تحذير من سهولة انفراط العلاقات الزوجية وارتفاع نسب الطلاق في العراق
عام 1995 أطلق رائد الرواية العراقية الحديثة القاضي الراحل فؤاد التكرلي “خاتم الرمل”، والرواية لمن يقرأها مؤخرا ستمثل له نبوءة لما يجري في محاكم الأحوال الشخصية الآن.
الخاتم رمز العلاقة الزوجية وعلامة اكتمالها، يراه التكرلي في عنوان روايته هشاً، مثل بيت رمليّ يبنيه الأطفال على الشاطئ فتنثره المويجة الصغيرة بسهولة، حتى أن التكرلي وهو الخبير الذي قضى سنين في محاكم الأحوال الشخصية ببغداد أنهى الرواية بافتراق زوجين.
وكمثل خاتم من رمل تبدو اليوم العلاقات الزوجية، فمن بين كل خمس زيجات تنتهي واحدة إلى الطلاق، كما تشير أرقام المحاكم في الإحصاءات التي يوفرها مجلس القضاء الأعلى.
وطبقاً للأرقام فأن مجموع حالات الطلاق وصل إلى 516.784 حالة خلال عشرة أعوام من 2004-2014، في وقت كان مجموع حالات الزواج 2.623.883 خلال هذه المدة، ما يعني أن حوالي 20% من الزيجات انتهت بالطلاق.
وتكشف الأرقام عن تطور خطير في هذه الظاهرة التي تتشعب أسبابها، وتحذر المحاكم على الدوام من سهولة انفراط عقد العلاقات الزوجية، فغالبا ما يكون ميل الأزواج المتخاصمين إلى الطلاق أكثر منه إلى الصلح من دون أي يبالوا بالنتائج الوخيمة للانفصال.
ويرى القاضي عبد الستار بيرقدار المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى في بيان ورد لشفق نيوز أن “الطلاق مشكلة عصرية لا تستهدف العراق فقط إذا ما قارنا الأرقام مع الدول المجاورة”.
وقال بيرقدار إن “زيادة الطلاقات في البلاد نتيجة طبيعية لازدياد الكثافة السكانية وتالياً زيادة الزواجات، فإذا أجرينا مقارنة بين حالات الطلاق اليوم مع الأرقام سابقاً، لا بد أن تقابلها مقارنة أخرى بين حالات الزواج، فالطلاقات والزيجات تتضاعف بالتوازي مع الكثافة السكانية”.
وذكر أن “أغلب حالات الانفصال تقع بين من لم تمض عليهم أشهر من الزواج مع وجود حالات أيضاً في مرحلة الخطوبة، ومعظم هذه الطلاقات تقع خارج المحكمة عبر أصحاب المكاتب الشرعية، اذ يصل الزوجان إلى القاضي وهما في مرحلة انفصال تام ويضعان القاضي أمام الأمر الواقع لتصديق الطلاق”.
ويستهدف الطلاق غالباً فئة الشباب، ففي بابل مثلا سجلت المحاكم خلال أربع سنوات 12662 طلاقاً بين الشباب، وهذا الرقم شمل فقط الفئات بين 15-30 عاماً.
ويقول القاضي قاسم فخري إن “القضاة يبذلون مساعي حثيثة للحيلولة دون وقوع حالات الطلاق لاسيما إذا كانت الخلافات بسيطة، لكن من دون جدوى”.
ويرى فخري أن “برود العلاقة الزوجية يعود إلى انخفاض المستوى الثقافي وعدم نضج الزوجين بالشكل الذي يؤهلهم للارتباط. وبسبب عدم احتكاكهم بالمجتمع وانعدام التجارب الحياتية، لذلك فأن أبسط مشكلة تؤدي إلى انهيار الزواج”.
ويبدي فخري قلقه من “عدم تواصل الزوجين وسعيهم لحل المشكلات”، مؤكدا أن “90 % من الطلاقات تقع خلفها أسباب بسيطة ومشكلات تعتري أي زوجين يمكن تجاوزها، لكن غالبا ما يكون السعي للانفصال هو الأكبر”.
وهو يتذكر العديد من الأمثلة التي واجهته من هذه الطلاقات لم ينس فخري أن “زوجين أنهيا ارتباطهما من أجل ساندويتش”، ويقول “على الرغم من الجهود التي بذلتها المحكمة في تأجيل الدعوى ومحاولة الإصلاح، إلا أن تدخل ذويهما أسفر عن المضي بإجراءات الطلاق”.
وحددت المحاكم أسبابا كثيرة للطلاق، من بينها التطور التكنولوجي ودخول مواقع التواصل الاجتماعي التي تعود إليها نسبة غير قليلة من طلاقات اليوم.
ويقول فخري إن “الدعاوى التي تستقبلها المحاكم زادت تدريجيا إلى أرقام مخيفة، حتى أن بعض الزيجات لم تدم أشهراً، وكان للتطور التكنولوجي أثر في إنهاء العلاقات أو ديمومتها”، لافتا إلى أن “دخول التكنولوجيا الحديثة لم يكن تدريجيا بشكل يمكن أن يستوعبه المجتمع، بل بشكل مفاجئ أحدث خللا في التوازن بين الانفتاح على الآخرين والتحفظ على التقاليد القديمة، ما شكّل هوة كبيرة في العلاقات الأسرية”.
من جانبها ترى أستاذة علم الاجتماع فوزية العطية أن “الظروف التي مرت بها البلاد من حروب وتهجير وهجرة أثرت على حياة المجتمع وانعكست بشكل سلبي على الأسرة”.
وتقول العطية إن “بنية المجتمع تغيّرت إلى عدم الاكتراث بالحياة الزوجية وحياة الأطفال”، مشيرة إلى أن “أسبابا كثيرة وراء ارتفاع الطلاق منها الزواج المبكر، أما السبب العصري هو مواقع التواصل الالكترونية التي تضع الزوجين في عالمين مختلفين”.
وتحذّر العطية من “استفحال هذه الظاهرة التي يقع علاجها على عاتق كل المؤسسات ومنها الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي ينبغي أن تضع منهجا لإعادة بناء الشخصية والتنبيه على مخاطر الطلاق على المجتمع”، كما دعت إلى “استغلال المناسبات العامة في تمتين العلاقة الزوجية بالشكل الذي يعيد إلى العائلة مرة أخرى رونق العادات والتقاليد الأسرية العراقية”.
عام 1995 أطلق الراحل التكرلي “خاتم الرمل” رسالة وتحذيرا لبرودة العلاقات وسهولة انفراطها، واليوم بعد 28 عاما يبدو أن “خاتم الرمل” أصبح “خاتم هواء”!