ما دَوْر اغتيال الخاشقجي في تَغييرِ المَوقِفَين الأمريكيّ والأُوروبيّ لإنهاءِ حرب اليَمن ؟ عطوان يتحدث ..
ما دَوْر اغتيال الخاشقجي في تَغييرِ المَوقِفَين الأمريكيّ والأُوروبيّ لإنهاءِ الحَرب في اليَمن ووَقفِ الغارات فَوْرًا؟ هَل باتَ الحَل السِّياسيّ وَشيكًا؟ وهَل سَلَّمَ التحالف السعوديّ الإماراتيّ أخيرًا بعَدمِ القُدرَة على الحَسمَ العَسكريّ؟ ولماذا وَقَفْنا مُنذُ اليَوم الأوّل في خَندقِ الشَّعب اليَمنيّ وتَوقَّعنا هَذهِ النَّتيجة؟
عبد الباري عطوان
إذا كانَت هُناك إيجابيّة واحِدَة لاغتيال الصِّحافيّ السعوديّ جمال الخاشقجي بَطريقةٍ دَمويّةٍ بَشِعةٍ لا يُمكِن أن يُقدِم عليها بشر، فإنّها يُمكِن أن تتمثّل في تَزايُد احتمالات إنهاء الحَرب اليمنيّة، وإعادَة الاستقرار والأمن إلى هذا البَلد الشَّقيق الذي يَنْضَح عُروبةً وكَرامَةً وكَمٍّ هائِلٍ مِن قِيَم الشَّجاعة والشَّهامَة والإبَاء.
اعترافُ القِيادة السعوديّة بالوقوف خَلف هَذهِ الجَريمة، واعتقالِها 18 شخصًا مِن أعضاء فَريقِ الموت الذي نَفَّذها وتسليمها بأنّ العمليّة كانَت مُدبَّرةً مُسبَقًا، بعد اطِّلاعِها على أدلَّةٍ تركيّةٍ دامِغة، وتَزايُد حِدّة الغَضَب العالميّ تُجاهَها، حَشَرَها في زاويةٍ صَعبَةٍ، وأضعَفَ مَوقِفَها مَحَليًّا ودوليًّا، ونَقَلها مِن مَوقِع الهُجوم إلى مَوقِع الدِّفاع، والبَحث بكُل الطُّرق والوسائِل لتَجاوز هَذهِ الأزَمَة مهما كانَ حجمُ الخَسائِر الماليّة أو السِّياسيّة.
***
فَجأةً عادَت الحَرب اليمنيّة “المَنسيّة” إلى العَناوين الرئيسيّة، وتعالَت الأصوات التي تُطالِب بوقْفِها فَوْرًا، والدَّعوةِ إلى مُفاوضاتٍ تَنخَرِط فيها الأطرافُ المَعنيّة للوُصولِ إلى حَلٍّ سِياسيٍّ دائِمٍ.
ـ أوّلًا: سَمِعنا جيم ماتيس وزير الدِّفاع الأمريكيّ يدعو (الثلاثاء) إلى وَقفٍ لإطلاقِ النّار في غُضون 30 يومًا، وتَبنّى المَطلَب نفسه وزير الخارجيّة مايك بومبيو الذي طالَب التحالف الذي تَقودُه المملكة العربيّة السعوديّة بوَقفِ كُل الغارات الجويّة في المَناطِق المأهولةِ فَوْرًا.
ـ ثانيًا: إعلانُ مارتين غريفيت، المَبعوث الدوليّ إلى اليمن، استمرار التزامِه بجَمعِ جميع الأطراف اليمنية حول مائِدة المُفاوضات في غُضونِ شَهر (لاحظوا التَّنسيق)، لأنّ الحِوار هو الطَّريق الوَحيد للوُصولِ إلى اتِّفاقٍ شامِلٍ.
ـ ثالثًا: وزيرة الدِّفاع الفرنسيّة فلورنس بارلي قالَت لقد حانَ الوقت لتتوقَّف الحرب في اليَمن، مُكرِّرةً استنكارَها للأزمةِ الإنسانيّة واستمرارَها، بينَما أكَّدت تيريزا ماي، رئيسَة وزراء بريطانيا، أنّها على اتِّصالٍ مع الوِلايات المتحدة للدَّفع باتِّجاهِ حَلٍّ سِياسيٍّ دائِم.
رابِعًا: مارك لوكوك، مُساعِد الأمين العام للأُمم المتحدة، أكَّد أمس أنّ 14 مِليون يمنيّ على حافَّةِ المَجاعة، وأنّ الوفيّات مِن جرّاء سوء التَّغذِية، أو انعدامِها، تتضاعَف في صُفوفِ الأطفال خاصَّةً في ظِل انعدامٍ شِبه كامِل للعِناية الصحيّة ومُواجَهة الأوبِئَة وعلى رأسِها الكوليرا.
جميع هَذهِ الحُكومات الغربيّة، والأمريكيّة والفرنسيّة والبِريطانيّة تحديدًا، كانَت مِن أبرز المُؤيِّدين لهَذهِ الحَرب، والداعمين للتَّحالُف السعوديّ الإماراتيّ بالسَّلام والذَّخائِر، وقدَّمت الصَّفَقات، وما تَدرّه مِن مِليارات على المَبادئ وقِيَم حُقوق الإنسان، وما دَفَعها للتَّراجُع عَن هَذهِ المَواقِف المُخجِلة هو إطالَة أمَد الحَرب، واقتِرابِها مِن بداية العامِ الخامِس دُونَ تَحقيقِ أيٍّ مِن أهدافِها.
مُنذُ اليوم الأوّل، ومُنذ الغارةِ الأُولى، وَقَفنا ضِد هَذهِ الحَرب، وتنبّأنا بثِقةٍ عارِمةٍ بفَشَلِها، في وَقتٍ كان الكَثيرون يُخالِفوننا الرأي، ويتَوقَّعون الحَسم في غُضونِ أسابيع، لأنّه لا يُوجَد مُقارنةً بين قُوّة التَّحالُف العَسكريّة الجبّارة المُدعَّمةِ بأحَدثِ الطائرات الأمريكيّة، وقُوّة الضحيّة اليمنيّة المُستَهدفة، وشِبه البِدائيّة، واستفحالِ الانقسامِ في اليمن الخارِج لتوّه مِن حربِ استنزافٍ داخليّةٍ تَحتَ عُنوان ثَورَة “الرَّبيع العربيّ”.
تَوقَّعنا فَشَلَ هَذهِ الحَرب لأنّنا نَعرِف الشَّعب اليمنيّ وتاريخِه الحافِل بالبُطولات والانتصارات، وإلحاقِ الهَزائِم بالامبراطوريّات الغازِيَة، مهما كانَت قوّتها وجَبروتها، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود كانَ حَكيمًا عِندما طلب من ولديه الأميرين سعود وفيصل العودة فَورًا وعدم البقاء في الأرضِ اليمنيّة ساعَةً، وقال لمُستشارِه عبد الله فيلبي، الذي عارَضه في ذلك “اسكت أنتَ لا تَعرِف اليمن.. إنّه مَقبَرة الغُزاة”، ومِن المُؤسِف أنّ مَن أشْعَلَ فتيل هَذهِ الحَرب لم يَقْرَأ التَّاريخ، ولم يَطَّلِع على الجُغرافيا، نَقصِد تاريخ اليمن وجُغرافيّته، خاصَّةً الدِّيموغرافيّة مِنها.
***
المَسؤولون الأمريكيّون الذين أفاقوا فَجأةً على الحَرب في اليمن ويُريدون إنهاءها في أيّامٍ مَعدودةٍ، لم يَنْطَلِقوا مِن الحِرص على دِماء الشَّعبِ اليَمنيّ وأرواحِه، وإنّما لإيجادِ مَخْرَجٍ للتَّحالُف الذي تَقودُه السعوديّة مِن هَذهِ المِصيَدة التي دَمَّرت صُورَته في العالم، واستنزَفَت ثَرواتِه (تكاليف الحَرب 9 مِليار شَهْريًّا)، وباتَت تُهَدِّد بإعطاءِ نتائِجٍ عكسيّة أبرَزها تَفكيكُ المملكة، وزَعزَعة أمنها واستقرارها، واستنزافها ماليًّا، وتَدميرُ اقتصادِها، واقتصاد حَليفِها الإماراتيّ، مِن جرّاءِ إطلاقِ صواريخ أكثَر دِقَّةً في إصابَةِ أهدافِها.
رُبّما نكون قَد بالَغنا قَليلًا في نَسْبِ هَذهِ “الهَبّة” لوَقفِ الحَرب إلى اغتيالِ الخاشقجي، وانعكاساتِها على المملكة العربيّة السعوديّة، ولكنّنا ننسِب الفَضْل، ومُعظَمُه تَحديدًا إلى الشعب اليمنيّ الذي قاتَل بشَراسةٍ دِفاعًا عَن أرضِه وكَرامَتِه وتاريخه وعُروبته، فلَولا هذا الصُّمود البُطوليّ لما استمرّت هَذهِ الحَرب أربَع سنوات تَقريبًا، إنّها الحَقيقة التي لا يُمكِن تجاوزها بأيِّ شَكْلٍ مِن الأشكال.
كان لدينا ثِقة راسِخَة بأنّ التحالف السعوديّ الإماراتيّ خَسِر هَذهِ الحرب عِندما عَجِزَ كُلِّيًّا عَن السّيطرة على مدينة الحديدة رغم أشهُرٍ مِن القِتال والقَصفِ الجَويّ والأرضِيّ، والاستعانةِ بكُل قُوّات الأرض.
سنَظَل نَقِف في خَندقِ اليمن، كُل اليمن، في مُواجَهة هذا العُدوان حتى يَنتَهِي، ويعود اليمن مُستَقِرًّا سَليمًا ومُعافىً، ومُتصالحًا مُتسامِحًا على أرضيّة الهُويّة الواحِدة الوطنيّة الجامِعة والمُوحَّدة، ولا نَعتقِد أن هَذهِ الأماني صَعبة عِندما نَتَحدَّث عَن أهلِ الحِكمَة اليَمانيّة الرَّاسِخة في جُذورِ التَّاريخ.. وإنّ غَدًا لناظِرِهِ قَريب.