الـ “سوشال ميديا” وصناعة الأخبار الكاذبة .. كاتب مصري يتحدث
صناعة الأخبار الكاذبة ليست أمرا عفويا أو صدفة في المجتمعات الحديثة، إنما هي عملية ممنهجة ومقصودة بهدف تزييف وعي المتلقي. وهو بيت القصيد في ما يحاوله البعض في مصر على سبيل المثال، لتصوير “حالة عدم الاستقرار” المزعومة عن طريق ما يسمى “الكتائب الإلكترونية” للجماعات الإرهابية والمارقة، في مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً. ودعونا نبدأ من صانع الرسالة الإعلامية ذاته في وسائل الإعلام لأنه المستهدف حتى يصبح أداة لترويج الأخبار الكاذبة.
من الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها بعض صانعي الرسالة الإعلامية، خاصة في مجال الإنتاج الإخباري، عدم التدقيق في عملية جمع الأخبار وانتقاءها والسعي إلى الحصول على ما يسمى الانفراد في نشر أو إذاعة الخبر، بغض النظر عن موثوقية مصدره. ومن الخطورة بمكان أن يلجأ أحدهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على أخباره وموضوعاته، إذ أن هذه المواقع غير مسيطر عليها حتى الآن بأطر موضوعية. ولهذا، لايمكن اعتبارها مصدراً موثوقاً للحصول على المعلومات الموثقة، ويرجع ذلك من وجهة نظري، إلى ستة أسباب:
أولا – لا توجد ضوابط مهنية وقانونية تتحكم في عملية النشر على هذه المواقع، فكل ماهو مطلوب من المستخدم، هو وجود حساب وبريد إلكتروني للناشر، وكثير من الأسماء الموجودة في مواقع التواصل، يمكن أن تكون وهمية. كما أن قواعد التأمين أو الخصوصية، لا تشترط أن يكون اسم كاتب الرسالة حقيقيا حيث أن الأسماء المستعارة لكثير من الحسابات، أكثر من الأسماء الحقيقية!
ثانيا – الناشر والمتصفح لهذه المواقع، موجودان في فضاء إفتراضي شكلته طبيعتها الإلكترونية. فقبل أن نعرف ثورة الاتصال في التسعينات، وقبل “تويتر” و”فيسبوك”، كان التواصل مباشرا وبسيطا بين الأفراد، ويتم في عالم حقيقي من خلال نظام البريد العادي والإتصالات الهاتفية مثلا، ويسهل فيه كشف ناقل الأخبار الخطأ أو الكاذبة (Fake News)، وكانت وسائل الاعلام تعتمد على المصادر التقليدية للخبر مثل المراسل ووكالات الأنباء.
ثالثا – لا تنطبق شروط صحة المصدر الإخباري، على هذه المواقع التي تتحدد في أن يكون المصدر معروفا، من حيث الزمان والمكان والوظيفة، ومؤهلا مهنيا للقيام بمهمة نقل الأخبار، وأن تكون له مصداقية لدى المتعاملين معه. ومن هنا نحن نصبح أمام مصدر موثوق فيه، وقد يكون المصدر فرداً مثل المراسل أو مؤسسة مثل الوكالة، وغالباً ما يكون المصدر خاصا أي لا يتعامل إلا مع جهة واحدة، أما وكالة الأنباء، فتتعامل مع جهات متعددة ويتحقق الإنفراد من خلال المراسل الخاص، أما الإنفراد عن طريق الوكالة يتحقق من خلال السرعة في النشر أو الإذاعة أو السبق، وفي كل الأحوال يجب أن تكون الأخبار صادقة.
رابعا – غالبا ما تسيطر على تداول المعلومة أو القصة الإخبارية المنشورة على هذه المواقع، فكرة أو نظرية انتشار الشائعة، التي تعرف بأنها خبر كاذب له ظل من الحقيقة. وبحكم أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تعرف آليات التأكد من قواعد صحة الخبر، فإن الأخبار الكاذبة تجد في هذه المواقع بيئة حاضنة ومنتجة للشائعات.
خامسا – طبيعة المشهد الإعلامي الذي يتميز بالتعددية والمنافسة، خلقت أجواء للبحث عن السبق والإنفراد بالخبر على حساب الالتزام المهني، على رغم أن النظم الإعلامية الأحادية والمحدودة يمكن أن تسمح في سياساتها الدعائية بالترويج لأخبار كاذبة بسهولة من دون أن تنكشف أمام المتلقي الذي لايتمتع بترف الاختيار في هذه الحالة بين وسائط متعددة. ومع هذا، يظل انزلاق الوسيلة الإعلامية في مستنقع الأخبار الكاذبة واردا في ظل أجواء المنافسة، إذا لم تلتزم بالمعايير المهنية واعتمدت في الحصول على المعلومات من مصادر غير موثوق فيها مثل مواقع التواصل الاجتماعي أو الـ “سوشال ميديا”.
سادسا – غياب مواثيق الشرف الإعلامية التي تحدد واجبات صانع الرسالة الإعلامية وحقوقه في كثير من النظم الإعلامية يساعد على تهيئة مشهد الفوضى، بالإضافة إلى غياب دليل السياسة التحريرية (editorial guide line ) الذي يوضح نسق القيم الذي يجب الالتزام به، مثل الموضوعية والانصاف والدقة والتوازن والمصداقية والتنوع والحرص على المصلحة العامة. وتفتقد بعض وسائل الإعلام إلى مدونة السلوك المهني لأخلاقيات الإعلام. وفي اعتقادي أن استيعاب صانع الرسالة الإعلامية لهذه الاخلاقيات، سيجنبه الاستعانة بالمصادر غير الموثوق فيها وبالتالي يحميه من الوقوع في شرك الأخبار الكاذبة، التي قد تروجها مواقع التواصل الاجتماعي.
على رغم ما تقدم، لا يمكن الاستغناء عن الـ “سوشال ميديا”، كأحد إنجازات ثورة الاتصال. ولكن في ما يتعلق بالأخبار، يجب الحرص، والقاعدة هي أن تأخذ مواقع التواصل الاجتماعي معلوماتها عن وسائل الإعلام، وليس العكس. وبشكل عام إن الخروج على القيم والأعراف التحريرية التي تركز دائما على التدقيق في التعامل مع الأحداث، بل تدعو إلى إعادة التدقيق قبل إذاعة أي خبر للمتلقي أو نشره، تعطي الفرصة لـ”صناعة الكذب” في عالم الميديا، لاسيما إذا كان النظام الإعلامي يتسم بجوانب واضحة من الفوضى والإنفلات.
نقلا عن صحيفة “الحياة” : ابراهيم الخياط