أطولهم حكما للجزائر…من هو عبد العزيز بوتفليقة؟
لوقت طويل، كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يوصف برجل المصالحة الوطنية الذي جلب السلم للجزائر بعد عقد من الحرب الأهلية. أما اليوم، فهو، بالنسبة إلى كثيرين، الرجل الذي يتشبث بالحكم، رغم المرض الذي يقعده، والرفض الشعبي لتجديد ولايته مرة خامسة.
واحتفل بوتفليقة السبت بعيد ميلاده الثاني والثمانين، وهو على سرير المرض في مستشفى بسويسرا حيث يجري “فحوص دورية” منذ 24 شباط/ فبراير. ومن هناك، غير مدير حملته الانتخابية ووجه رسالة للجزائريين يعدهم بإصلاحات سياسية.
وأمضى “بوتف”، كما يحلو لمواطنيه تسميته، رقما قياسيا في سنوات الحكم، إذ كان قد انتخب أول مرة رئيسا في 1999، وقدّم ملفه للترشح لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 نيسان/أبريل 2019 مساء الأحد.
ولم يعد الرجل يظهر علنا إلا نادرا منذ تعرضه لجلطة دماغية في 2013، أقعدته على كرسي متحرك وأفقدته القدرة على الكلام.
ومنذ 22 شباط/فبراير، تصاعدت الاحتجاجات الرافضة لترشحه لولاية خامسة. وكانت تظاهرة الجمعة الأول من آذار/مارس الحاشدة غير مسبوقة من حيث حجمها وسقف مطالبها خلال العشرين سنة الماضية.
وطالب المتظاهرون برحيل بوتفليقة وعدم ترشحه مجددا و”إسقاط النظام”.
وتعهد بوتفليقة بعدم إكمال ولايته الخامسة في حال الفوز بها، وتنظيم انتخابات مبكرة. وكتب في رسالة للمحتجين “أتعهد أنني لن أكون مترشحا فيها، من شأن هذه الانتخابات أن تضمن استخلافي في ظروف هادئة وفي جو من الحرية والشفافية”.
وبوتفليقة الذي كان في سن 26 عاما أصغر وزير خارجية في العالم، لا يظهر الآن إلا صامتا وجالسا على كرسي متحرك. وهو مشهد متناقض جدا مع بداية ولايته سنة 1999 حين كان قياديا كثيف الحركة في بلاده والعالم وخطيبا لا يمل.
وقال لدى توليه الحكم “أنا امثل الجزائر كلها وأجسد الشعب الجزائري”.
وولد عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من آذار/مارس 1937 في وجدة (المغرب) في أسرة تتحدر من تلمسان بشمال غرب الجزائر. وليس لديه أطفال.
انضم حين كان عمره 19 عاما إلى جيش التحرير الوطني الذي كان يكافح الاستعمار الفرنسي.
وعند استقلال الجزائر في 1962، وكان عمره حينها فقط 25 عاما، تولى بوتفليقة منصب وزير الرياضة والسياحة قبل أن يتولى وزارة الخارجية حتى 1979.
في 1965، أيد انقلاب هواري بومدين الذي كان وزيرا للدفاع ومقربا منه، حين أطاح بالرئيس أحمد بن بلة.
وكرس بوتفليقة نفسه عضدا أيمن لبومدين الذي توفي في 1978، لكن الجيش أبعده من سباق الخلافة ثم أبعده تدريجيا من الساحة السياسية.
صانع المصالحة
بعد فترة منفى في دبي وجنيف، فاز بوتفليقة بدعم من الجيش، بالانتخابات الرئاسية في نيسان/ابريل 1999 التي خاضها وحيدا بعد انسحاب ستة منافسين نددوا بما قالوا إنه تزوير.
وكانت الجزائر حينها في أوج الحرب الأهلية التي اندلعت في 1992 ضد الإسلاميين. وخلفت تلك الحرب، بحسب حصيلة رسمية نحو 200 ألف قتيل. وعمل الرئيس الجديد حينها على إعادة السلم في بلاده.
في أيلول/سبتمبر 1999، صوت الجزائريون بكثافة في استفتاء على قانون عفو عن المسلحين الإسلاميين الذين لم يقترفوا جرائم قتل أو اغتصاب وقبلوا بتسليم أسلحتهم. وأعقب ذلك استسلام آلاف الإسلاميين. في 2005، حصل استفتاء جديد يعفو عن ممارسات قوات الأمن أثناء “العشرية السوداء”.
وعمل بوتفليقة الذي اتهمه خصومه بأنه دمية بيد الجيش، على تفكيك نفوذ هذه المؤسسة القوية في الحكم، ووعد بأنه لن يكون “ثلاثة أرباع رئيس”.
وأعيد انتخاب بوتفليقة كل مرة من الدورة الأولى، في 2004 (85 بالمئة من الأصوات)، و2009 (90 بالمئة)، وذلك بعد تعديل الدستور الذي كان يحدّ الولايات الرئاسية باثنتين.
في 2011 وفي خضم أحداث الربيع العربي، اشترى بوتفليقة السلم الاجتماعي بالعائدات السخية للنفط الذي ارتفعت أسعاره إلى أعلى مستوى حينها، عن طريق التقديمات الاجتماعية.
وأثار إيداعه المستشفى لنحو ثلاثة أشهر بباريس في 2013 بعد الجلطة الدماغية، شكوكا في قدرته على الحكم.
لكن وبعكس التوقعات ورغم اعتراضات معلنة حتى داخل الجهاز الأمني، ترشح بوتفليقة ونجح في الفوز بولاية رابعة في 2014 (81.5 بالمئة من الأصوات) وهو على كرسي متحرك.
ورغم تدهور صحته، عزز الرجل سلطته، وحل في بداية 2016 إدارة الاستخبارات والأمن النافذة بعد أن أقال رئيسها الجنرال الشهير محمد مدين المكنى توفيق.
لكن ولايته الرابعة جرت وسط تراجع كبير لأسعار النفط، الأمر الذي أثر كثيرا على الاقتصاد الجزائري المرتهن لعائدات المحروقات.
ويرى المحلل السياسي رشيد تلمساني أنه كان على بوتفليقة “أن يتخلى عن مهامه مع نهاية ولايته الثانية وبعد أن أنجز المصالحة الوطنية وكسب قلوب القسم الأكبر من شعبه”.