الباجات المزورة.. خطر كبير يهدد أمن المجتمع
كثرت في الآونة الاخيرة ظاهرة استخدام الباجات المزورة من قبل عصابات مختصة في عمليات السطو المسلح والعمليات الارهابية تمكنها من تجاوز السيطرات المرابطة في مختلف مناطق بغداد، وما سهل من عملية التزوير وانتحال صفة بعض الشخوص المهمة في الدولة عدم وجود المركزية في إصدار الهويات التابعة للمؤسسات الحكومية وهذا ما أكده الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء الدكتور سعد معن خلال حديثه لـ”الصباح”.
وأشار اللواء معن الى أن “الهويات كانت تصدر في السابق عن مديرية الهويات التابعة لوزارة الداخلية ولا تصدر أي وزارة هوية الا من خلال تلك المديرية، لذا فأن عدم وجود مركزية في إصدار الباجات فاقم من مشكلة ارتفاع معدلات استخدام المزور منها لغرض انتحال الصفة والنصب والاحتيال”، لافتاً إلى أن “هناك نشاطا ميدانيا استخباريا من قبل الوزارة للكشف عن حاملي الهويات المزورة ومحاسبتهم قضائيا، وتم فعلا إلقاء القبض على بعض اصحاب المطابع وإحالتهم على القضاء بعد اكتشاف تورطهم بالتزوير”.
وطالب معن في نهاية حديثه لـ”الصباح”، بأن “تكون وزارة الداخلية بالتعاون مع الوزارات الاخرى هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إصدار وطبع الهويات لجميع مؤسسات الدولة حتى يتسنى للجميع معرفتها وإنهاء فرصة تزويرها”.
أبرز الباجات المزورة
من جانبه، بين مدير مكافحة إجرام بغداد في وزارة الداخلية اللواء الحقوقي حيدر فخري حسن لـ”الصباح”: أن “من واجب مديرية مكافحة الاجرام التحقيق في جرائم الخطف والسطو المسلح والقتل المقترن بالسرقة والسرقات الاخرى بالإضافة الى الاتجار بالبشر وكل ما له تأثير مباشر في أمن المواطنين كحالات التزوير”.
مؤكدا أن “أغلب العصابات التي تم إلقاء القبض عليها، وجدنا بحوزتها باجات مزورة تابعة لمؤسسات حكومية تمكنها من انتحال الصفة والمرور عبر السيطرات المرابطة في بغداد، إلا أن الاجراءات القانونية التي تتخذ بحق هذه القضايا أكبر من مسألة التزوير المتعلقة بالقتل والتي تصل عقوبتها الى الإعدام، فالتزوير حالة مكملة للجريمة”.
وعن أبرز الهويات التي يتم تزويرها يوضح مدير مكافحة اجرام بغداد خلال حديثه لـ”الصباح”، أن “المتهم ليس لديه خط أحمر بتزوير أي هوية تابعة لأي جهة سواء كانت تابعة لوزارة الداخلية برتبة عالية أو الى شخص ينتمي الى الحشد الشعبي أو مجلس الوزراء أو أي جهة يمكن أن يستخدمها للتحايل وممارسة الجريمة، كما وأن هناك عصابات تعلن انتماءها الى جهات معينة وعند التدقيق بصحتها يتضح بأنها لا تنتمي الى تلك الجهة وانما مجرد ستار للتحايل”.
وأعرب اللواء حسن، عن أسفه “من استغلال بعض المنتسبين هوياتهم لممارسة الجريمة والنصب والاحتيال وقد تم كشفهم وإحالتهم على القضاء لاتخاذ اللازم”، مضيفاً “لقد شكلنا لجنة بهذا الخصوص، ووفق توصياتها التي أعدتها، فإنها طالبت بأن تكون وزارة الداخلية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إصدار هويات موظفي دوائر الدولة وذلك وفق ضوابط للحد من عمليات التزوير التي تطالها”.
سيطرات مدربة
وأكد مدير إعلام شرطة محافظة بغداد العقيد نبراس محمد علي، أن “أغلب السيطرات مهيأة مسبقاً من قبل مركز التدريب في وزارة الداخلية للكشف عن الباجات المزورة، بالاضافة الى مفارز من الجنسية للكشف عن الهويات، وقد تم إلقاء القبض على أعداد هائلة من حملة الباجات المزورة من قبل تلك المفارز المشتركة وإحالتهم على القضاء وفق المادة 456 الخاصة بالتزوير وعمليات النصب والاحتيال”.
وللحد من عمليات التزوير التي تطال باجات المؤسسات الحكومية أو أي جهة يطالب العقيد علي خلال حديثه لـ”الصباح”، بأن “يكون إصدار هذه الهويات من قبل المؤسسات بأوقات متفاوتة والعمل على تغيير النماذج وأن تكون معلومة من الجهات المعنية ويمكن التعرف عليها لمحو أي فرصة لتزويرها”.
ويقول مدير العلاقات والاعلام في مديرية نجدة بغداد العقيد علي حسين ابراهيم لـ”الصباح”: “يتم تشخيص حاملي الباجات المزورة واستنطاق المشتبه بهم من قبل افراد دوريات النجدة المنتشرة في عموم بغداد معتمدين على الفراسة والخبرة في اكتشافها”.
متابعا “هناك غرفة عمليات مشتركة داخل قيادة عمليات بغداد للتحقق من الباجات الامنية المشتبه بها، والتحفظ على المتهمين وإرسالهم الى مراكز الشرطة بحسب الموقع الجغرافي للمنطقة التي تم إلقاء القبض عليهم فيها، واتخاذ الاجراءات الخاصة من قبل ضابط التحقيق لرفع أوراقهم الى القاضي للبت بها”.
المساءلة القانونية
ومن الناحية القانونية يشير المحامي هشام الزاملي الى أن “من أكثر الجرائم خطورة وانتشارا في مجتمعنا هو التزوير في المحررات الرسمية التي لا يقتصر أثرها على الفرد أو مجموعة من الافراد وإنما يمتد الى الاخلال بثبات واستقرار الدولة والمساس بمصالحها بشكل عام ، لذا بحسب المادة (289) يعاقب من ارتكب تزويرا من محرر رسمي بالسجن مدة لا تزيد عن خمسة عشر عاما، وعرف المحرر الرسمي في المادة (288) بأنه المحرر الذي يثبت فيه الموظف أو المكلف بخدمة عامة ما تم على يديه من تزوير واتخاذ الاجراءات بحقه طبقا للأوضاع القانونية، وبحسب المادة (390) يعاقب غير الموظف المختص الذي قام بالتزوير بالسجن مدة لاتقل عن خمسة عشر عاما، وهذا ما ينطبق أيضاً على المادة (392)”.
ويضيف الزاملي لـ”الصباح”، “لابد من الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة والاقتداء بكفاءاتها وقدراتها العلمية والعملية وإعداد تقارير لضبط كل ما يتعلق بعملية التزوير وكيفية إدخال المطابع الخاصة بالباجات وضبط الحدود لمنع دخولها بأوراق غير رسمية وتكثيف الجهد الاستخباراتي لمكافحة هذه الجرائم والقضاء على التزوير بمختلف أنواعه”.
وعن تقليد الهويات الخاصة بأي جهة سواء كانت مؤسسة إعلامية أو شركة أو جهة سياسية، يؤكد المصمم الفني محمد عبد الكريم، ان “تقليد أو تزوير الهويات من ناحية التصميم أمر سهل للغاية، ويمكن للمصمم الغوص في غماره وإظهاره بشكل مطابق للأصل، لأن المحتوى متوفر ولا يحتاج المصمم إلا إلى إعادة تكوين الشكل وتغيير المعلومات لتكون الهوية جاهزة للممارسات غير المرغوب بها والمتعلقة بالابتزاز والسرقة”.
ويوضح عبد الكريم، أن “هناك أمرا يتعدى قضية التصميم المتعلق بالعلامات السرية التي يتم وضعها في تلك الهويات والتي يوفرها جهاز الطبع، خاصة وأن الهويات التي تسمى (عظم عاج) تطبع بأجهزة خاصة أعدت لهذا الغرض، وبالتالي من الممكن أن تمر الهويات المزورة على الجهات غير المسؤولة لأنها هي فقط من تعرف العلامات السرية الخاصة بها ولا تستطيع اكتشافها بسبب استيراد هذه الخامات والطابعات دون
أي رقابة”.
مصممون ومطابع
ويشير المصمم خالد خضير الى نقطة جديرة بالاهتمام، وهي أن “التطور التكنولوجي لبرامج الحاسبات أتاح الفرصة أمام المصممين لعمل هذه الباجات وبنفس الاحبار والخط، اضافة الى توفر مختلف الخامات بالأسواق وسهولة اقتنائها كالبلاستك و(السيم كارت) والباج المائي، فعلى الرغم من أن بعض أصحاب المطابع لا يطبعون أي هوية الا بكتاب رسمي صادر عن الجهة المعنية بالهوية وذلك لحمايتهم من المساءلة القانونية؛ إلا أن من سهل الامر على اصحاب المطابع العمل بالخفاء هو عدم وجود ضوابط لاستيراد المطابع الخاصة بالباجات التي كانت تستورد حصراً للمؤسسات الامنية، لذا يجب على الجهات المعنية اتخاذ كافة الاجراءات للحد من التزوير الذي أصبح مباحا في ظل التطور التكنولوجي وانعدام الرقابة والضمير”.
من جانبه، أكد أحد عمال المطابع في منطقة البتاويين “رافضا الاشارة الى اسمه”، أن “الجهات المعنية غالبا ما تكون متواجدة في مناطق معينة لمراقبة عمل اصحاب المطابع”، وأضاف، أن “هناك من يطبع بدون كتب رسمية معتمداً على الثقة والعرف لإكمال الاجراءات بدون أصول رسمية أو ما يثبت حقيقة انتساب هذا الشخص الذي يدعي انه تابع له، كما وأن هناك جهات تروج لبيع المطابع وتقدم عروضا خلال بيعها بتوفير خمسين كارتا بلاستيكيا مع كل طابعة وبالخفاء، وهذا ما سهل انتشار مختلف الباجات المزورة التابعة الى جهات معنية في الدولة”.
بغداد / هدى العزاوي – صحيفة الصباح