ماذا تريد أوروبا من قمة شرم الشيخ ؟ قنديل يتحدث ..
لا ينتظر البحث في القمة العربية الأوروبية من زاوية التفكير بمبادرات يقف الحكام العرب وراءها بحسابات التأثير في رسم المعادلات الدولية والإقليمية، والتحكم بمسارات ما يُكتب لهم من وراء البحار. فالقمة تمّت بدعوة عربية لكن ترجمة لقرار أوروبي جاء تعبيراً عن الشعور بالمخاطر التي تختزنها الفوضى التي تهدّد حوض البحر المتوسط وما ينعكس عنها من نتائج على الأمن الأوروبي، وذلك بعد قمة جمعت العرب والأوروبيين قبل عام في البحر الميت، واقترحوا خلالها تثبيت قمة دورية عربية أوروبية، وتولّت مصر استضافة القمة الأولى.
يراقب الأوروبيون العجز العربي عن السير بالسقوف الأميركية العالية كلامياً وسياسياً، والمعدومة القدرة والأدوات عملياً ومادياً، سواء ما يتصل بمستقبل الرؤى الأميركية للقضية الفلسطينية أو بمستقبل العلاقات بإيران، حيث المواقف الأميركية المتزامنة مع قرارات بالانسحاب تطبَّق على البارد، تتبنى سقوفاً إسرائيلية، لم ينجح العرب الراغبون بالسير بها في إيجاد الأرضية التي تمكنهم من مجاراتها، خصوصاً في ما يخصّ صفقة القرن التي تنتهي بتثبيت احتلال «إسرائيل» للقدس، وقد فشل العرب بإيجاد شريك فلسطيني يقدّم التغطية لتمرير الخيارات الأميركية.
يعرف الأوروبيون أن مضي واشنطن بالسير بخياراتها العالية السقوف تجاه القضية الفلسطينية وإيران، بالتزامن مع خيار مرادف يجري تثبيته هو الانسحاب من المنطقة الممتدة بين أضلاع مثلث سورية واليمن وأفغانستان، سينتج خلال سنوات درجة أعلى من الفوضى في هذا الحوض الجغرافي الكبير الذي يتوسطه العرب، وستتحوّل الصراعات غير القابلة للحسم بيئة مفتوحة على توازن سلبي بين المتقابلين في ساحات المواجهة، تضعف فكرة الدولة والاستقرار، وتنشئ قدراً عالياً من السيولة الأمنية، يتجذر فيها الإرهاب ويكثر منها النازحون.
لا يجرؤ الأوروبيون على التفكير ببناء حلف موازٍ لما تريده واشنطن، رغم ظهور القمة العربية الأوروبية بهذه الصيغة لتزامن انعقادها مع مؤتمر وارسو الفاشل الذي غابت عنه القيادات الأوروبية، فجاءت قمة شرم الشيخ بدون أميركا وبحضور شركاء وارسو ذاتهم بحضور أوروبي لمناقشة المواضيع ذاتها كأنها رد على وارسو، بينما الذي يريده الأوروبيون هو إيجاد إطار لحلفاء أميركا المتضررين من رعونتها لتنسيق كيفية التعامل مع نتاج هذه الرعونة، من دون الانعتاق من الحبل الأميركي الذي يطبق على رقاب الجميع من حضور وارسو وشرم الشيخ.
القمة التي غاب عنها الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية منعاً لوقوعها في مكان يستثير الغضب الأميركي محاولة لاستجداء الاستقرار من الأميركي، الذي قرّر بوعي أنه يتعامل مع حلفاء لا يقيم لهم ولمصالحهم ولاستقرار بلدانهم أي اعتبار، محاولة خجولة لرسم سياسة عربية أوروبية، يخشى أصحابها رفع الصوت بوجه الأميركي على طريقة شارل ديغول وجمال عبد الناصر، والإعلان عن قرار مستقل وسياسة مستقلة، على قاعدة أن هذا الحوض الجغرافي لدول العالم القديم يشكل وحدة جيوسياسية وجيواقتصادية، يعرف أصحابها مصالحهم، وطالما قرّر الأميركي مغادرتها، فأهلها أقدر على إدارتها، وأعلم بمصالحها.
تصاعد الرعونة الأميركية والطريق المسدود بوجهها وحدهما قد يتكفلان ببث الروح في هذه القمة وتحوّلها خشبة خلاص ترتضيها واشنطن في لحظة تفاقم العجز، وربما تكون أوروبا تنتظر هذه اللحظة ببرود لا يستفز واشنطن قبل الأوان.
ناصر قنديل