واشنطن وتقسيم شبه الجزيرة .. كاتب سوري يتحدث
اعتادت بريطانيا والولايات المتحدة في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي على توظيف العائلة المالكة السعودية بشكل سري بوساطة أموال النفط والدور الديني ضد الدول والقادة المناهضين للاستعمار في العالم العربي والمنطقة، وهذا ما سجله التاريخ حين قدمت العائلة المالكة السعودية الأموال لكل من يعمل على قلب نظام الحكم المصري في عهد جمال عبد الناصر، وكانت هذه المهام تجري بشكل سري طوال تلك العقود ضد مصر وسورية والعراق بشكل خاص، لكن هذا الدور أصبح يجري في وضح النهار وبشكل علني تجمع فيه العائلة المالكة كل المتآمرين ضد الدول الوطنية والقومية في العاصمة الرياض بتنسيق مباشر وعلني مع الإدارات الأميركية وهذا ما قامت بتنفيذه ضد سورية والعراق، ثم ضد اليمن منذ عام 2011 بمشاركة قطر وسيطرت على الجامعة العربية بعد تجميد عضوية سورية ثم بدأت بتأسيس التحالفات وبتوظيف دول مثل السودان في عهد الرئيس السوداني المخلوع حسن البشير للمشاركة في تنفيذ الخطط الأميركية، وانتقلت إلى الإعلان عن تعاونها مع واشنطن ضد إيران وفتحت بوابة للعلاقات مع تل أبيب في مواجهة إيران، وفي النهاية لم تستطع العائلة المالكة السعودية تحقيق أي هدف في سورية أو العراق أو اليمن أو إيران برغم كل ما حشدته من أموال هائلة وتحالفات مغرية وحشد عسكري شاركت فيه السودان ومجموعات من المرتزقة الأجانب ضد اليمن، بل إن النتيجة التي ظهرت بسبب هذه السياسة ولدت انقساماً داخل بيت التحالف الخليجي إلى حد جعل العائلة المالكة تلعب في الساحة الخليجية وحدها بعد أن تنازعت مع قطر واختلفت مع الكويت وعمان ثم تناقضت مع الإمارات ولم يبق لها سوى العائلة المالكة في البحرين، بعد أن صمدت قوات أنصار الله في اليمن في مجابهة عدوانها طوال خمس سنوات وتمكنت من إحباط أهدافها بتصفية وجود هذه القوات وبقائها في اليمن. وهكذا حمل لها الدور الوظيفي العلني لخدمة المصالح الأميركية الإمبريالية أسوأ النتائج فقد تراجع دورها الإقليمي وتعرض وضع جبهتها الداخلية لتأزمات اجتماعية وثقافية وسياسية نقلتها إلى مفترق طرق مجهولة حتى الآن. كما تعرضت علاقاتها على المستوى الدولي بعد اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول إلى اهتزاز وتدهور فتجمعت أسباب كثيرة في السعودية تشجع الإدارة الأميركية وحلفاءها على تقسيم السعودية بهدف ضمان مصالحها الإستراتيجية النفطية والاقتصادية والأمنية على أطول زمن ممكن، فالولايات المتحدة تجد في الدول الصغيرة في شبه الجزيرة العربية والخليج تجربة ناجحة في المحافظة على الأمر الواقع وإبعاد مراكز القوى الداخلية فيها وكذلك منع النفوذ غير الأميركي عليها.
وهذا ما كشفته منذ عام 2002 المجلة البريطانية الواسعة الانتشار «نيوسيتمان» في تحليل بقلم بول موكرافت الذي كان يعمل في وزارة الدفاع البريطانية ثم أصبح رئيس تحرير المجلة العسكرية «ديفينس ريفيو»، فقد أوضح موكرافت أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن أعد هذه الخطة لأن السعودية قابلة للتقسيم مذهبياً وقبائلياً بحسب الأراضي التي تتجمع فيها الثروات النفطية وتحويل مكة والمدينة إلى مجمع ديني تديره العائلة المالك السعودية، وقد نشر موكرافت دراسة في 5 آب 2002 في مجلات إلكترونية متعددة، وكان نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عام 2007 والمرشح الديمقراطي لانتخابات الحزب للرئاسة في هذه الأوقات قد أعد خطة لتقسيم العراق بموجب مناطق الثروة النفطية فيه وإبقائها ضمن دويلات تسيطر عليها الولايات المتحدة، وذكر في مناسبات أخرى إمكانية تقسيم أراضي السعودية بموجب هذه المعادلة الأميركية وتحويل كل منطقة تتجمع فيها الثروات النفطية السعودية إلى دويلات وتبقى العائلة المالكة في مكة والمدينة، كما نشر موقع «أويل إيمباير» الأميركي عام 2008.
كان الكونغرس نفسه قد وافق على البدء بتقسيم العراق بدعم من بايدن بموافقة 75 عضواً واعتراض 23 عضواً، وهذا يدل الآن على أن الجمهوريين الذين يرشحون ترامب للرئاسة مرة أخرى يحملون الخطة نفسها من عهد بوش الابن، وكذلك الديمقراطيون يؤيدون هذه الخطة سواء نجح بايدن كمرشح للرئاسة أم فاز غيره منهم.
الإمبريالية لا تهتم بالحكام بقدر ما تهتم بمصالحها وتقوم بتبديل الحكام كما تفرض مصالحها وليس مصالحهم.
وبعد فشل المشروع الأميركي بتقسيم العراق يبدو أن العد التنازلي سيبدأ لتقسيم أكبر دولتين في شبه الجزيرة العربية هما اليمن والسعودية، لكن اليمن قادر بفضل قوات أنصاره وبقية القوى الوطنية حماية نفسه من هذه المشاريع، فهل ستكون العائلة المالكة قادرة على حماية أراضي السعودية؟
تحسين الحلبي