سياحة تونس في مواجهة “ذئاب داعش”
ثلاث هزات متتالية أصابت شارع الحبيب بورقيبة، قلب تونس النابض بالحياة، وعاشت بعدها البلاد أياما وساعات عصيبة.
كانت البداية عندما فجر انتحاري نفسه قرب دورية للشرطة البلدية، عند تقاطع شارع شارل ديغول مع شارع الحبيب بورقيبة، تلاه انتحاري آخر فجر نفسه قرب مقر الشرطة العدلية بمنطقة الفرجاني، حين كانت فرقة منها تستعد للانطلاق نحو موقع التفجير الأول.
لم ينل الانتحاريان ما قصداه، فكان وقع الهجومين خفيفا، قياسا لوقتهما وللموقعين المستهدفين. لكنهم نجحا في إيصال رسالة، فحواها أن الإرهابيين بإمكانهم الوصول لأكثر الأماكن تأمينا، تماما كما وصلت انتحارية داعشية في أكتوبر الماضي.
صحة الرئيس
لكن بيانا نشرته الرئاسة التونسية بعد التفجيرين، شكل الصدمة الثالثة، وأثار مخاوف سياسية وشعبية كبيرة، فقد قالت رئاسة الجمهورية إن الرئيس الباجي قائد السبسي، دخل المستشفى بعد إصابته بوعكة صحية حادة، لم تكشف تفاصيلها.
أجمعت صحف تونسية ومراقبون أن ما حدث هو “خطأ اتصالي” من رئاسة الجمهورية، إذ أن الوقت لم يكن مناسبا لإعلان الخبر. بينما ذهب آخرون إلى أن بعض المستشارين قد يكونوا تعمدوا إصدار البيان في ذلك الوقت بالذات.
ومع بداية ظهور الأخبار بشأن صحة الرئيس، بدأت تفاصيل أخرى تتضح عن الهجومين.
فقد نفذ الهجوم الأول انتحاري من مواليد 1988، يتحدر من منطقة باب البحر التي تقع على بعد خطوات من موقع الهجوم، وهي منطقة تتخذ اسمها من إحدى البوابات القديمة لمدينة تونس، وتعد من أبرز معالمها السياحية.
أسفر الهجوم عن مقتل شرطي، وإصابة شرطي وثلاثة مدنيين.
وبعد قرابة نصف ساعة، فجر انتحاري آخر من مواليد 1991 نفسه، بعد أن اقترب بدراجته النارية من مقر الشرطة العدلية، وأسفر عن إصابة أربعة من الشرطة.
وتقول مصادر أمنية وإعلامية تونسية، إن الإرهابي الذي نفذ الهجوم يدعى محمد أمين الكحلاوي، يقطن حي “التضامن” الشعبي المزدحم في ولاية أريانة، وكان عضوا في تنظيم “أنصار الشريعة” التابع للقاعدة، قبل تحوله إلى تنظيم داعش، تماما كما هو شأن القيادي المتشدد كمال زروق، الذي جند هذا الفتى الانتحاري مع كثير من أبناء “التضامن”، ولاحقا انتقل زروق إلى سوريا، وانتشرت أنباء عن مقتله في غارة جوية.
كان الانتحاري بحسب مصادر أمنية تونسية، يضمر حقدا دفينا للشرطة منذ توقيفه سنة 2016، خلال محاولته السفر إلى سوريا للقتال.
تونس .. خمسة أيام عصيبة في انتظار عودة “القائد”
“لم ينالوا ما أرادوا، لقد كان تأثير الهجومين محدودا للغاية” يقول ضابط شرطة بزي مدني، يدقق عن بعد في هويات الواصلين إلى مطار تونس قرطاج الدولي. يحدق الضابط في شاب بدت ملامحه مريبة، ثم يتركه يمر دون أي سؤال.
يوضح الضابط وهو في منطقة الأمتعة بعد اجتياز شرطة الجوازات، قائلا: “نعرف كل فرد منهم، نراقبهم ونتابع تحركاتهم، ونضبط أي عائد من سوريا”.
وخارج المطار تقف صفوف عشوائية طويلة من المسافرين والمستقبلين، فقد علقت السلطات الدخول إلى المطار، وشددت إجراءاتها الأمنية فيه.
“تونس حرة والإرهاب برة”
رفضت بعض المقاهي في المنطقة المقابلة لموقع الهجوم الأول، إغلاق أبوابها لحظة التفجير وما بعده، كما أصر الناس على مواصلة حياتهم بصورة طبيعية، وتجمعوا لمرات عدة، هاتفين “تونس حرة حرة والإرهاب برة برة”.
فيها أكملت الباصات التي تعج بالسياح عملها في المنطقة، وكأن شيئا لم يكن. يصرخ سائح جاء من البوسنة بأعلى صوته “نحن مجموعة من 21 سائحا بوسنيا، نحب هذا البلد ونعيش فيه أجمل الأيام.. أنا أزور تونس منذ أعوام عدة ولم أواجه مشاكل”.
أراد “داعش” الذي تنبى الهجومين، توجيه رسائل رمزية بالهجوم على دورية بشارع شارل ديغول الواقع على بعد أمتار من مبنى السفارة الفرنسية، وفي خضم بداية واعدة لموسم سياحي تأمل تونس أن يدر الكثير من المال.
فيما سعى داعش بحسب أحد الصحافيين المتابعين لهجمات التنظيم، إلى توجيه رسالة لوحدة مكافحة الإرهاب بالشرطة العدلية في منطقة الفرجاني، التي تعد إحدى حراب الدولة في مواجهة الإرهاب.
يؤكد المتحدث باسم القطب الوطني لمكافحة الإرهاب سفيان السليطي، أن السلطات تعرفت على هوية المهاجمين، لكنها تفضل عدم تأكيد المعلومات المتداولة. فيما يقول السليطي إن الأبحاث قطعت خطوات كبيرة في سبيل كشف خبايا الهجومين كاملة.
وداهمت قوات الأمن نحو 500 موقع بمناطق عدة بعضها في قمم وسفوح جبال بولايتي القصرين وقفصة، واعتقلت أكثر من 25 شخصا يشتبه بأن لهم صلة بالهجوم وبالجماعات الإرهابية.
وكان شعب تونس خلال الأيام التي أعقبت الهجومين منهمكا في متابعة نتائج أبنائه في امتحانات الثانوية العامة (الباكالوريا).
وفي المساء يحدق الجميع في الشاشات منتظرين مباريات منتخبهم في بطولة الأمم الإفريقية، رغم موجة السخط العارمة التي يواجهها المنتخب ومدربه، نظرا للمستوى الذي ظهر به.
فيما تخوض الدولة حربا أخرى على جبهات عدة، هدفها نشر الشعور بالطمأنينة في قلوب ملايين السياح. ويقود تلك الحرب وزير السياحة روني الطرابلسي، مستعينا بخلية شُكلت بعد الهجومين، وتنسق مع الداخلية والقطاعات الأخرى، لضمان أن لا تؤثر حماقات “ذئاب داعش”، على سمعة سياحية “صيفية” تدر ملايين الدولارات في خزائن بلد مرهق.