الصناعات العسكرية الأميركية وأموال العرب .. كاتب سوري يتحدث
يتساءل البروفيسور في الشؤون العسكرية الأميركية دانييل دي بيتريز في تحليل نشره في مجلة «نيشينال إنترست» الإلكترونية في 18 شباط الماضي: «إذا كانت الحرب على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة منذ عام 2001 حتى هذا الوقت قد كلفت بموجب أرقام عدد من مراكز الأبحاث العسكرية والمالية الأميركية 6 تريليونات دولار تقريباً ولم تحقق تحسناً في الوضع الأمني الأميركي والعالمي فلماذا تستمر إذاً»؟
ولكن بيتريز يدرك من خلال اختصاصه بأن الرابح الأكبر من هذه النفقات الأميركية هو مجمعات الصناعات العسكرية التي ستضطر إلى إغلاق مصانعها وخسارة أرباحها إذا توقفت الحروب التي تفتعلها وتحركها الإدارات الأميركية.
يضع بيتريز تفاصيل لهذه التكاليف فيكشف أن 2 تريليون هي نفقات وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأميركية، وتريليون دولار تقريباً لمصلحة حماية الأمن الداخلي بعد تفجيرات أيلول 2001، و353 ملياراً نفقات للعناية الطبية بالجنود المتقاعدين والمعاقين، كما يجري الإنفاق على الوجود العسكري الأميركي في 80 دولة، وبرغم كل هذه النفقات حتى عام 2018 يكشف بيتريز أن نتائج هذه الحرب أدت إلى زيادة المقاتلين السلفيين المسلحين بـ270 بالمئة، وأصبح عددهم يزيد على 280 ألفاً عام 2018 وازداد عدد المجموعات إلى 180 مجموعة معظمها عمل في أفغانستان والعراق وسورية واليمن.
وهذا يعني أنه كلما ازداد عدد الإرهابيين ازداد تصدير السلاح الأميركي للدول، ولو كانت الصناعات العسكرية الأميركية وشركاتها الخاصة لا تجد أسواقاً للبيع لأقفلت وسادت البطالة لدى المختصين بها، علماً أن عدد الذين يعملون في هذه الصناعات يزيد على 3.5 ملايين شخص وتدفع هذه الشركات 38 مليار دولار رواتب وتربح324 ملياراً سنوياً وتدفع ضرائب تزيد على 5.5 مليارات فقط.
تكشف مجلة «سايت سيليكشين» الأميركية الإلكترونية أن ألف شخصية ذات خبرة عسكرية تنضم كل شهر للعمل في مصانع السلاح في «جاكسون فيل»، وهذا يعني أن إنتاج هذا المجمع في هذه المدينة يزيد دوماً، لكن السؤال الآخر هو هل تجد هذه المنتوجات سوقاً لها في دول فقيرة مثل راوندا أو الصومال أم في دول مثل منطقة الخليج الغنية بالنفط وأمواله؟
تشير المجلة إلى أن سوق بيع الأسلحة الأميركية في دول الخليج ما زال يتطلب المزيد من المبيعات وهو ذو جدوى هائلة، وهذه الحقيقة يكشفها تاريخ الحروب التي أشعلتها الإدارة الأميركية منذ عام 1980 في منطقة الخليج من حرب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على إيران 1980 – 1988، ثم حرب احتلال صدام للكويت 1990- 1991، ثم حرب محاصرة العراق وإيران بالاستناد إلى إستراتيجية «الاحتواء المزدوج» الأميركية، ومع بداية الألفية الثالثة أشعلت الإدارة الأميركية حرباً من نوع جديد باسم «الحرب على الإرهاب» عام 2001، فاحتلت أفغانستان ثم العراق عام 2003 واستمرت حالة تشبه ما قبل الحروب في منطقة الشرق الأوسط من دون أن يتوقف بيع الأسلحة لدول الخليج، وتقدر الأسلحة التي باعتها الإدارة الأميركية منذ عام 1980 بأكثر من تريليون دولار.
وفرضت واشنطن على العراق ودول الخليج بعد احتلال العراق دفع جزء كبير من نفقات الحرب عام 2003، ثم ظهر دونالد ترامب رئيساً أميركياً يشبه في ابتزازه «تاجر البندقية»، فقد أعلن أن كل دولة تقدم لها الولايات المتحدة الحماية يتعين أن تدفع نفقات هذه الحماية إضافة إلى ثمن بيع الأسلحة التي تراها واشنطن مناسبة لاستخدام هذه الدولة أو تلك، وفي أول زيارة له إلى الرياض في أيار 2017 قبض ترامب 500 مليار دولار ثمناً لموافقة إدارته على الانقلاب الذي أعده الملك سلمان بن عبد العزيز وحدد فيه ابنه «محمد» ولياً وحيداً للعهد وأضاف إلى هذا المبلغ 110 مليارات ثمناً لأسلحة للسعودية.
فمن حرب الخليج «1990-1991» إلى حرب اليمن انشغلت لأول مرة معظم دول الخليج بحروب لا مصلحة لها فيها سوى ما فرضته عليها واشنطن من أجل حماية مصالحها، وأصبح الرئيس الأميركي يوظف القوة البشرية الخليجية ضد دول عربية ويبيعها السلاح الذي تستخدمه لمصلحة من يسرق أموال شعوبها ومصادر ثرواتها.
لكن هذه الحرب التي دامت حتى الآن 18 عاماً فرضت على الساحة الدولية الإقليمية وجود قوى تناهض هذه السياسة الأميركية وهي روسيا والصين وحلفاؤهما وفي مقدمتهم دول وأطراف محور المقاومة الذي لم تستطع واشنطن وحلفاؤها في المنطقة الهيمنة على قرارها ومنع زيادة قدراتها العسكرية.
تحسين الجلبي