ماذا سيحدث حين تنسحب الولايات المتحدة من العالم؟
بعد الحرب العالمية الأولى، التي مرت الذكرى السنوية المائة على انتهائها قبل نحو شهرين، توجه الرئيس الأميركي وودرو ويسلون إلى أوروبا للمشاركة في مؤتمر للسلام في باريس، على أمل أن يرسخ أسس الديمقراطية المستقبلية.
ورغم ذلك لم يعم السلام العالم سوى سنوات قليلة، إذ اندلعت الحرب العالمية الثانية بعد نحو 30 عاما على تلك الحرب، فأكلت الأخضر واليابس، وقتل عشرات الملايين من البشر، بينما ظهرت بؤر للصراع في مناطق مختلفة من العالم مازالت تستعر هنا وهناك بين الحين والآخر.
المؤرخة الكندية والأستاذة في جامعة أكسفورد مارغريت ماكميلان، مؤلفة كتاب “صانعو السلام”، الذي يتناول مؤتمر باريس 1919، قالت إن المشاركين في ذلك المؤتمر شعروا بأنهم فعلوا ما بوسعهم لإحلال السلام وديمومته “ولم يكن لديهم أي وهم بأنهم حلوا كل مشكلات العالم”.
وأضافت أن زعماء العالم آنذاك اصطدموا بأسئلة أكبر وأعمق مثل “كيف يمكن احتواء مشاعر القومية والدين قبل أن يتسببا بدمار أكبر للعالم؟” و”كيف يمكن جعل الحرب خروجا على القانون”؟
بين الانعزالية والالتزام الدولي
وبينما نطوي صفحة العام 2018، يبدو أن العالم لم يتمكن من إيجاد حل لهذه الأسئلة حتى الآن، فالحروب الأهلية تندلع وبعضها مستمر مثل الحرب الأهلية في سوريا، التي بدأت تدخل مرحلة جديدة إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه سحب قواته من الدولة التي تمزقها الحرب الأهلية منذ 8 سنوات.
والمسألة لا تتعلق بسحب هذه القلة من الجنود الأميركيين في سوريا أو خفض الوجود الأميركي في العراق وأفغانستان، بل بمدى التزام الولايات المتحدة بالمنطقة وأمنها.
وبخلاف وودرو ويلسون الذي أراد ترسيخ الديمقراطية في العالم، يبدو أن ترامب “رئيس انعزالي”، إذ كان قد أوضح أثناء حملته الانتخابية أنه لن يخوض أي حرب خارجية، وهو ما كرره تقريبا أثناء زيارته للجنود الأميركيين في العراق في عطلة عيد الميلاد.
وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن ترامب على ما يبدو ملتزم بوعده، حتى وإن أحرج أقرب المقربين إليه.
الشرطي العالمي
حتى الآن، لم تنسحب الولايات المتحدة من المشهد الدولي بشكل كامل، لكن رسالة ترامب كانت واضحة تماما، وهي أن الولايات المتحدة لن تلعب دور الشرطي العالمي، وأنه إذا كانت الدول المجاورة لمناطق الصراعات معنية بتلك الصراعات فعليها أن تتعامل مع ذلك الأمر بنفسها.
ويبدو أن هذا التصريح يعني أن على الدول الأوروبية أن تتعامل مع مخاوفها بشأن روسيا، وأن على دول الشرق الأوسط أن تتعامل بنفسها مع تهديدات داعش.
ويبدو أن إيران هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي يتعامل معها ترامب بوصفها واحدة من أولويات سياسته الخارجية، ولكنها وضعته في ما يشبه التناقض مع الدول الغربية الأخرى التي ترفض الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران.
ومن الواضح أن انسلاخ الولايات المتحدة عن المشهد الدولي يترك الدول الهشة التي اعتمدت في الحماية على القوة العسكرية والدبلوماسية الأميركية معرضة للخطر، كما أنها ليست مستعدة لمثل هذه الخطوة.
فقد اشتكى وزير الخارجية الألماني من القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا، في حين أن ألمانيا لم تفي بالتزامها تجاه حصتها من الإنفاق في حلف الناتو حتى فيما يتعلق بالدفاع عن حدودها.
وكان ترامب قال إنه لن يطلب من دافعي الضرائب الأميركيين أن يمولوا الدفاع عن أوروبا، ولذلك ينبغي على الأوروبيين أن يصحوا قريبا ويبدأون بالاستعداد لمواجهة الأخطار بأنفسهم.
الحرب التجارية
وبعد التراجع الأميركي سياسيا عن المسرح الدولي، سوف ينصب التركيز بالتأكيد على العلاقات بين بكين وواشنطن، خصوصا بعد اندلاع الحرب التجارية بينهما، التي يفترض أن تعاود معاركها في الأول من يناير بعد هدنة مؤقتة بينهما، إثر محادثات بين ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ.
وكان ترامب صرح مؤخرا أن هناك “تقدما كبيرا” تحقق على صعيد التوصل لاتفاق بين أكبر اقتصادين في العالم، الأمر الذي قد يهدئ مخاوف أسواق المال العالمية ويمنح بعض الثقة للاقتصاد العالمي، وربما يقلل التوتر العالمي.