلهم مزورة، فضلاً عن بثّهم ونشرهم أخباراً ملفّقة عن تلك المصارف. وقد تم توقيف عدد من أفراد هذه العصابة والعمل جارٍ على ضبط وتوقيف الآخرين، وذلك استمراراً للجهود المتعلقة بحماية اقتصاد البلدين، والحفاظ على علاقتهما الثنائية المتميزة».
من جانبه، كشف اللواء إبراهيم أن الملف «اكتمل لدينا الأربعاء الماضي، ما استوجب سفري إلى العراق والتنسيق مع السلطات العراقية، وأعتقد أننا نجحنا إلى حد بعيد ونحن نبحث عمّن يقف وراء هذه العصابة لأنه ليس هناك شيء بالصدفة يطاول مئات ملايين الدولارات، فالموضوع يتجاوز المليار دولار».
وقال إبراهيم إن مصرف «عوده» ليس البنك الوحيد المستهدف، «إنما هناك أكثر من مصرف كان مستهدفاً، وإنما العمليات الكبرى كانت تستهدف بنك عوده، وذلك لا يتعلق فقط بموضوع أموال وغير أموال، إنما كان هناك أيضاً استهداف عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً من العراق لتشويه واعتراض القطاع المصرفي اللبناني»، وأضاف أن التحقيقات «ستظهر إذا كانت هناك شبكات عالمية تقف خلف هذا العمل».
وحول وجود موقوفين لبنانيين في الشبكة، قال إبراهيم: «بالطبع، هذه الشبكة كبيرة، لأن استهدافاً بهذا الحجم والذي قد يتجاوز مليار دولار ليس عمل هواة أو عصابة صغيرة، ونحن نرصد هذه الشبكة منذ أكثر من سنة ونتابع ذلك في الأمن العام. وبحسب التحقيقات وما توافر لدينا حتى الآن والأسماء التي استحصلنا عليها والتي زودتنا السلطات العراقية بها، فهي فقط في العراق».
وقال إن «هذه الشبكة كانت تعتمد على تزوير الحسابات وادعاء امتلاك أرصدة مزوَّرة في المصارف، وأيضاً الاستهداف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتزوير الأوراق كانت تتم بشكل منتظم».
أما مصرف عوده، فقد أعرب في بيان له عن امتنانه للسلطات العراقيّة والمديريّة العامّة للأمن العام في لبنان، وعلى رأسها اللواء إبراهيم، وعن تقديره للسلطات القضائيّة اللبنانيّة «لدورها البارز في تأكيد سيادة القانون وإحقاق العدالة».
ونشرت صحيفة “الشرق الأوسط السعودية تقريرا في عددها الصادر اليوم الأربعاء عن القضية ذاتها ذكرت فيه ان ماهر رشيد، العراقي المقيم في كركوك، قانعا بحياته البسيطة إلى أن أتاه من يقنعه بأن ثمة 800 مليون دولار مودعة باسمه في «بنك عوده» اللبناني، وأن حصة كبيرة منها ستؤول إليه إن تعاون معهم في استرجاعها من المصرف اللبناني. فكانت النتيجة توقيفه في بيروت لأربعة أشهر بعد أن اتضح أن المستندات التي قدمها كانت مزورة، كاشفا بذلك عن رأس جبل الجليد لعصابة عراقية تحاول الحصول على أموال يقال إن النظام العراقي السابق أودعها المصارف اللبنانية تبلغ مليارات الدولارات بأسماء أشخاص توفوا أو انقطعت أخبارهم، وبينهم من لا يجرؤ على الظهور علنا.
ومن قصة رشيد، التي فتحت المجال أمام التحقيقات اللبنانية في فبراير (شباط) الماضي، بدأت تتوالى المعلومات عن أكثر من محاولة مشابهة مع أكثر من مصرف لبناني. وكشف مصدر لبناني لـ«الشرق الأوسط» عن وصول أشخاص عراقيين إلى بيروت قبل يومين حاملين مستندات يقولون إنها تثبت وجود 400 مليون دولار عائدة لهم في مصارف لبنانية، محاولين توكيل مكاتب محاماة لبنانية للمطالبة بها، مؤكدين أنها وضعت في مصرفين لبنانيين كبيرين عام 1999، غير أن هؤلاء ما لبثوا أن تبخروا مع شيوع خبر توقيف العصابة الأساسية في العراق. وقالت المصادر إن السلطات اللبنانية تحاول التأكد من وجود هؤلاء على الأراضي اللبنانية أو مغادرتهم.
وتقول مصادر مطلعة على الملف لـ«الشرق الأوسط» إن بعض الوثائق كانت على قدر من الجدية، لكنها لم تحمل إثباتات كافية، ليتبين أن أصحابها قد يكونون مطلعين فعلا على وجود حسابات من هذا النوع ولديهم بعض الوثائق بشأنها، أو أنهم يشكّون بوجودها ويزورون الوثائق على أساس هذه المعلومات.
وعمدت العصابة في أكثر من أربع حالات موثقة إلى محاولة الحصول على أموال من مصارف لبنانية، كما عمدت في حالات أخرى إلى محاولة ابتزاز هذه المصارف بالحصول على أموال منها لقاء «السكوت» أو التهديد بنشر حملات تشكيك وتشويه بأعمالها، خصوصا تلك التي تنشط في العراق.
وأفادت مصادر في الأمن العام اللبناني «الشرق الأوسط» بأن العملية تمت بتنسيق تام بين الأمن العام اللبناني وجهاز المخابرات الوطني العراقي، واستدعى الأمر انتقال المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى بغداد لمتابعة الملف. وأوضحت المصادر أن الأمن العام اللبناني رأى في العملية «تهديدا لسمعة القطاع المصرفي، ما استدعى تحركا عاجلا» مشيدا بالتجاوب العراقي السريع مع الموضوع. وأشارت المصادر إلى أن العصابات قامت بتزوير مستندات تتعلق بموجودات في المصارف اللبنانية، كما مارست ابتزازا بحق هذه المصارف وتهديدات بتلويث سمعتها وبث الشائعات حولها، موضحة أنه لا يوجد لبنانيون بين المتورطين بهذه العمليات حتى الساعة.
وكان بيان للأمن العراقي، أعلن عن كشف شبكة احتيال يقوم أفرادها بنشر أخبار غير صحيحة ومعلومات ملفقة بهدف ابتزاز عدد من المصارف اللبنانية مدعين ملكيتهم مستندات عن أرصدة لهم بملايين الدولارات الأميركية في تلك المصارف، موضحا أن أفراد الشبكة قاموا بتقديم دعاوى ضد بعض المصارف وآخرها محاولة الاحتيال على «بنك عودة» أحد المصارف اللبنانية المعروفة، حيث ثبت أن المستندات المقدمة من قبلهم مزورة، فضلا عن بثهم ونشرهم أخبارا ملفقة عن تلك المصارف.
من جهته، أصدر بنك عودة بيانا أعرب فيه عن «فائق شكره لجميع السلطات المعنيّة التي أدّت جهودها المكثّفة وعملها الدؤوب إلى تطبيق القانون بحقّ مرتكبي هذه الأعمال الجرميّة».
وقال في بيانه «إننا نعبّر عن امتناننا تجاه السلطات العراقيّة والمديريّة العامّة للأمن العام في لبنان، على رأسها اللواء عبّاس إبراهيم، وعن تقديرنا للسلطات القضائيّة اللبنانيّة لدورها البارز في تأكيد سيادة القانون وإحقاق العدالة. ينتهز بنك عوده هذه المناسبة ليشكر عملاءه وأصحاب المصلحة على ثقتهم الكبيرة، ولتجديد تعهده بصيانة موقعه وسمعته المتميّزَين في القطاع المصرفي في لبنان والخارج».
وكانت السلطات القضائية اللبنانية ادعت في فبراير الماضي على شبكة مؤلفة من 3 أشخاص، أحدهم موقوف والآخران فاران بتهمة محاولة الاحتيال على بنك عوده والادعاء بأنهما يملكان وثائق تثبت تسلم كل منهما مبلغ 400 مليون دولار من أحد مديري البنك، فريدي باز، ومديره العام الحالي سمير حنا. وأوضح المحامي حسين قازان لـ«الشرق الأوسط» أنه «كان قد تلقى اتصالا من أحد الأشخاص العراقيين طالبا موعداً للاجتماع به في مكتبه في بيروت، وبالفعل حصل اللقاء مع عدة أشخاص ومن بينهم المدعو ماهر رشيد الذي شرح أنه يملك وديعة مصرفية في بنك عوده في لبنان بقيمة إجمالية وقدرها ثمانمائة مليون دولار أميركي طالبا تحصيلها سواء عبر المفاوضات وسواء عبر القضاء». وقد تم تزويد المحامي بصور مستندات تثبت وجود الوديعة، وقد أكد المدعو ماهر صحتها. وقال قازان إنه نبه موكله المذكور إلى المسؤولية التي سوف تترتب عليه في حال كانت تلك المستندات غير صحيحة.
وبعد أن أصبح المحامي وكيلا قانونيا عن المذكور تواصل مع مكتب سمير حنا وهو مدير عام بنك عوده، طالبا ترتيب اجتماع للبحث بأمر الوديعة وجرى الاتفاق على حصول الاجتماع بين المحامي قازان ووكيل المصرف الذي نفى صحة المستندات التي تثبت الوديعة وذلك قبل ودون أن يعرض وكيل المصرف المستندات على مدير عام بنك عوده الذي يظهر توقيعه على وديعة بقيمة 400 مليون دولار ودون عرض مستند آخر بوديعة بقيمة 400 مليون دولار على فريدي باز، الذي يظهر توقيعه عليها. وبعد ذلك وجه المحامي قازان بوكالته عن المدعو ماهر رشيد إنذارا للمصرف طالبا إيداع موكله قيمة الوديعة ولكن جواب المصرف جاء لينفي وجود أي وديعة بالمصرف عائدة لذلك الشخص.
ويظهر القرار الظني الذي صدر عن القضاء اللبناني أن رشيد اعترف في التحقيقات أنه قبل 3 أشهر من توقيفه تلقى اتصالا من صديق له يدعى فؤاد رسمي محمد يعلمه أن السيد سلام الحاجم بحوزته وثائق تثبت وجود ودائع عائدة لرشيد في أحد المصارف اللبنانية بقيمة 800 مليون دولار أودعها النظام العراقي السابق باسمه من دون معرفته. وعرض عليه المساعدة في الحصول عليها والتكفل بكل المصاريف الأخرى، علما بأن الآخرين تواريا عن الأنظار، فيما عجز رشيد حتى عن تأمين نفقات محام للدفاع عنه خلال توقيفه.