احتمال عودة القاعدة إلى العراق .. خبير امني يكتب
مع اتساع نطاق الإرهاب وما ينطوي عليه من تهديدات، جغرافيـا ونوعيا، لم يعـد يكفـي الحديث عـن المسـببات. فالربـط الآلي بيـن الظاهـرة الإرهابيـة والفكـر المتشـدد (دينيـا كان أو قوميـا أو أيديولوجيـا)، قـد يفـسر بعـض أنمـاط الظاهـرة فقط. أمـا “التفسير التآمـري”: (الإرهـاب مؤامـرة اسـتخباراتية مـن خـارج الحـدود)، فهـو بحسـب الاقتصادييـن، قـد اسـتنفد “منفعتـه الجديـة” سريعـا. وينطبـق الأمر نفسـه على “التفسير الأمنـي” بطبيعتـه الاختزاليـة: (الإرهـاب ظاهـرة إجراميـة وحسـب)، اذ لم يعـد صالحـا وحـده كإطـار للتفسير.
الثابت الوحيـد مـن تجربة مـا يقـارب ربع قرن، هـو أن الإرهاب ظاهـرة مركبة تضـم جماعات وظواهـر غيـر متماثلة، وجميعهـا تحتاج نظـرة مركبة تأخـذ في اعتبارهـا الكثير من العوامل الممتـدة من الثقافة إلى المجتمع إلى الاقتصاد السـياسي، إلى المكون النفسي/ العقلي.
الجماعات والتنظيمات الراديكالية غالبا ما تتربص في البيئة الحاضنة الهشة، بخاصة إذا علمنا أن المجتمـع العراقي مجتمع تعـددي، فهـو يتألـف مـن جماعـات تغلـب هويتهـا الخاصـة عـلى الهويـة العامة، وتتصـف العلاقـات في ـما بينهـا بالـتراوح بـين التعايـش والنـزاع وعـدم الاتفاق حول الأسـس العامـة، ومما يرسـخ الانقسـامات بـين هذه الجماعـات ويؤدي إلى النزاع، وجود محاصصة في الحقوق السياسـية والاقتصاديـة والمدنيـة وفي المكانة الاجتماعيـة. والمجتمعـات التعدديـة قد تعاني بـين فـترة وأخـرى مـن أزمـات داخليـة بسـبب تدخـلات مـن الخـارج، أو بسـبب تسـلط الأكثريـة أو إحـدى الأقليـات عـلى مراكز النفـوذ والقـوة، مترافقة مـع غياب الديموقراطية، وهـذا ما حصـل مـع عام 2003 وحتى عام 2013 في المحافظات العراقية ذات غالبية العرب السنة.
تميـل الجماعات الراديكالية الجهادية الرئيسـة في العراق إلى التركز في مناطـق شمال غربي العراق وشمال شرقها، فالعشائر العربية السنية تتركز بشـكل أسـاسي في تلك المناطق من العراق، بينـما تتركز الأقليات الدينية والقومية بجوارها ضمن مناطق عرفت بالمناطق المتنازع عليها. هـذا التركز أسـهم في صناعة بيئة حاضنة للدفاع عن الهوية الثقـافية، فدعاية الدفاع الثقافي هي العملية التي يسـتطيع الفـرد العشائري حامل الفكر الراديكالي ان يقنع العشيرة او القرية عبرها انه حامي لحقوقها ولهويتها الثقافية أو الجماعيـة، غـير أن الدفاع الثقافي بالنسـبة للراديكالي يعتبر خطوة تكتيكية فيها الكثير من البرغماتية والتقية الدينية.
البيئة العشائرية وعودة الفكر الراديكالي الجهادي
نشأت معسكرات الجماعات السلفية الجهادية، باعتبارها رد فعل على تردي العلاقات بين قيادات حكومة المالكي والعشائر السنية في المنطقة الشمالية والغربية. في نهاية عام 2012، ظهرت منصات الاحتجاج التي عرفت بـ”الحراك السني الشعبي”، وضمت خليطا من البعثيين والمتصوفة والأخوان والسلفية الجهادية والقيادات العشائرية، وبسبب احتدام الصراع بين المالكي ووزير المالية حينها رافع العيساوي على تعزيز السلطة والنفوذ، تداعى عدد من شيوخ العشائر وأئمة المساجد وعلماء الافتاء السني وقادة الأحزاب، في المناطق السنية، للإطاحة بطموح المالكي بولاية ثالثة.
النواة الصلبة من تنظيم القاعدة فرع العراق، استثمرت هذه البيئة الغاضبة على الحكومة وبدأت تنتشر في مدن ومخيمات الاعتصام، وتعقد مجالس لأخذ البيعة لـ”البغدادي”، فحققت هناك انتشارا وتوسعا سريعا، بعدما انحسر نفوذها، عدا مناطق حوض الثرثار وجنوب نينوى ووادي حوران وجزيرة راوة. وبدأ التنظيم بعدد هو أقل من 1000 ارهابي في العراق كله، وبإمكانيات اقتصادية ضعيفة.
نشأ “داعش” في الحدود الغربية العراقية والشرقية السورية، بإهمال من بغداد ودمشق ومباركة بعض أبناء عشائر تلك المناطق الجغرافية، وكان البعد الاستراتيجي هو الدافع الكبير وراء ذلك.
البعد الاستراتيجي يجب أن يطغى في التعامل مع ملفات نشأة تنظيم “داعش” والقاعدة، فهو ضد بغداد ودمشق، ويزعم أنه مع السنة، لذا كان السكوت عليه وعدم انتقاده طيلة عام 2013 من غالبية السنة، وكانت بغداد لا تهتم للأساليب التي يعامل بها “داعش” أهالي تلك المناطق، بل كانت تعتقد أن ذلك شأن داخلي يخص الأهالي، وشره سيقع بالتأكيد على خصوم الحكم في العاصمة.
هزم “داعش” بداية في أهم معاقله، أي الموصل القديمة، لكن الأسباب التي صنعته والأفكار التي غرسها في عقول المؤمنين به وأنصاره في العراق وسوريا، من غير المؤكد أنها هزمت. وبعد عام على تحرير الموصل ظهرت فلول وخلايا لوجستية تتفاعل مع هذه الأفكار الهدمية، فكان لهذه الأفكار مكان خصب في أرياف المدن المحررة والمناطق المفتوحة، وظهر روح التطرّف بوضوح، في مناطق الجبال والتلال وصحراء البعاج والحضر جنوب نينوى، ورداً على هزيمتها لجأت فلول داعش إلى اغتيالات منظمة للمخاتير وشيوخ العشائر وقادة الحشد العشائري والمناطقي. واختيار الرموز هدفا للتصفية، كان لأجل إرهاب الناس وردعهم عن التعاون مع القوات الحكومية وإجبارهم على دفع الأتاوات. خاضت هذه الفلول حرب الأذرع الطويلة التي تصل إلى أعدائها حيثما كانوا، بأساليب المقاتل الشبح. انه نموذج لعمليات إرهابية هدفها أن يفقد المواطن ثقته بالأمن، وأيضا تحريك الرأي العام نحو فوضى قومية أو طائفية في المناطق المتنازع عليها والمختلطة دينيا.
عـلى المسـتوى الجغـرافي، يبـدو أن الـصراع مع “العدو القريـب” ارتفعت أولويته، مقارنـة بالصراع ضد “العدو البعيـد”، ويرتبط ذلك بطبيعـة الأوضـاع في الـشرق الأوسـط عمومـا، ولا سيما سـوريا، مـا يجعل الصراع السـوري حاسـماً في تحديد اتجاهـات المجموعات الجهاديـة، إذ عـلى رغـم توقـع تركيـز المجموعـات الجهاديـة عـلى الداخـل، فـإن الطبيعـة الأيديولوجية لتلـك المجموعات لا تسـتبعد التحـول ضـد “العـدو البعيـد” في أي وقـت.
الهدف من ظهور “القاعدة” وفروعه
كان الهدف من إنشـاء “القاعـدة” هـو الإبقــاء عــلى فكــرة الجهــاد حيــة في أذهــان المتطــوعين العــرب في أفغانســتان، لا ســيما أن “القاعدة “اصـطلاحا إنمـا هـي تسـمية تـنم عـن منظمة قتاليـة طلائعيـة ودائمـة، ولم يجهـر بتسمية “القاعدة” لأول مرة إلا في اجتماع عقده أسامة بن لادن قبل سنوات.
القاعدة “منظمة مهماتية”: يتسـم هذا النـوع من المنظمات بوجـود مهمـة تكــون في شـكل مجموعـة مــن الجهـود الواضـحة يســهل على جميع الأعضاء أن يسعوا إلى تحقيقها، إضافة إلى ضرورة أن تكون هذه الجهـود فريدة ومن الاختصاص الحصـري للمنظمة وذلـك عـلى نحو يسمح لإيـديولوجيتها أن تتطـور بشـكل طبيعي.
من القاعدة إلى “داعش”
ظهرت تنظيمات جهادية استمدت أفكارها من تنظيم قاعدة الجهاد الأم وربما تبنت نهجا أكثر عدوانية. فما تركته حرب العراق، من تغلغل المد الجهادي، وما خلفته الثورات العربية وعدم مبالاة المجتمع الـدولي بظـروف الشعوب المستضعفة والتهافت لتحقيق مصالح دول، أدخل بعـض المنـاطق في حـسابات تـؤدي ثمنهـا مجتمعـات عربية وإسلامية، بخاصة بلاد الشام والعراق. فبعدما قتلت القـوات الأميركيـة في ـالعراق أبو مصعب الزرقاوي في حزيـران/ يونيـو عام ٢٠٠٦، تولى أبو حمزة المهاجر زعامة التنظيم وبعـد شـهر تقريبـا مـن قيـادة هـذا الأخـير تـم الإعلان عن تشكيل “دولة العراق الإسـلامية” بزعامـة أبـو عمـر البغـدادي، لكـن القـوات الأميركيـة مـرة أخـرى نجحـت في استهداف البغدادي ومساعده أبو حمزة، فاختار التنظيم أبا بكر البغدادي المعروف حالياً بأبي بكر البغدادي الحسيني القريشي أو كما ينادونه أبو دعاء، وتطلق عليه القوات الأميركية “الشبح”، واسـمه الحقيقـي إبـراهيم البدري. وحري بالذكر أن الفترة الممتدة ما بين 2006 و2010، شهدت إضعاف التنظيم من طرف القوات الأميركية والعراقية بشكل كبير، بعدما شكلت قوات الصحوة العراقية من مقاتلي العشائر في المناطق السنية، وقتلـت ثـم اعتقلـت أكـثر مـن 34 من كبار القياديين، وبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، عام ٢٠١١، شن ما عـرف بدولة العـراق الإسـلامية تفجيرات عنيفة في المدن العراقية بخاصة بغداد، حصدت آلاف الضحايا وسيولة أمنية عارمة. هذا ما جعل القيـادة الأميركيـة تعـرض مكافـأة مالية للقبض على أبي بكر البغدادي أو قتله، وكان رد فعل الطرف الآخـر إعـلان حملـة أطلـق عليهـا كسر جدران السجون العراقية شملت عشرات الهجمات وأدت للإفراج عن المئات من المعتقلين، بخاصة من سجن أبو غريب. وغني عن البيان أن ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام ليس أمراً اعتباطيا، فالتنظيم قبل إعلان الخلافـة مـر بمراحل عمل من خلالها على لملمة أوراقه واستيفاء كل ما يمكن إضفاء طابع مفهوم الدولة في المنطقة. وفي 29 حزيران 2014، أعلن الناطق الرسمي باسم تنظيم داعش “أبو محمد العدناني “عن قيام دولة الخلافة، وأن هذه الأخيرة ممثلة بأهل الحل والعقد، فيها من الأعيان والقـادة والأمـراء ومجلس الـشورى اختارت تنـصيب خليفـة المـسلمين ومبايعة أبو بكر البغدادي فقبل البيعة، وصـار بـذلك إمـاما وخليفـة لفرع القاعدة في العراق وسورية وفروع أخرى. وأشار البيـان إلى اندماج بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، التابع لتنظـيم القاعـدة وجبهـة النـصرة الـسورية، إلا أن هـذه الأخـيرة رفـضت الاندماج على الفور. ما أدى إلى اندلاع معارك بين الطرفين بشكل متقطع، ويمكـن القـول إن تنظـيم “داعـش” خـرج عـن طاعة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، إذ اعترض على سـلطته ورفـض الاسـتجابة لدعوتـه إلى التركيـز عـلى العـراق وترك سوريا لجبهة النصرة. وشمل البيان الدعوة إلى ضم المسلمين تحت راية واحدة، وتبني استراتيجية جديدة أكثر راديكالية على مستوى الجهاد.
جاءت سياسة أبي بكر البغدادي لتبلـور ملامـح فكريـة ترتكـز على عـدد مـن الأصول أهمها: العمل على تأسيس دولة الخلافة الإسلامية بالقوة المسلحة، والدعوة إلى التطبيق الفـوري للـشريعة الإسـلامية، وكـذلك عدم جواز العمل في الأجهزة الأمنية والحكومية في الدولة، ورفض التعليم الغربي وثقافته وتغيير نظام التعليم، كما ترتكز أهم مبادئ وأفكار الجماعة على إثبات الحاكمية لله وحده وتحريم الديموقراطية.
وهنا يتم المـزج بـين الطابع العقدي السلفي والطابع السياسي لسيد قطب.
التترس: وهو جواز قتل المسلم إذا تترس به الكافر، ويعتمد كأساس شرعي لتبرير بعض العمليات العسكرية أو الانتحارية التي تؤدي إلى قتل مسلمين، وهذا المبدأ تستند إليه تنظيمات راديكالية متشددة.
مذهب وجوب قتل غير المسلمين: وهو يعد امتدادا لعمق فتاوى عبر العصور كفتاوى ابن تيمية الحراني فتوى ماردين “ودستور الإرهاب والإرعاب، وللنهج الوهابي للشيخ محمد بن عبد الوهـاب… واعـتماد فكـر الإخـوان. وتنظيم “داعش “يستمد مقومات هذا المبدأ من الشيوخ المنظـرين للـسلفية الجهاديـة العـصرية مثـل أبو محمـد المقدسي وأبا قتادة الفلسطيني… ويرى أغلب العلماء أن هذا المذهب مبني على أخـذ مـذاهب الفقهـاء الـذين بنـوا اجتهاداتهم بحسب واقعهم. كما يفسر المنظور السطحي لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبويـة المتناولـة لمفهـوم الجهاد، معتقدات داعش أنهم الجماعة التي سيأتي على يدها التغيير والنجاة.
من “داعش” إلى القاعدة
انكماش الأراضي التـي يسـيطر عليها “داعـش” يعني أن القاعـدة ستسـتعد لتصـدر المشـهد الجهـادي من جديـد، بعدما تراجعـت مكانتها بصـورة كبـيرة عقـب ظهـور تنظيم “داعش”، وهنـاك مؤشرات عـلى ذلك منها:
الانهيـار الوشـيك لـ”داعش” في سوريا بعد انهياره في العراق عقـب العمليات العسـكرية المكثفة ضده هنـاك، فضـلا عن تراجع تمدد “داعش” في ولايات خراسان وغرب أفريقيا وشرق آسيا، بسـبب وجـود تنظيمات متطرفـة مناوئـة للتنظيـم هنـاك، بخاصـة تنظيم القاعـدة.
للقاعدة أتباع أكـثر عدداً وأقوى في القـارة الأفريقية. وحتـى التنظيمات التي كانت تتبع تنظيـم القاعدة، ونقلـت ولاءهـا إلى “داعـش” عقـب النجاحـات الميدانيـة التـي حققهـا في سـوريا والعـراق، وإعلانـه الخلافـة، مثـل تنظيـم بوكـو حـرام في نيجيريـا عـام 2015، ثـم تنظيـم القاعـدة في المغـرب العـربي وتنظيـم الشـباب في الصومـال، كانـت مبايعاتها شـكلية إذ لم يترتب عليهـا أي تعاون مباشر.
منهـج تنظيـم الدولـة كان مرصودا داخـل الحالة الجهاديـة عموما وداخل القاعـدة خصوصا، وهـو مـا دلـت عليـه وثائق “أبوت أبـاد”، والتي أظهـر بعضها رأيـا حازما كنقاش داخـلي تجـاه “الدولـة الإسـلامية فى العـراق”، كـما في رسـالة عـزام الأميركي إلى أسـامة بن لادن والتـي لا يبـدو أنهـا كانـت مؤثـرة كما ينبغـي، أو تلك التـي قدمت وحـدة التنظيم، وإنجـازه في العـراق، عـلى دمـاء المسـلمين، كـما في رسـالة بـن لادن التـى يطلـب فيهـا من عطيـة اللـه الليبي، معالجة شـكوى جماعة أنصار الإسـلام مـن تعديات “الدولـة” بتطييب خواطرهـم وإن بمجـرد الـكلام! بـل أكـثر مـن ذلـك، فـإن القاعـدة قدمـت تنظـيراً شرعيا وسياسـيا وفكريا، يبرر إقامة “الدولة الإسـلامية فى العراق”، وعلى لسـان الظواهري نفسـه بمـا يناقـض بعـض مـا يقوله الآن لجهة رفضه تمددها إلى الشـام.
قـد لا يكـون أمـام “داعـش” خيـار سـوى العـودة إلى وضعـه السـابق كشريـك صغـير لتنظيـم القاعـدة، أو حتـى انشـقاق بعـض عنـاصره وانضمامهـم للقاعـدة “القاعدة الأم”.
القاعـدة تمتلـك خـبرة أفضـل في كيفيـة التعامـل مع السـكان المحليـين، فعـلى رغـم تبنيه أفـكاراً متطرفـة، فإنه يتعامل بطريقـة لينـة عـلى عكـس تنظيـم “داعـش”.
فكر القاعدة يرتكز على فشل الدولة، وهشاشة المجتمعات، وهـو لا يعـيش ولا يترعـرع في ظـل أنظمـة معتدلـة سياسيا، وغير قمعية، أو دموية، حيث أن تنظيم “القاعدة “وأخواتها لا تتبلـور رسـالتها مـن خـلال خصـومة سياسـية، وهـي لا تريـد أن تكـون معارضة بالمفهوم التقليدي للكلمة، بل هـي تريـد أعـداء وكفـارا، وأشرارا ”تشـيطنهم “لتقـول إنـه لا خـلاص مـنهم إلا بقـتلهم والعمـل العسكري الذي ينال من قوتهم، وهي تنجح في منحاها العنفي المسلح حين تـتمكن من توظيـف الظـروف المعيشـية الصـعبة في أي بلـد لإقناع مجنديها بأن الحل لهذه الظروف، هو القضاء على تلك الحكومات التي تتحمل المسئولية عن هذه الظروف بتقنينها الفساد المالي، بخلاف داعش الذي يريد وضع نفسه بديلا إجرائيا ونظاما للحكم.
وفقاً لأوضاع كل من تنظيمي” داعش” و”القاعدة “في العراق، وأخذا في الاعتبار تجربة التنافس بين “التنظيمين “في كل مـن سوريا والعراق، يمكن القول إن هناك احتمالا ضعيفا لمستقبل ما للعلاقة بين “داعش” والقاعدة. ويعتمـد ذلـك عـلى تنامي نفـوذ “القاعدة “بشكل أكبر. فرص التعاون بين “داعش والقاعدة” في الحويجة وحمرين وخانقين وجزيرة سامراء وجزيرة الثرثار وجزيرة راوة وصحراء الانبار، ممكنة كما يمكن لـ”القاعدة “استغلال الانقسامات الحادة داخـل “داعش “وجذب عناصر إضافية إليه، وذلك من خلال التهدئة والاحتواء والقاعدة تجيد ذلك.
في الختام، ليس من قبيل المبالغة القول إن الفترة المقبلة، سـتشهد عـودة القاعـدة لتصـدر المشـهد الجهـادي، مقابل تراجـع تنظيـمات إرهابيـة محليـة عـن مبايعتهـا “داعـش”، وتعـود إلى رايـة القاعـدة مـرة أخرى، ولـن يكـون أمـام دول المنطقـة مـن سـبيل للتخلص من ظاهـرة التطرف العنيف، إلا وقـف الصراعات المسلحة وشروع دول المنطقـة في برامج للإصلاح.
هشام الهاشمي