الرئيس الأمريكي و” الدولة العميقة “
ربما من الخطأ الاستنتاج أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الذي يختار ويوجه القرارات للإدارة الأميركية بعد كل هذه الفضائح التي طالته في كل وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، ومن بينها الاتهامات التي وجهت له في السنتين الماضيتين بالفوز بالانتخابات الرئاسية بمساعدة اختراق روسي للمعلومات داخل الولايات المتحدة وفي ساحة الانتخابات.
ومع تزايد الفضائح والاتهامات والخروقات التي تلتصق بترامب، وبسبب قلة خبرته في العمل السياسي، يبدو أن الجمهوريين والمحافظين الجدد على وجه الخصوص، فضلوا استغلاله وابتزازه لتمرير سياسيات متشددة قد تصل إلى درجة التورط بحرب مباشرة مع روسيا في المنطقة، فقد أصبح لعبة بين أيديهم بطوعية وهو الذي أعلن قبل أسبوع أن إعداد ملف لفصله عن الرئاسة بعد كل هذه الفضائح والخروقات سيجعل الولايات المتحدة تدفع ثمناً كبيراً في سياساتها الخارجية وفي مصالحها، وكأنه يقول لهم: «استخدموني ولا تقوموا بإقالتي عن طريق الكونغرس ومجلس النواب».
يرى المختصون في الولايات المتحدة بشؤون السياسة الخارجية وقوانين الكونغرس أن الذي يحكم الآن هو وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية مايك بومبيو إلى أن تظهر نتائج الانتخابات النصفية المقبلة للكونغرس ومجلس النواب في تشرين الثاني المقبل، ويصبح أعضاء الحزب الديمقراطي أغلبية بموجب استطلاعات الرأي الأميركية فيحددوا جدول عمل داخلياً وخارجياً لإخراج البلاد من الورطات التي ولدها انتخاب ترامب رئيساً.
السؤال الذي يستمد من هذا الوضع الأميركي حتى موعد ما بعد الانتخابات النصفية: هل يمكن لمن يحكم الإدارة الأميركية الآن توريط ترامب بحرب أو ما يشبه المجابهة العسكرية المباشرة الأميركية ضد حلفاء روسيا في المنطقة؟
في السادس من أيلول الجاري نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» عنوان مقال تعليقاً على مقال رأي لأحد المسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية من دون ذكر اسمه، كتبت فيه أن هناك «عصابة سرية داخل الإدارة الأميركية تعد مؤامرة لإحباط جدول عمل ترامب وتعرض نفسها كمقاومة بطولية من الداخل، لكن الكثيرين يعدونها نتاج الدولة العميقة غير الديمقراطية والخطرة»، ويتساءلعضو الكونغرس المناهض للحروب الأميركية رون بول: «أليست دولة الاستقرار الثابتة» هي عبارة بديلة لـ«الدولة العميقة»؟
ويحذر رون بول من توريط الأمر الواقع بما يزيد الأخطار بدلاً من إيجاد الحلول الممكنة.
ويرى رئيس تحرير مجلة أنتي وور الأميركية المناهضة لسياسة الهيمنة والحروب الأميركية جوستين ريموندو في افتتاحية المجلة في العاشر من أيلول الجاري تحت عنوان: «دكتاتورية الدولة العميقة تخرج من الخزانة» أنه حذر منذ نيسان الماضي من ظهور «مقاومة» داخل البيت الأبيض لمنع تنفيذ سياسة سلمية عالمية كان ترامب قد تعهد بها تجاه روسيا والصين والعالم في حملاته الانتخابية وبرنامجه بعد فوزه بالرئاسة، وأضاف ريموندو متسائلاً: «هل أصبح الرئيس ترامب رهينة مخطوفة»؟
يشير إلى أن مقال الرأي الذي كتبه المسؤول الأميركي الذي لم يظهر اسمه في «نيويورك تايمز» يرد فيه اعتراف من كاتب المقال بوجود مجموعة تدير السياسة الأميركية بدلاً من ترامب حين ييقول: «أنا أعرف ذلك لأنني فرد منها».
يكشف ريموندو أن مجموعة من المسؤولين في إدارة ترامب يكذبون ويخربون أمام عجز ترامب عن «تقليص الضرر الذي يشكلونه على السياسة التي يرغب فيها»، ويصفهم «بفرق تشجيع الحروب» الذي لم يتمكن أحد من تحييد دورهم ونفوذهم داخل الإدارة الأميركية.
ويرى ريموندو أن هؤلاء يثبتون سياسة دولة «الاستقرار الثابت» وليس «الدولة العميقة» لأن
«الاستقرار الثابت» هو متابعة التدخل العسكري والسياسي الأميركي في العالم مهما كانت النتائج الإجمالية لهذا التدخل ما دام مستمراً.
الحقيقة: إن نتائج هذه السياسة تبدو واضحة منذ تبناها أخطر المحافظين الجدد من بوش الابن إلى ديك تشيني ورامسفيلد في أفغانستان والعراق وضد سورية وإيران، فقد تلقت هذه السياسة الأميركية هزائم لا تزال آثارها واضحة على جميع المستويات بل إن هذه الهزائم هي التي بدأت تفرض وجود عالم متعدد الأقطاب الكبرى الدولية ومتعدد الأقطاب الإقليمية وزيادة دورها وفي مقدمها القطب الإقليمي محور المقاومة الذي يتسع ويتوسع بتحالفاته الإقليمية والدولية.
تحسين الحلبي – سوريا